ثلاث "فروجات" تعادل غرام ذهب..."اقتصاد" ترصد صوراً من الحصار في دير الزور

الكتابة عن دير الزور تشبه الكتابة عن غائب أو مفقود انقطعت أخباره منذ فترة طويلة .. هي المحافظة التي لم يكف أبناء الثورة، ومنذ أيامها الأولى، عن القول أنها مظلومة إعلامياً .. ولكن لم يكن يتوقع أحد أن يصل الأمر إلى حد نسيانها ... من جهة أخرى، كيف تجوع هذه المحافظة وهي تختزن ثلاثة أرباع ثروة سوريا من النفط والزراعة ... ؟، أين تذهب الأموال التي يحصل عليها تنظيم "الدولة الاسلامية" من تجارة النفط؟، ولماذا يقوم بتجويع "الديريين" بينما لا يفعل نفس الشيء في باقي المناطق التي يسيطر عليها ..؟، كيف تحولت محافظة بهذا الحجم وبهذه الإمكانيات إلى منطقة محاصرة من كل الجهات، بينما لا أحد يستطيع نجدتها ...؟

قصة الحصار

يقول ثائر زكي الزعزوع، وهو صحفي من أبناء محافظة دير الزور، محاولاً رسم المشهد الذي أدى إلى حصارها: "لقد ابتليت دير الزور منذ بداية الثورة بجار حدودي سيء هو رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي الذي وقف ضد ثورة الشعب السوري قولاً وفعلاً، فكان أول من فرض الحصار على المحافظة عندما أغلق وبإحكام جميع المنافذ الانسانية أمام أهالي الدير".

 ويتابع ثائر: "أما بالنسبة لحدود المحافظة مع الداخل السوري فهي مناطق صحراوية ممتدة على مسافات شاسعة ومكشوفة وخالية من المدن، الأمر الذي سهل من حصارها، وصعب من وصول المساعدة إليها".

 وأما من الناحية الداخلية، يضيف ثائر: "كتائب الجيش الحر كانت هي الأقوى في المحافظة لكنها أنهكت بسبب الحصار الخارجي"، وهو ما سهل حسب قوله من دخول تنظيم الدولة الإسلامية إلى المحافظة مستفيداً من إنهاك وتشتت كتائب الجيش الحر.

وأما سبب قيام تنظيم الدولة بتجويع "الديريين" وحصارهم، بعكس المناطق الأخرى التي يسيطر عليها، فيرى ثائر، أن دير الزور المدينة تحديداً، ترفض الخضوع لسيطرة تنظيم الدولة، مشيراً إلى أن هناك مقاومة شديدة من قبل الأهالي ومما تبقى من الجيش الحر لهذا التنظيم .. بينما يسيطر تنظيم الدولة على أغلب المدن والقرى في شرقي المدينة وصولاً إلى البوكمال مع الحدود العراقية.
     
ويلخص ثائر واقع المحافظة حالياً على الشكل التالي: "النظام يطوقها جواً وتنظيم "الدولة" يستبيحها أرضاً، وكلاهما يقتسمان خيراتها ضمن اتفاقات سرية وعلنية، بينما أهل المدينة الذين لحق الدمار ببيوتهم وحياتهم يتضورون جوعاً وهم لا يجدون من يهب لنجدتهم".

ويختم ثائر بالقول: "إن حكاية دير الزور ليست جديدة مع الإهمال والسرقة. فقد أظهر تقرير، نشر عام 2005، بإشراف إحدى المؤسسات التابعة للنظام، أن معدل التنمية في دير الزور لا يتجاوز 4%، بينما تنتج المحافظة ثلاثة أرباع النفط السوري من أراضيها، وتشكل حقولها وبساتينها رافداً أساسياً من روافد الاقتصاد الزراعي في البلد. ولكن أهل الدير، كانوا يتعايشون مع ذلك الواقع المؤلم كما كان يتعايش باقي السوريين".

البحث في التفاصيل

المشهد العام عن مدينة دير الزور أنها محاصرة منذ نحو خمسة أشهر، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء ولا غذاء ولا انترنت، وهي مقطوعة عن العالم الخارجي خيره وشره، وكذلك العالم الخارجي مقطوع عنها .. فهل يكفي هذا المشهد لكي نعرف حقيقة الوضع داخل المدينة .. أم أن هناك الكثير من التفاصيل المرعبة التي يمكن أن تروى وتقال ...؟

في الحقيقة هناك صعوبة كبيرة لمعرفة واقع الناس الحالي داخل المدينة، كيف يعيشون ومن أين يأكلون ...؟، فهي معزولة بكل معنى الكلمة .. لكن الفضول قادنا للبحث في عدد كبير من صفحات التواصل الاجتماعي العائدة لأبناء المدينة والذين استطاعوا أن ينقلوا صوراً مقتضبة عن واقع الحياة المعيشية، ومجمل هذه الصور تعطينا مشهداً وافياً عما يجري في داخلها.

أحد هؤلاء كتب في 24 نيسان الماضي: "حوالي 5 أشهر من الحصار وحوالي 55 يوماً دون الكهرباء، وندرة الماء وفحشاء التجار والفاسدين ووحشية التكفيريين وفاشيتهم، معاناة حوالي 400 ألف مواطن منهم 85 ألف طفل..".

آخر كتب: "يا أمم يا بشر يا حجر أقسم بالله كهربا ما بي من 25 يوم، والمي يوم بيوم ولساعات بس، لا فاكس لا ايميل لا نشرة أخبار لا راديو لا جرايد، الخضار حسرة، والفواكه عدم، والحلويات حلم! حصتنا: (عشر رغفان خبز فقط)!.  لا محروقات، عميت عيوننا من ريحة الحطب والشحاطات المحروقة، مرض وقمل، جوع ذل موت بطيء .. ! نحن في دير الزور المنطقة الشرقية من سوريا، نحن هنا يا أحبة: فكوا الحصار عنا .. ".

وتحت عنوان الموت فولاً كتب أحدهم: "صباح الخير من الدير، صباح الشعط والمعط بشارع الوادي، عراك بالأيادي، وتهديد ووعيد من أجل: كيلوين فول !. طوابير من أجل شدة بقدونس، ذل ومهانة ودفش من أجل فول، الزلم تبهدل النسوان وبالعكس من أجل شوية ثوم.. ! يا جماعة الخير، تعالوا وانظروا، ماذا حل بنا: أين أبناء الفرات العظيم ..؟! ".

وأيضا كتب أحد الناشطين بتاريخ 29 نيسان الماضي: "صباح الخير من الدير، صباح الفروج المثلج بأسواق الدير، الناس تقوم بهجوم كاسح لتحصل على فروجة، وذلك بعد انقطاعه منذ بداية الحصار، سعر الكيلو 1300 وأقل فروجة سعرها 3000! والشحنة أتت بالطائرة عن طريق المتعهد .. فكل ثلاث فروجات تعادل غرام ذهب الذي وصل سعره 10000 ليرة للغرام الواحد هنا دير الزور المحاصرة المنكوبة..!!".

 وكتب آخر: "حصلنا بأعجوبة على كيلو ونصف كوسا بـ 1200 ليرة ولعدم وجود غازٍ أو كازٍ، أشعلنا فردتي حذاءٍ قديم لطبخها في (الواوي) وهو تنكة مثقبة، أو موقد من الطين، فاستهلكت فردة ونصف، والنصف الباقي استهلكناها لإبريق شايٍ...! ".

 ومن الكتابات أيضاً: "حمّام كل 15 يوماً، نشتري لتر كاز بـ 1750 ليرة لتسخين الماء، ولتر بنزين لمولدة الجيران للحصول على الماء، ولوح صابون ما بين 800 وألف ليرة، أي حوالي 4500 ليرة فقط للحمام أما غسيل الثياب فحدث ولا حرج ..!!".

دير الزور تذبح بصمت

قام عدد من الناشطين مؤخراً بإنشاء صفحتين على "فيسبوك" بعنوان "دير الزور تذبح بصمت" و "معاً لفك الحصار عن دير الزور"، في محاولة للفت الانتباه إلى ما تتعرض له المدينة من مآسي إنسانية نتيجة الحصار الذي يفرضه تنظيم الدولة والنظام عليها، كما أنها محاولة لطلب المساندة من العالم عله يجد طريق لإنقاذ ما تبقى من سكانها ... وقد حاولنا أن نرصد أبرز الصور الواردة في هاتين الصفحتين، بما يبين الواقع الذي يعانيه أهل المدينة تحت الحصار:

- تنظيم "الدولة الاسلامية" يصدر بتاريخ 17-5-2015 تعميماً يقضي بمنع محلات الصرافة (في المناطق الخاضعة لسيطرته في دير الزور)، من تحويل أي مبلغ مالي إلى "بلاد الكفار".

- صباح الخير من الدير: الناس دايخة من الصبح تريد رغيف خبز وما تلاقي، مرة الفرن معطل أو ما بي خميرة ومرة مابي مازوت وما أجت المي تايعجن العجان ومرة الطحين قل ومرة عطلانة المطحنة ومرة بطل المعتمد شوفوا أحد غيرو ...هذه كلها أسباب والنتيجة ...حرمانك من رغيف الخبز بالرغم من الحصار وفقدان أبسط مقومات الحياة ... يا رب فرجك يا رب ..

- الجارة تدق الباب على جارتها تطلب منها شوية مي شرب وشقفة خبز تا تطعمي ابنها اليبكي من الجوع..!؟

- أسعف والده بعد منتصف الليل إلى المشفى بعد ألم في بطنه وعندما سأله الطبيب شو أكلت ..قالوا: لفة چبدة من شهرين ما أكلت لحمة..!؟، قالو الطبيب ما يصير تاكل دسم بعد الجفاف بالمعدة..!؟

- اتصل بأخته يسألها عن أحوالهم ..ردت عليه مباشرة جوعانين والله يا أخي ..!؟

- أصدر تنظيم "الدولة الإسلامية" قراراً بتاريخ 12-4-2015 بمنع عدد من الأساتذة من العمل في مجال التعليم أو دخول المدارس لأي سبب كان، لرفضهم الفكر الجهادي ..

- شبكات تهريب تبتز 300 ألف مدني محاصر في دير الزور ... 150 ألف ليرة مقابل الخروج من المدينة.

- حواجز النظام تمرر البضائع التجارية إلى أي محافظة مقابل رشاوي وأتاوات.

 - بتاريخ 8-5-2015 وفاة امرأة من حي البغيلية المحاصر، في  المشفى الوطني، بسبب نزيف شديد تعرضت له أثناء عملية ولادة قيصرية حيث أدى نقص العناية والمواد الطبية إلى وفاتها ووفاة الجنين ..

- الكثير من العائلات داخل الأحياء المحاصرة تفضل الموت جوعاً على شراء الخبز والحصص الغذائية بسبب ما يتعرضون له من أنواع الإهانات والضرب المبرّح من قبل عناصر الأمن الذين لا يفرقون بين طفل ومسن أو بين رجل وامراة وذلك أثناء تجمع المدنيين أمام الفرن أو المؤسسة.

أخيراً
   
 من مقال لـ "ثائر زعزوع"،  بعنوان "دير الزور الذبيحة": " رغم هذا الحصار الخانق وتلك الجرائم والمجازر المتلاحقة، إلا أن كل ذلك لم يعطل الأمل لحظة واحدة، ما زال الديريون يحلمون بالثورة، ولم لا .. ؟، ما زالت دير الزور كلها تبحث عن حريتها. قلت دير الزور الذبيحة، لأنها قربان حرية سوريا، شأنها شأن سواها، وقلت دير الزور الجريحة لأن جرحها العميق ما زال ينزف يوماً بعد يوم دون أن تجد من يداويها. صورة رحاب العلاوي ليست صورة عادية، هي صورة دير الزور ملقاة على الأرض، وحيدة تتشح بالسواد. وكما أن لكل شهيد اسماً وذاكرة فلدير الزور، التي لا تعرف كيف تموت المدن، ذاكرة طويلة تمتد من ماري لتصل إلى دورا أوربوس وحلبية وزلبية. وهي المدينة التي تستطيع أن تنهض من تحت الرماد".

ترك تعليق

التعليق