"الشعار"...وقصة "مكرمة فيوريلا للمعكرونة"

* اللجنة للشعار.. وزعوا مساعدات فيوريلا كمكرمة من سيادتكم؛ لرفع معنويات عناصر الوزارة

بينما كانت سوريا تموج بالاضطراب، وتنوء بالقتل والخراب، كانت وزارة داخلية النظام بكثير من عناصرها وضباطها بمن فيهم الوزير "منغمسة" في شأن آخر، استغرق منها جلسات طويلة، وعدة كتب رسمية، حصلت "زمان الوصل" على 4 منها، وكلها تدور حول موضوع واحد يمكن تسميته بناء على مضمون الكتب "مكرمة فيوريلا".

ولـ"مكرمة فيوريلا" في أرشيف وزارة الداخلية، الذي بين يدينا ملفات ضخمة منه، حكاية شغلت داخلية النظام حوالي 10 أيام من شهر تموز/يوليو 2013، حيث صدرت الكتب تباعا لحل معضلة توزيع برغل وسكر ومعكرونة ورب بندورة (دبس بندورة)، تسلمتها الوزارة من شركة "فيوريلا" لصناعة المعكرونة.
ففي الكتاب الأول الموجه إلى وزير الداخلية "محمد الشعار"، والمؤرخ في 16/7/2013، يعرض مدير إدارة الشؤون الإدارية مفصل الكميات التي استلمها مستودع الوزارة من شركة "فيوريلا"، وهي عبارة عن 15 ألف كيلو غرام من البرغل الناعم والسكر والمعكرونة (بواقع 5 آلاف كيلو تقريبا لكل مادة)، فضلا عن 600 عبوة من "رب البندورة".

ويعرض الجدول الذي تتضمنه الوثيقة، كمية المدون في الفاتورة، وكمية ما تم استلامه فعليا في المستودع، موضحا وجود نقص يتمثل في 25 كيلو من البرغل و4 كيلو من السكر، ومثلها من المعكرونة، إضافة إلى عبوة واحدة من "رب البندورة" تزن 600 غرام.

وبعد هذه الوثيقة بيومين، أي في 18/7، وبسرعة تناقض البيروقراطية المعهودة في مؤسسات النظام، صدر أمر إداري من رأس هرم الوزارة (الوزير نفسه)، يسمي لجنة مكونة من 3 ضباط كبار (لواء وعميد وعقيد)، مهمتها الوحيدة: "اقتراح خطة لتوزيع المواد الغذائية المسلمة من قبل شركة فيوريلا والواردة بكتاب إدارة الشؤون الإدارية رقم /5507/ وتاريخ 16/7/2013 والإشراف على توزيعها".

ونص أمر الوزير على أن "تجتمع اللجنة بدعوة من رئيسها بالزمان والمكان اللذان يحددهما رئيس اللجنة"، على أن يوافى الوزير بنتيجة عملها "بالسرعة الكلية"!، ما يوضح مدى "حساسية" الأمر في عرف الوزير وأركان وزارته.

وبالفعل اجتمعت اللجنة بعد 3 أيام من تشكيلها، لتقترح (بعد الدراسة) توزيع المواد الغذائية ضمن مبنى وزارة الداخلية فقط، وعدم إعطاء أي شيء منها لأي وحدات أخرى تابعة للوزارة، ولكنها خارج مبناها الرئيس.

وعرضت اللجنة "مسوغين" لمقترحها، الأول أن عناصر الإدارات والمكاتب المركزية ضمن مبنى وزارة الداخلية تفرض عليهم مناوبة كل يومين أو 3 أيام، وهؤلاء العناصر (ضباط وصف ضباط وأفراد) غير مطعمين، بل يقومون بتأمين طعامهم خلال المناوبة على نفقتهم الخاصة.

أما المسوغ الآخر، فهو قلة المواد الغذائية المستلمة، مقارنة مع عدد عناصر قوى الأمن الداخلي، حيث لاتكفي لتوزيعها على كامل عناصر الوحدات الشرطية (إدارات، قيادة شرطة).

وبناء عليه، أوصت اللجنة وزير الداخلية -وضمن فقرة كتبت بخط أعرض- بأن توزع المواد على عناصر مبنى الوزارة فقط " كمكرمة من سيادتكم"، معتبرة أن ذلك سيسهم في "رفع الروح المعنوية" لهؤلاء العناصر، و"تعويضهم عن جزء من الأعباء المالية التي يتكبدونها في ظل الظروف الاقتصادية الحالية".
ووعدت اللجنة أن تنظر في أمر التوزيع على الوحدات الشرطية خارج مبنى الوزارة، إذا ما استملت مساعدات أخرى لاحقا.

وتوضح وثيقة أخيرة مؤرخة في 25/7، "توجيهات" الوزير التي قضت بتوزيع "المكرمة" على عناصر الإدارات والمكاتب المركزية (ضمن مبنى الوزارة)، فضلا عن قيادتي شرطة محافظة دمشق ومحافظة ريف دمشق وقوات حفظ الأمن والنظام.

ونوهت الوثيقة أن الكمية الأكبر من المواد الغذائية المذكورة ذهبت لقيادة شرطة محافظة دمشق وريف دمشق ووحدة المهام الخاصة، استنادا إلى موجودهم من العناصر.

العقاد والنظام
وتعرف "فيوريلا" بـأنها واحدة من أكبر منتجي المعكرونة في سوريا، وهي شركة تابعة لـ"مجموعة أبناء أنور العقاد" تم تأسيسها عام 1994، وتقول الشركة إنها تنتج حوالي 60 طن من المعكرونة يوميا، وهو ما يوازي نصف طاقة الإنتاج الإجمالية لهذه المادة في عموم سوريا.

ويرأس "مجموعة أبناء أنور العقاد" (تضم حوالي 14 شركة) هاشم أنور العقاد، الذي يعد من "حيتان" الأعمال، الذين لهم نشاطات غير محدودة، ويعتبر أحد أقرب المقربين من النظام والداعمين له، وهو مادفع الاتحاد الأوروبي لوضعه في تموز/يوليو 2014 على لائحة العقوبات التي تضم كبار شخصيات النظام وأعوانه في المجالات العسكرية والمخابراتية والاقتصادية.

وتشبه "مجموعة العقاد" أخطبوطا يلف أذرعه على مجالات مختلفة، منها قطاع المشروبات الغازية، متمثلا في شركة "سلسبيل" التي تنتج: كندا دراي وهاي سبورت وكراش وسبورت كولا، فضلا عن شركات: "فيوريلا"، العقاد للنسيج، أبناء أنور العقاد للتجارة، المستقبل للإعلان (احتكرت حصة كبيرة جدا من سوق الإعلان في سوريا)، التقنية للتجارة والتعهدات، شركة المتحدة للنفط، دمشق للاستثمار السياحي، عقاد للتجارة والصناعة (العراق)، عقاد للصناعة والتجارة والتوزيع، آفاق للنقل السياحي، رويال للسياحة، الشركة الدولية لإدارة المحافظ المالية.

ولدى "مجموعة العقاد" شراكات وحصص في عدد من الشركات الأخرى.

"هاشم العقاد" المولود في 1961، دخل "مجلس الشعب" لأول مرة عندما كان عمره 33 عاما، ليكون اصغر الأعضاء سنا ففي دورة 1994، وليستمر في كرسي المجلس "18 عاما" حتى 2012، عندما أطلق النظام عملية "انتخاب" شكلية جديدة لدورة جديدة من مجلس الشعب.

وتحدثت تقارير إعلامية عديدة عن علاقات "هاشم العقاد" بآل الأسد، لاسيما باسل وماهر ولدي حافظ، والتي قامت على إبرام صفقات ضخمة مشبوهة، درت اموالا طائلة على الطرفين، معتمدة على غسل ملايين الدولارات "القذرة"، لاسيما من أموال نظام صدام حسين.

وإبان اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، والذي أدى في النهاية إلى انسحاب قوات النظام من لبنان، أطلق "العقاد" تصريحا ناريا أعلن فيه عن سحب بضع مليارات من الدولارات من الأموال السورية (أموال النظام ورجال أعماله) من المصارف اللبنانية، ردا على "نكران الجميل" الذي لاقاه النظام من اللبنانيين.

وقال "العقاد حينها" إن هذه المليارات "عادت إلى المصارف الوطنية السورية أو ذهبت إلى مصارف قبرص ودبي والأردن، ولن تعود إلى لبنان إلا بعد أن يرى السوريين ترحيب وبسمة على وجوه اللبنانيين عندما يرون مواطنا سوريا".

ولاحقا في عام 2011، وبعد أشهر على اندلاع الثورة، اتهمت مجلة "الشراع اللبنانية" هاشم العقاد بمساعدة ماهر الأسد في تهريب أموال ضخمة من سوريا إلى دول في أوروبا الشرقية، ناقلة عن أوساط سورية قولها إن "ماهر الأسد أعاد علاقاته مع هاشم عقاد صديق باسل الأسد، بعد انقطاع علاقة العقاد بالقصر الجمهوري عقب وفاة صديقه باسل"، موضحة أن ماهر أعاد هذه العلاقة "من أجل تطوير علاقاته التجارية مع العراق، وخاصة في مجال المحركات (محركات الدبابات) والاتصالات والنفط".



ترك تعليق

التعليق