البطاطا والبندورة الدرعاوية في "خبر كان" هذا الموسم

خيمت حالة من السوداوية على مزارعي البندورة والبطاطا في  محافظة درعا جنوب سوريا, وذلك بسبب عدم وجود أسواق داخلية  قادرة على استيعاب الإنتاج المتوقع من هاتين المادتين اللتين تشتهر بهما المحافظة, إضافة إلى عدم وجود أسواق خارجية لتصدير الفائض نتيجة  توقف عمليات التصدير إلى الأردن ودول الخليج العربي التي كانت تشكل السوق الأبرز لاستيعاب كميات كبيرة من الخضار المنتجة في هذه المنطقة.

يأتي ذلك كله في ظل الحصار القائم الذي تفرضه قوات النظام على دخول وخروج البضائع والمواد الاستهلاكية من وإلى المناطق المحررة جنوب سوريا, وإغلاق كامل للمنافذ البرية نحو الأردن ودول الخليج، بسبب توقف العمل في مركز نصيب الحدودي الذي تم تحريره من قبل ثوار المنطقة الجنوبية قبل شهر ونصف تقريباً، حيث كان هذا المعبر هو الأقرب والأقل تكلفة لتصدير هذه المواد نحو دول الاستهلاك.

ويقول عدد من المنتجين والمصدرين أنه إن بقي الوضع على حاله، وإذا لم تفتح الطرق والمعابر الدولية، سيؤدي ذلك إلى كساد كبير وستكون خسائر الفلاحين كبيرة جداً، تفوق قدرتهم على تحمل ذلك.

وقال عثمان، وهو مزارع، "زرعت نحو 80 دونماً بمادة البطاطا، ودفعت كل ما أملك على هذا المحصول الذي أعوّل عليه كثيراً, لكن يبدو أن مشكلتي ستتفاقم, إذا لم يفتح باب التصدير, فإنتاجنا يفوق احتياجات السوق المحلية، وكنا دائماً نُعتبر سلة غذائية للكثير من المحافظات القريبة، ولاسيما من الخضار، وخاصة البطاطا والبندورة, لكن مع هكذا وضع ستكون خسائرنا كبيرة, وستُخرجنا  من الإنتاج في المواسم  القادمة، لأننا نكون قد فقدنا رأسمالنا كاملاً".

وقال توفيق، وهو تاجر يعمل في توضيب  الخضار المعدة للتصدير، "لقد استأجرت مكاناً خاصاً للقيام بعمليات التوضيب، ودفعت مقابل ذلك أكثر من مليوني ليرة سورية، وإذا بقيت الطرق والمعابر مغلقة ولم تفتح للتصدير، فان الأمر سيكون سيئاً للكل هنا, وخاصة للعمال الموسميين الذين يعتمدون على فرص العمل المتوفرة، وينتظرونها كل موسم"، لافتاً إلى أنه صدّر خلال العام الماضي، من هذا المكان، مئات الأطنان من البندورة والبطاطا، وحقق أرباحاً جيدة نتيجة هذه العملية".

إلى ذلك، وفي الإطار ذاته، وعلى الرغم من البدايات المبكرة لحصاد المحاصيل الزراعية التي انطلقت في الجنوب السوري قبل نحو شهر, خشية من أن يقوم النظام بحرقها كما فعل ببعض الحقول القريبة من قطعاته العسكرية. على الرغم من ذلك، مازالت مساحات شاسعة من حقول القمح  في المنطقة الغربية من الجنوب السوري على حالها, ما يُبقيها عرضة للحرائق والدمار، وذلك بسبب عدم توفر الآلات الزراعية المتخصصة مثل الحصادات والدرّاسات وآلات النقل الزراعية،  كالجرارات، ناهيك عن غياب الأيدي العاملة المتمرسة في مثل هكذا أعمال، ما يدخل الأهالي في معاناة جديدة مع بداية شهر رمضان، الذي عادة ما يتفرغ الناس فيه لإقامة العبادات والطقوس الدينية، وقد انتهوا من جمع محاصيلهم الزراعية، وأصبحت أثمانها في جيوبهم.

وقال محمد، وهو مزارع، "لدي نحو أربعين دونماً مزروعة بالقمح لا أستطيع حصادها لعدم توفر الحصادات في المنطقة لأن الآلات الزراعية كانت تأتي في السابق من المحافظات والمناطق الأخرى, أما الآن، بسبب الحصار المفروض علينا، فلا تصلنا أي واحدة منها"، لافتاً إلى أن الحصاد اليدوي لم يعد أحد يُجيده، وأنه يتطلب نفقات كبيرة قد لا تكفي غلّة هذا الموسم لتغطيتها".

وعبّر خالد، وهو مزارع، عن امتعاضه من الوضع القائم, قائلاً إن الأرض لم تعد تكفي نفقاتها, فكل شيء ارتفع بشكل جنوني، المحروقات وأجور الحصادات والنقل, مقابل ثبات سعر القمح، وزاد على ذلك أن الحصادات لم تعد موجودة، ووصولها إلى قرانا أصبح صعباً بسبب تقطيع أوصالها، وتخريب بعض الطرق بشكل كامل نتيجة المعارك والقصف، ما يزيد أوضاعنا سوءاً على سوء.

عبد الفتاح، مزارع، قال "كما تشاهد رمضان حل ضيفاً علينا، ومحاصيلنا لازالت في الحقول، لا نملك ما ننفق، ونحن أصبحنا نعيش حالة قلق كبيرة خوفاً من أن تحترق المحاصيل, لا أحد يستطيع مساعدتنا بشيء، حتى حصادين بالأجرة لا نجد, ولا توجد  لدي أيدي عاملة, أبنائي كلهم خارج البلد، هربوا نتيجة الأزمة, وأنا بقيت فقط أنا وزوجتي، ولا حول لنا ولا قوة، وليس بمقدورنا العمل لوحدنا".

عبد الكريم، صاحب حصادة، يقول "كنا نعمل بشكل جيد ولكن الحصادات أعطالها كثيرة بسبب وعورة بعض الأراضي الزراعية، وهي تحتاج دائماً إلى بعض قطع الغيار, وهذه القطع لم تعد متوفرة في مناطقنا, حتى محلات بيع القطع لم تعد موجودة بسبب ظروف البلد, كما أن لا أحد يستطيع أن يغامر ويذهب إلى المحافظات الأخرى بحثاً عن قطع غيار خوفاً من الحواجز والاعتقالات التي ارتفعت وتيرتها هذه الأيام".

يشار إلى أن محافظة درعا الجنوبية تعد من أهم المحافظات السورية بإنتاج الخضار ولاسيما البندورة والبطاطا، وكان الإنتاج السنوي قبل الثورة يقدر بنحو 250 ألف طن من مادة البندورة، وهي منتشرة في معظم مناطق المحافظة، فيما يتجاوز إنتاج المحافظة من البطاطا الـ 50 ألف طن سنوياً، لكنه مع تفاقم الأزمة السورية تراجع الإنتاج إلى النصف تقريباً، كما وكان يعمل في المحافظة أكثر من أربعين معملاً للكنسروة، كانت تستوعب قسماً كبيراً من الإنتاج السنوي، لكنها توقفت جميعها بفعل الحرب المستعرة منذ أكثر من أربع سنوات.

ترك تعليق

التعليق