الخبز.. أحمر بالخط العريض
- بواسطة فؤاد عبد العزيز – اقتصاد --
- 13 تشرين الثاني 2023 --
- 0 تعليقات
مع كل قرار برفع سعر الخبز، يتبعه تأكيد من قبل مسؤولي النظام بأن الخبز خط أحمر.. فما ضرورة هذه اللازمة المتناقضة مع القرار ذاته..؟
منذ أكثر من عامين والنظام السوري يريد من الآخرين أن ينظروا إلى المجتمع السوري على أنه يقسم إلى طبقتين، الفارق بينهما كبير جداً: الأولى تستحق الدعم والثانية لا تستحقه.. وهذه الرؤية من حيث المنطق معقولة، لكن عنصر الخلاف فيها هو بحجم كل طبقة من هاتين الطبقتين وفقاً لمعايير النظام.. ففي الوقت الذي بلغ فيه حجم الطبقة المستبعدة من الدعم أكثر من 30 بالمئة من الشعب السوري، يرى الكثيرون أن هذه الطبقة لا تتعدى الـ 5 بالمئة، وبالتالي فإن هناك ظلماً كبيراً لحق بعدد لا يستهان به ممن استبعدهم النظام من الدعم، وهؤلاء يدفعون اليوم فاتورة باهظة من دخلهم الشهري ثمناً لربطة الخبز فقط، تم تقديرها بـ 180 ألف ليرة شهرياً، وذلك بالنسبة لأسرة مكونة من خمسة أفراد، بعد أن تم رفع سعر الربطة إلى 3 آلاف ليرة.
عدا عن ذلك، فإنه بسبب الإزدحام على الأفران، فإن قسماً كبيراً من المستبعدين من الدعم يضطرون لشراء خبزهم من الباعة أمام الأفران بسعر 5 آلاف ليرة للربطة، أي أن فاتورة الخبز لوحدها تبلغ أكثر من راتب الموظف الحكومي الشهري.
ومن ناحية أخرى، لو ناقشنا فكرة من يستحق الدعم ومن لا يستحقه، وفقاً لسعر الخبز فقط، فسوف نحصل على مفارقة غريبة.. إذ أنه بناء على عقلية النظام الحسابية، فإن الأسرة المدعومة المكونة من خمسة أفراد، تدفع ثمن خبز ما يقارب الـ 18 ألف ليرة شهرياً، وهو ما يشكل نحو 8 بالمئة من راتب الموظف الحكومي الشهري، الذي يبلغ بالمتوسط نحو 250 ألف ليرة، هذا في حال كان أحد أفراد الأسرة موظفاً فقط، بينما على أرض الواقع غالباً ما يكون هناك أكثر من موظف في الأسرة السورية.. فلو عكسنا هذه القاعدة على نفس الأسرة غير المدعومة، فإنه يفترض أن يصل دخل هذه الأسرة التي تدفع حالياً 180 ألف ليرة شهرياً ثمن خبز، إلى أكثر من 2 مليون ليرة شهرياً.. فهل من المعقول أنه يعيش في مناطق النظام أكثر من 700 ألف أسرة، الذين تم استبعادهم من الدعم، تحصل على هذا الدخل شهرياً..؟!
والأمر لا يتوقف على رفع الدعم عن الخبز فقط، بل عن المحروقات والعديد من المواد التموينية، وهو ما يجعل فاتورة استهلاك المستبعدين من الدعم، تفوق بكثير فاتورة الحاصلين على الدعم.
خلال الأيام الماضية، تواصلت مع العديد من الأصدقاء ممن يعيشون في مناطق النظام من شرائح مختلفة "محامون، مهندسون، مهن حرة، يمتلكون أكثر من سيارة أو بيت"، الذين تم استبعادهم من الدعم، وكنت أسألهم عن متوسط دخلهم الشهري.. الكل قال إن دخله بالكاد يصل إلى مليون ليرة أو أكثر بقليل، ما يضطرهم لدفع فرد آخر من الأسرة إلى سوق العمل من أجل تلبية الاحتياجات المعيشية اليومية فقط، وغالباً ما يكون ذلك على حساب مستقبل هذا الفرد الدراسي.
إذاً، النظام يريد أن يكون كل الشعب السوري فقيراً ومعدماً، بحجة المساواة فيما بينهم، بينما مهمته يجب أن تكون رفع طبقة المعدمين إلى طبقة الميسورين.. أو على الأقل المستورين.
التعليق