اقتصاد "الدانا"...تقرير جديد لـ "مجموعة عمل اقتصاد سوريا"

نشرت "مجموعة عمل اقتصاد سوريا"، منذ أيام، تقريراً جديداً لها، تناول هذه المرة اقتصاد "مدينة الدانا" بريف إدلب المحرر. وهو تقريرها الخامس من سلسلة تقارير "المشهد الاقتصادي السوري", والتي تسلط الضوء على اقتصاد المدن السورية في المناطق المحررة.

 وتعتمد المجموعة الاستقصاء الميداني في رصد الحالة الاقتصادية والمعيشية لسكان المدن المحررة، حيث تم استخدم آليات التحليل الجزئي والتحليل القطاعي مع استعراض الحالة السياسية والعسكرية وأثرهما على اقتصاد تلك المدن.

ويغطي التقرير الخامس مدينة الدانا، وهي إحدى نواحي منطقة حارم في محافظة إدلب السورية، والتي اكتسبت أهمية كبيرة بعد موجات اللجوء التي شهدتها نتيجة قصف النظام للمناطق المحيطة، فاكتظت قراها، بل وجبالها، بمخيمات النازحين الهاربين من قصف قوات النظام والقادمين من عموم الأراضي السورية.

ويتبع لناحية الدانا، إدارياً، عدة بلدات وقرى (ترمانين – تل عادة – سرمدا – أطمة – قاح – وعقربات - تل الكرامة)، لكن موجات اللجوء أضعفت المركزية الإدارية لمركز ناحية الدانا، وأدى إلى نشوء تجمعات سكانية في المخيمات والقرى المحيطة (أطمة وقاح وعقربات)، كما أدى إلى بروز مراكز تجارية كبرى مثل سرمدا التي أصبحت مركزاً تجارياً مهماً لتجارة الجملة والسيارات لعلها الأبرز في سوريا الآن.

لمحة عن اقتصاد الدانا

تتنوع مصادر الدخل في الدانا على صعيد القطاع الخاص، ما بين الزراعة والصناعة والتجارة وبعض الخدمات، ومنها ما نشأ نتيجة الحرب كخدمات الانترنت اللاسلكية وقطاع الوقود النفطي والحطب والبنزين.

 أما على صعيد القطاع العام، فيُلاحظ أن معظم موظفي مؤسسات النظام لا يزالون يتقاضون رواتبهم من النظام، بالإضافة لموظفي الحكومة السورية المؤقتة وموظفي الهيئات المحلية والمنظمات الأهلية المدنية ورواتب عناصر الجيش الحر.

تعدّ المواسم الزراعية هذا العام من أسوئها عبر سنوات طويلة، وخصوصاً بالنسبة لأهم محصولين أساسيين وهما القمح والزيتون.
ناهيك عن قلة الأراضي الزراعية أصلاً في مدينة الدانا، حيث إن أغلب أراضيها صخرية تُعرف بـ "القراج"، مع قلة المياه الجوفية في المدينة.

 وفي مجال الصناعة، والتي كانت غير موجودة أساساً بالمعنى الحقيقي قبل الحرب، فقد انتقلت بعض الورشات والمعامل الصغيرة من حلب إلى الدانا خلال الحرب. وتم افتتاح عدة معامل ضخمة على أيدي مستثمرين من دمشق وحلب، وقد ازدهرت ولمدة سنتين تجارة السيارات الأوروبية المستعملة، قبل أن تنحصر لصالح مدينة سرمدا التي سيطرت على هذا المجال.

هذا ويعتبر مستوى معيشة أهالي مدينة الدانا متوسطاً إلى جيد، بالمقارنة مع حال باقي المدن المحررة، إذ يستفيد سكان المدينة من وضعها الجغرافي القريب من الحدود التركية، لكن مستوى المعيشة يظل منخفضاً بالنسبة إلى حجم المدينة وعدد سكانها، ويتراوح متوسط دخل الفرد هذا العام بين 3500 -5500 دولار.

تنظيم الدولة الإسلامية

عاشت مدينة الدانا منذ أوائل عام 2013 تحت سيطرة تنظيم الدولة حتى بداية العام الحالي، كانت فيها من أهم معاقله وسجونه، مما أفقدها كثيراً من الموارد والزوار، إلا أن سيطرة التنظيم عليها جعلها تعيش ازدهاراً اقتصادياً نوعياً، بسبب ضخّ التنظيم لكميات كبيرة من العملة الصعبة.

 أما في الشهر الأول من العام 2014، فعاشت المدينة عدة أيام أشبه بالحصار نتيجة المعارك التي خاضها التنظيم إلى حين انسحابه منها والذي أدى إلى عودة الانفتاح الكامل وعودة أهاليها إليها، وتحرك عجلة الاقتصاد، وعودة عقدة المواصلات والاستثمارات إليها، ممّا أثر طرداً على أسعار المواد والإيجارات.

الوضع الاجتماعي
 
ازداد عدد سكان الدانا بمقدار الضعف ليصل إلى 70 ألفاً خلال الأزمة، نتيجة حركة النزوح إليها من عدة محافظات، بدون تضمين عدد النازحين في المخيمات داخل أراضي الدانا في هذا الإحصاء.

يوجد العديد من المدارس ورياض الأطفال، ويقدّر عدد الطلاب المداومين على المدارس جميعها للمراحل كلها بحوالي 10000 طالب وطالبة. وعدد المعلمين والمدرسين هو 300، وتقدّر نسبة المعلمين المقطوعة رواتبهم من النظام بـ 5% فقط.

الوضع الإداري

ساد غياب إداري لكثير من أجهزة الدولة، عوّضها بالحد الأدنى شكل من أشكال الإدارة المحلية داخل نطاق المدينة، وتكاد تتلاشى مركزية المناطق وتبعية النواحي والبلدات والقرى لمركز المنطقة، ويقوم المجلس المحلي بمكاتبه المتعددة بإدارة شؤون المدينة، كما يوجد مخفر شرطة ناحية الدانا الحرة، والذي يضم 60 عنصراً و3 ضباط.

وتتبع الدانا قضائياً إلى الهيئة الشرعية والقضائية في محافظة إدلب، وهي عبارة عن هيكلية مختلفة تسمى الهيئة الإسلامية لإدارة المناطق المحررة، مركزها في محافظة إدلب في مدينة بنّش، وتشترك فيها جميع الفصائل والضابطة التابعة لها من عناصر: الجبهة الإسلامية – جيش المجاهدين -حركة حزم.  ويوجد في الدانا عدة فصائل مقاتلة رئيسية مثل الجبهة الاسلامية وجيش الإسلام وجيش المجاهدين وجبهة النصرة.

التوصيات

أوصى تقرير "مجموعة عمل اقتصاد سوريا" بحل مشكلة الغاز في الدانا، بشكل عاجل، وتثبيت سعره من خلال الاستيراد النشيط أو تفعيل مشاريع إنتاجه محلياً وتعبئته، وإنشاء شركات تعبئة غاز في المستقبل لتحقيق كفاية في السوق وتجنّب تكرار الوقوع في مثل هذه الأزمات.

كما دعا التقرير إلى إيجاد حلّ دائم لمشكلة البنزين النظامي، بإنشاء مصافي تكرير للبنزين الخالي من الرصاص وإنتاج كميات توازي البنزين النظامي من حيث الجودة.

ونوّه التقرير إلى ضرورة حلّ مشكلة المياه في مدينة الدانا، وتزويد المدينة بالكهرباء. كما أشار إلى أهمية تفعيل المكتب الاقتصادي في المجلس المحلي، وقيامه بوضع خطط مستعجلة لإنعاش الحياة الاقتصادية في مواجهة الأخطار القادمة في الشتاء، خصوصاً بعد موسمي القحط في القمح والزيتون، وإغلاق باب استيراد السيارات من تركيا.

ونبّه إلى دعم المكتب الفني في المجلس المحلي، وتفعيل دور النقابات المهنية العلمية كنقابة المهندسين الأحرار، وتحسين الواقع الصحي والطبي.

وأوصى التقرير أيضاً بتشجيع المشاريع الاستثمارية التي تؤمّن بدائل اقتصادية، ودعم المشاريع الصناعية الصغيرة والمتوسطة كفتح معامل نسيج أو خياطة في محيط المدينة، والترغيب بالقرب من المعبر أو بدائل خدمية كمشاريع الاتصالات ومولدات الكهرباء. ومحاولة إعادة إنعاش قطاع النقل بواسطة الشاحنات الذي يعدّ حيوياً ومهماً في مدينة الدانا.

وختم التقرير بالدعوة إلى تشجيع وترشيد تجارة البناء والعقارات النامية والمنتعشة أصلاً في الدانا، وكذلك تشجيع فتح المعامل الضخمة في ناحية الدانا نظراً للأمان النسبي الذي تحقق في المدينة.

خاتمة

وتعتزم "مجموعة عمل اقتصاد سوريا" نشر تقارير متابعة لمقارنة الوضع الاقتصادي المعيشي في محافظة إدلب بعد تحريرها بالكامل من سيطرة النظام السوري.

ومجموعة عمل اقتصاد سوريا، مؤسسة غير ربحية مسجلة رسمياً في فرنسا، تقدم الاستشارات الاقتصادية، يرأسها الدكتور أسامة قاضي. وهي لا تتبع لأي كيان سياسي، فهي فريق اقتصادي مستقل اعتمدتها مجموعة "أصدقاء الشعب السوري" المعنية بإعادة إعمار وتنمية سوريا بقيادة الإمارات وألمانيا، كشريك اقتصادي أساسي وممثّلٍ للجانب السوري في التخطيط لمستقبل الاقتصاد السوري. وتعمل مجموعة عمل اقتصاد سوريا على كتابة تقارير اقتصادية دورية عن سوريا، كان آخرها مشروع الخارطة الاقتصادية لسوريا الجديدة في أكثر من خمسة عشر قطاعاً حيوياً، والتي كتبت من قبل باحثين سوريين بمهنية عالية.

يمكن تحميل كامل التقرير بالضغط هنا

ترك تعليق

التعليق