في الحسكة...العرب ينزحون إلى أحياء الأكراد وبعضهم يفترش المدارس في ظروف عصيبة

فجر يوم الخميس 25 حزيران الماضي، شن عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" هجوماً واسعاً على مدينة الحسكة، شمال شرق البلاد. وانطلق هجوم التنظيم من الجهة الجنوبية للمدينة، بعد سلسلة من التفجيرات الانتحارية التي استهدفت بعض حواجز قوات النظام ووحدات الحماية والأسايش الكردية. وتمكن مقاتلو التنظيم من الدخول إلى المدينة، وسيطروا على أجزاء واسعة من أحياء النشوة وغويران والشريعة وأطرافهم، مما أدى إلى نزوح بعض الأهالي باتجاه مناطق سيطرة الأكراد في الأحياء القريبة، فيما فضّل البعض الآخر النزوح إلى مدن القامشلي والدرباسية وعامودا وأريافهم.

وكانت مدينة الحسكة، قبل هجوم تنظيم الدولة، مقسمة بين أحياء تخضع لسيطرة النظام، وأخرى تخضع لسيطرة وحدات الحماية الكردية. وتركزت سيطرة النظام على الأحياء الجنوبية العربية، باﻹضافة إلى مركز المدينة، حيث يوجد خليط من العرب والسريان والآشور. أما وحدات الحماية الكردية فتبسط سيطرتها على الأحياء الشمالية ذات الغالبية الكردية. ووحدات الحماية هي قوة عسكرية منضوية تحت "اﻹدارة الذاتية" الكردية، تدعمها قوات أمن كردية "الأسايش"، ناهيك عن اللجان الشعبية الكردية، وقوات "السوتورو" السريانية، وقوة "الصناديد" العربية بقيادة الحاكم المشترك لـ "اﻹدارة الذاتية في الجزيرة"، وهو شيخ قبيلة الشمر العربية.

مما سبق، يُفهم أن هجوم تنظيم "الدولة الإسلامية" يستهدف بصورة رئيسية الأحياء الجنوبية الخاضعة لسيطرة النظام، وأن حركة النزوح تتم من تلك الأحياء، ذات الغالبية العربية، باتجاه الأحياء الشمالية ذات الغالبية الكردية.

 وقد رصد موقع "اقتصاد" حال النازحين في الأحياء الشمالية ذات الغالبية الكردية في مدينة الحسكة. وتحدث محمد، شاب من حي النشوة، عن نزوحه عند قيام مسلحي تنظيم الدولة باقتحام المدينة، وبدء القصف الجوي من جانب النظام، فتوجه هو وعائلته إلى حي المشيرفة، وهو الآن في مدرسة فُتحت للنازحين. واستكمل محمد حديثه في وصف الظروف الصعبة التي يعيشها هو وعائلته، وخاصة مع ارتفاع الأسعار في شهر رمضان، وحالات الاستغلال من قبل التجار للنازحين. وبالنسبة للمساعدات من جانب المنظمات الإغاثية، قال محمد: "إن مساعدات المنظمات اﻹغاثية وُزعت ليومين فقط، وتوقفت بحجة نفاذ الكمية، فلم تراعِ النازحين الجدد". وعن وجبات الغذاء، قال: "إن الطعام مقتصر على وجبة اﻹفطار التي يقدمها أهل الخير من المدنيين"، وأضاف:
"أطالب بمساعدة من المنظمات المحلية والدولية، فنحن كمواطنين من مدينة الحسكة نعيش ظروفاً اقتصادية ومعيشية صعبة منذ ما قبل دخول مقاتلي تنظيم الدولة، فكيف بالحال ونحن نازحون".

من جهتها، تحدثت الأرملة أم يونس، لـ "اقتصاد"، وهي ربة منزل من حي النشوة الغربية، فقالت: "لجأت مع أولادي السبعة بداية الأمر إلى أحد أقربائي في حي الناصرة، ولكنني بعد برهة انتقلت إلى مدرسة للنازحين، بحكم صغر بيت قريبي وعدم رغبتي باﻹثقال عليهم كون ظروفهم المادية صعبة". وتحدثت أم يونس أيضاً عن الواقع المرير الذي يعيشه النازحون في المدينة، وأكدت على كلام محمد، وأضافت في حديثها عن مشكلة المياه الموجودة في المدارس التي فُتحت للنازحين، فالماء شحيح جداً، حتى في منازل جيران المدرسة.

بدورها، تحدثت خلود، إحدى النازحات من حي الشريعة، لـ "اقتصاد"، فقالت: "هناك غياب للرعاية الصحية للأطفال ولكبار السن، فالسعال لا ينقطع طوال الليل، باﻹضافة للرائحة الكريهة بسبب عدم وجود المياه، وأجد صعوبة كبيرة في النوم بسبب عدم وجود الفرش والبطانيات، فالمنظمات لم توزع علينا شيء".

أما جوان، وهو مدرس لغة إنكليزية، وهو أحد سكان الناصرة شمالي المدينة، فقال: "عند قيام مسلحي التنظيم بالهجوم وبدأت الاشتباكات مع النظام، استأجرت سيارة أجرة لنقل أطفالي وزوجتي إلى قرية أبي في منطقة الدرباسية، فحدث الكثير من الاستغلال وقتها للنازحين، ودفعت 15000 ليرة لسيارة أجرة مقابل نقلي للقرية، وهو سعر خيالي مقارنة بالأحوال العادية، ومكثت في قريتي لعدة أيام بعيداً عن نيران الحرب وقذائف جهنم، وما أن سمعت الأنباء عن الهدوء النسبي في المدينة حتى عدت مع عائلتي إلى المنزل، ولكن مازال الخوف مسيطر علينا".

 وقد التقت "اقتصاد" مع أحد الصاغة وهو يقوم بإفراغ محله، توفيق، وهو من المكون السرياني المسيحي، فقال: "بعد نزوح أهالي حي النشوة إلى مركز المدينة أدركت أن وصول تنظيم الدولة إلى منطقتي قد اقترب، وبحكم أنني من المكون المسيحي المُحلل ذبحهم بفتاوى تكفيرية من التنظيم أسرعت لنقل أفراد أسرتي، فتوجهت بسيارتي إلى منزلي في مدينة القامشلي خوفاً على رقاب أطفالي، وعدت اليوم لأخذ الأشياء المهمة خشية السرقة".

ترك تعليق

التعليق