العلوية العسكرية...والعلوية الاقتصادية

لا يكاد يمضي أسبوع دون أن يقوم أحد وزراء حكومة النظام بزيارة لمحافظتي اللاذقية وطرطوس، وإطلاق الوعود والتصريحات الرعناء التي توحي بأن النظام ينوي نقل ثقله الاقتصادي إلى هناك تمهيداً لتأسيس دولة طائفية.
 
وبعيداً عن حقيقة هذه الوعود، وما يقال عن استعدادات  للتقسيم يقوم بها النظام .. لكن حتى الآن، وبعد أربع سنوات من عمر الثورة، لم يطرأ أي تغيير على هاتين المحافظتين من الناحية الاقتصادية، ولم يستطع النظام نقل أو تأسيس أي مشروع نوعي هناك، وكل محاولاته لدفع رجال الأعمال للاستثمار فيها، بذريعة استقرارها، لم تفلح حتى بإغراء أبناء المنطقة بترحيل أعمالهم إليها.. الشيء الوحيد الذي استطاع النظام تقديمه للمنطقة الساحلية هو القتل، وبالتالي لا يمكن قراءة مضمون هذه الزيارات والتصريحات سوى أنها تأتي في باب تشجيع استمرار "المقتلة" التي يتعرض لها أبناء هاتين المحافظتين ..
    
وفي المقابل هناك من يرى أن زيارات المسؤولين للمنطقة الساحلية وإطلاق التصريحات النارية وإظهار الود الزائد، هي عادة أسدية قديمة من أيام حافظ الأسد، وهي غالباً مجرد اجتهادات شخصية من قبل الوزراء أنفسهم، وتدخل في باب النفاق الذي عود النظام مسؤوليه عليه لنيل المزيد من الرضا، لكن هذه العادة أخذت خلال الثورة السورية بعداً آخر، بسبب طبيعة الصراع بين النظام والمعارضة.

وخلال الأسبوع الماضي، كان لي محادثة طويلة وصريحة عبر الهاتف مع أحد الصحفيين من أبناء المنطقة الساحلية، وكنا فيما مضى زملاء وأصدقاء، لكن شاءت الظروف أن يكون كل منا في خندق مختلف عن الآخر .. قال لي وهو يحاول أن يوضح فكرة تأسيس دولة علوية في الساحل: "لا أخفيك، اليوم أبناء الساحل باتوا يتمنون هذا الأمر، لكن الواقع من الناحية الاقتصادية والديمغرافية أشبه بالمستحيل، لأن هناك أكثر من مليون علوي منتشرين في المحافظات السورية، إضافة لوجود أكثر من مليون سني اليوم في المنطقة الساحلية ..."، وأما من الناحية الاقتصادية، أضاف: "لقد نجح حافظ الأسد بتأسيس العلوية العسكرية، بينما كانت مهمة بشار إنجاز مشروع العلوية الاقتصادية، وهو ما لم ينجح به ..". وبيّن أن مشروع العلوية الاقتصادية كان يهدف لأن تكون الحياة الاقتصادية في سوريا كلها بيد رجال أعمال علويين، كما هو الأمر في الجانب العسكري .. إلا أن بشار حسب رأيه أخطأ أو أن الثورة عاجلته، فلم يعط نفوذاً ومالاً سوى لرامي مخلوف، بينما كان المأمول أن يكون هناك أكثر من رامي مخلوف في سوريا ..

 وعن علاقة ذلك بالتقسيم، رأى هذا الصحفي أن النظام لم يكن يحضّر لهذا الأمر من قبل، لا عسكرياً ولا اقتصادياً، وإنما كان يخطط لحكم سوريا إلى الأبد عبر إحكام قبضته على الحياة العسكرية والاقتصادية ... وختم قائلاً: "فكرة التقسيم قد يتم فرضها من قبل قوى دولية أو قد يفكر النظام بها في اللحظات الأخيرة، لكنها لن تعيش ولن تستمر.. فلا يوجد في اللاذقية وطرطوس أدنى مقومات الدولة، أقلها من ناحية الخدمات والبنى التحتية... ناهيك عن أن هناك صراعات، عسكرية واقتصادية، داخل الطائفة العلوية ذاتها، ليس من السهولة حسمها في حال استقر القرار على تأسيس دولة مستقلة ...".

ترك تعليق

التعليق