التنظيم على أبواب تدمر...البعد الاقتصادي

في الوقت الذي تجري فيه الاشتباكات بين مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية وبين مقاتلي النظام السوري، شرق مدينة تدمر، يعتقد مراقبون أن المدينة التي تشكل إرثاً تاريخياً فريداً، على أبواب خطر مُحدق.

وفيما يتوقع مراقبون أن تتعرض آثار تدمر، التي تعود لعصور ما قبل الإسلام، لتدمير كبير على أيدي مقاتلي التنظيم، في حال نجحوا في السيطرة عليها، يركز مراقبون آخرون على البعد الاقتصادي الذي تبتغيه قيادة التنظيم من محاولات اجتياح المدينة.

ويُجمع المختصون والمتابعون لنشاطات تنظيم الدولة، أن تهريب الآثار يشكل مورداً هاماً من موارده. وفي ضوء التراجع الكبير في الإيرادات النفطية للتنظيم خلال الأشهر الأخيرة، يبدو أن تهريب الآثار بات مورداً مُلحاً، خاصة أن شبكات التهريب الممتدة عبر تركيا ولبنان، لتمرير ما نُهب من آثار سوريا، مستنفرة لأي جديد يمكن أن ينتقل إلى أسواق الغرب المُتعطشة لهذه السلع، باهظة الثمن، وشديدة النُدرة.

ويعتقد مختصون أن إيرادات التنظيم النفطية تراجعت إلى العُشر منذ مطلع العام الجاري، بسبب قصف قوات التحالف الدولي للعديد من المواقع والمنشآت النفطية وطرق التهريب التي يتحكم بها التنظيم، ناهيك عن آثار تراجع أسعار النفط عالمياً.

وفي حين كانت إيرادات التنظيم من النفط في سوريا والعراق تُقدر بما يتراوح بين 3 إلى 5 ملايين دولار يومياً، انخفضت هذه الإيرادات إلى ما بين 500 إلى 750 ألف دولار يومياً فقط.

وفي ضوء تعطش سوق الآثار المُهربة في الغرب لآثار منطقة الهلال الخصيب (سوريا والعراق)، خاصة تلك التي تعود لعهود ما قبل الإسلام، يمكن تفسير أحد دوافع تنظيم الدولة للتقدم صوب تدمر، دون إهمال الأبعاد اللوجستية والأمنية الأخرى، المرتبطة بأهمية موقع المدينة، استراتيجياً.

وفي هذا السياق، يذكر تقرير لـ "بي بي سي" العربية، نُشر في نيسان الفائت، أن الإيرادات من بيع الآثار المنهوبة من موقع أثري بمدينة النبك، غربي دمشق، وصلت إلى 36 مليون دولار أمريكي. الأمر الذي يدفعنا لتصور حجم المكاسب المُرتقبة جراء سيطرة التنظيم على مدينة تدمر الزاخرة بالآثار الثمينة.

وحسب تقرير الـ "بي بي سي" المُشار إليه، فإن تنظيم الدولة، الذي بث فيديوهات عن تدمير مقاتلييه لمواقع أثرية هامة، مثل نمرود ونينوى والحضر، شمال العراق، قام ببيع عشرات القطع الأثرية في السوق السوداء، يُعتقد أنها سُرقت من المواقع الأثرية المذكورة.

ويعتقد مختصون أن التنظيم يُدمر الآثار التي لا يمكن نقلها أو تفكيكها، والاستفادة من ذلك دعائياً، تحت عنوان تدمير "أصنام" لا تتوافق مع الشريعة الإسلامية، حسب زعم مسؤوليه. لكن في الخفاء، يقوم التنظيم ببيع القطع الأثرية التي يمكن نقلها بسهولة إلى خارج العراق وسوريا، عبر شبكات تهريب ناشطة من خلال تركيا ولبنان، لتصل هذه المقتنيات الأثرية الثمينة إلى أسواق الغرب، في أغلب الأحيان.

وفي سبيل تدعيم تجارة الآثار، يستخدم التنظيم جرافات مخصصة للكشف عن المواقع الأثرية، أو يوظف أناساً محليين ليحفروا المواقع والقبور الأثرية، ومن ثم يجبي منهم ضريبة حسب قيمة الكنز المكتشف.

وحسب "بي بي سي"، فإن من بين القطع الأثرية المرغوبة في الأسواق السوداء بالغرب، الأقراص المسمارية، والأختام الاسطوانية، والجِرار، والخزفيات، والنقود المعدنية، والزجاج وخاصة الفسيفساء، التي يمكن تكسيرها بسهولة لنقلها. وكلما كان الشيء أصغر وكان إخفاؤه وحمله ونقله أسهل، غلا سعره.

وحسب التقرير المُشار إليه، فإن حالة النهب الجارية اليوم لآثار سوريا، تكرر ما حدث بُعيد احتلال العراق عام 2003، حيث حصلت عملية نهب واسعة النطاق لآثار العراق، بدءاً من متحف بغداد، وليس انتهاءاً بالمواقع الأثرية النائية. وكمثال، عرضت السلطات الأمريكية، في شهر آذار الماضي، ما يقرب من 60 قطعة أثرية عراقية مُهربة تمت استعادتها. شملت تلك القطع تمثالاً مهيباً لرأس الملك الآشوري سرجون الثاني، والذي قُدِّر ثمنه بـ1.2 مليون دولار أمريكي.

يُذكر أن مدينة تدمر مشمولة باعتبارها "تراثاً عالمياً عالي القيمة"، وفق منظمة اليونسكو. وكانت المدينة تحظى بما يقارب 6600 زائر شهرياً، قبل العام 2011، معظمهم من الجنسيات الأجنبية.

ترك تعليق

التعليق