من سيعيد بناء سوريا ..؟!

بدت عشرات مليارات الدولارات التي يتم تداولها عن خسائر الاقتصاد السوري أو تلك التي تتطلبها لإعادة الإعمار، بدت غير ذات معنى في نظر السوريين المعارضين، الذين يرون أن كل ذلك لن يكون له قيمة إذا ما استطاعوا إزالة هذا النظام.

أما النظام، الذي يحاول أن يبين استمراره بالسيطرة على البلد، فهو يتحدث عن إعادة الإعمار بعقلية معلم البيتون، على أنها حصى ورمل وإسمنت وحديد وعمال.

فلماذا لا تستوقف هذه الأرقام كلا الطرفين، رغم ضخامتها بالمقارنة مع إمكانيات البلد..؟

الخسائر الحقيقية، المباشرة وغير المباشرة، التي تعرض لها الاقتصاد السوري خلال السنوات الأربع الماضية، هي في الواقع أكبر من أي دراسات وأبحاث تحاول أن ترصد حجم المأساة التي حلت بالبلد.
وبتصوري أنه ليس بمقدور أية جهة، مهما بلغت من المهنية، أن ترصد هذه الخسائر بدقة.. ويبقى ما يتم تداوله من أرقام، عبارة عن تقديرات تفتقد للضمير .. وهي صادقة بجميع الأحوال، لسبب بسيط أن الأزمة لازالت مستمرة ... وعموماً هكذا حروب لا تضع أوزارها بسهولة، وليس بالضرورة أن تنتهي بسقوط النظام .. لذلك أعتقد أن من يضعون هذه الأرقام ليس لديهم قلق كبير تجاه صدقيتها، وهم مطمئنون إلى أن أحداً لا يستطيع تكذيبهم.... !!

باختصار وبضربة واحدة، وبعيداً عن هذيان الأرقام، فإن أكثر من 70% من سوريا مدمرة، أرضاً وشعباً وثقافة وحضارة واقتصاداً، وما تبقى ليس هناك ما يضمن أنه لن يتدمر هو الآخر. لذلك خير من أن نقول إن الاقتصاد السوري خسر خلال السنوات الأربع الماضية أكثر من 200 مليار دولار بحسب تقديرات المركز السوري لبحوث السياسات، فالأجدى أن نتحدث عن التكاليف التي يتطلبها إعادة بناء كل هذا الخراب، ومواردها. والأهم برأيي كم سيستغرق ذلك من سنوات..؟

لو أن النظام يدرك أنه هو من سيقوم بإعادة بناء البلد لما دمرها. وهو ما يعني أن النظام حسم مسألة رحيله في اللحظة التي قرر فيها استخدام كل أسلحته الثقيلة من طيران وصورايخ وبراميل، لتدمير أكبر قدر ممكن من البلد .. وهي سياسة اتبعها كل الطغاة في العالم وعلى مبدأ: "إذا مت ظمآناً فلا نزل القطر".
هذا يعني فيما يعنيه، أن إعادة البناء سوف تقع على عاتق المعارضة والشعب السوري ... وبالتالي ما هي المجهودات التي قامت بها المعارضة وتقوم، لدراسة هذا الأمر..؟

قد يرى البعض أنه من المبكر الحديث عن إعادة الإعمار، فيما الدمار لازال مستمراً والدماء تسيل بغزارة، ولا أحد يعرف على وجه التحديد متى ستنتهي هذه المأساة. وأنا أقول إن أي تأجيل في بحث هذا الأمر سوف يزيد من مأساوية الأزمة بعد سقوط النظام، الذي هو قادم لا محالة، فالتاريخ لن يرجع إلى الوراء أبداً .. لهذا، ماذا قدمت المعارضة بهذا الخصوص، ولماذا لا نجد لها أي مجهود بحثي على الأقل في هذا المجال..؟

أليس الحديث وتقديم الخطط والدراسات من العوامل التي تعطي المعارضة بعداً آخر، قريب من هيكلية الدولة الموعودة..؟، أما وأن المعارضة تغفل هذا الجانب تماماً، فهذا يجعل السوري غير قادر على الشعور بالأمان على مستقبله، وكثير منهم بدؤوا يتقبلون فكرة الاستقرار في منفاهم ومغتربهم..
إن الخطأ الجسيم الذي ارتكبته المعارضة، أنها تقبلت فكرة أن تكون سوريا كلها ثمناً لسقوط النظام.
وهي لم تعتبر سقوطه أولوية على كل شيء فحسب، بل وعطلت العمل في كل شيء، وأخذت الجميع معها إلى عالم السياسة، بما في ذلك رجالات الاقتصاد ورجالات الأعمال المحسوبين على المعارضة.
كنا نتمنى لو أن هذه الرجالات، وهي أسماء مهمة في عالم الاقتصاد والأعمال، أنجزت لنا سوريا التي نتمنى ونسعى، ولو على مستوى الورق والرؤية... ليتها لو تقول لنا كيف ستعيد بناء كل هذا الخراب ومن أين سيتم تغطية تكاليفه، وما هو النظام الاقتصادي المقترح أو التجارب التي يمكن أن يستفاد منها..؟، غير أن شيئاً من هذا لم ينجز حتى الآن، وهو من عوامل فقدان الثقة بالمعارضة، التي يرى كثيرون أنها لن تختلف كثيراً عن النظام.

أرجو أن تتنبه المعارضة إلى مثل هذا المجهود في عملها، ومنذ الآن.
لأن المشكلة التي ستواجه الناس بعد سقوط النظام سوف تكون اقتصادية بامتياز، والأقدر على قيادة البلد في المستقبل، سوف تكون لمن بحوزته ما يحفظ كرامة وحياة هذا الشعب الذي ضحى كثيراً في سبيل حريته وحرية بلده.

ترك تعليق

التعليق