عنتاب....مدينة "المؤقتة" والـ 60 منظمة إغاثية...والنازح السوري فيها هو الأكثر فقراً!

لا يمكن النظر إلى وضع السوريين المقيمين خارج المخيمات في مدينة عنتاب، بمعزل عن وضع أقرانهم السوريين في باقي المدن التركية الأخرى التي تحوي تجمعات للسوريين أيضاً، فالظروف متشابهة إلى حد ما، وكذلك الهموم أيضاً، بدءاً برخص اليد العاملة السورية، وغياب التأطير القانوني عنها، ووصولاً إلى المشاكل القانونية غير المنتهية، وانتهاءاً بقصورٍ معرفي لدى النازح السوري في تمييز ما له من حقوق وما عليه من واجبات. إلا أنه قد يكون لهذه المدينة القريبة جغرافياً من الأراضي السورية، ومن حلب تحديداً، ميزة خاصة تميزها عن سواها، فهي المدينة التي تضم السوريين الأكثر فقراً، والأكثر غناً في آن واحد.

تُقدر آخر الإحصائيات غير الرسمية أعداد السوريين المقيمين المسجلين في المدينة بحوالي 400 ألف نازح، لكن مصادر تقول أن العدد الحقيقي للنازحين يفوق الرقم السابق، وكما كل تفاصيل الواقع السوري المنقسم على كل شيء، فقد انقسمت الآراء التي استطلعها "اقتصاد" في تقدير نسبة شريحة السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر، ففي الوقت الذي أكد فيه الصحفي الاقتصادي أنور مشاعل، أن شريحة السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر تصل إلى نسبة الـ 50% فقط، رأى رجل الأعمال السوري سعيد نحاس، أن النسبة تتجاوز الـ70%.

وعزا الأخير، وهو رائد من رواد مؤسسات المجتمع المدني، رؤيته تلك، إلى أن غالبية النازحين الذين قدموا إلى المدينة وغالبيتهم من مدينة حلب، قدموا من الأحياء الفقيرة أصلاً، لأن غالبية تلك الأحياء تعرضت للدمار بدرجات متفاوتة.

وعن الأعمال التي يزاولها غالبية فقراء السوريين في عينتاب، أفاد نحاس، بعد أن شدد على عدم وجود أدنى أشكال الرقابة الحكومية عليها، "تستوعب المصانع الجزء الأكبر من العمالة السورية، كما ويعمل السوريون في الأعمال التي تتطلب بذل جهد عضلي، إضافة إلى العمل في المطاعم، وبعض الورشات أيضاً".

ووافق مشاعل حديث نحاس فيما ذهب إليه من تصنيفه للقطاعات التي يعمل بها السوريون، ولكنه أضاف "الكثير من السوريين هنا لا يعملون في نفس مجال عملهم السابق، وخصوصاً حملة الشهادات الجامعية".

وقال مشاعل، "متوسط ما يتقاضاه السوريون هنا لايتجاوز الـ 1000 ليرة تركية (385 دولاراً أمريكياً)، وهو مبلغ لا يؤمن نفقات  عائلة تتألف من خمسة أشخاص، وعليه تحتاج الأسرة المكونة من خمسة أفراد (مجال بحثنا) إلى شخصين يزاولان العمل كي تستطيع تغطية نفقاتها الشهرية".

وبعد أن أكد نحاس على تعرض الكثير من العمال السوريين للاستغلال من أرباب العمل السوريين والأتراك على حد سواء، حمّل المسؤولية لكل من الحكومة السورية المؤقتة، والحكومة التركية الواقعة بين مطرقة إغفال حقوق العمال، وسندان الثورة الشعبية من الأتراك.

وقال موضحاً، "تغض الحكومة التركية النظر عن العمالة مرغمة، فهي إن طالبت أصحاب العمل برفع أجور العمالة السورية، ستكون حينها أمام موجة من السخط الشعبي، بحجة أخذ فرص العمل، لكن من يحول دون ظهور الموجة هم أصحاب العمل المستفيدين من رخص اليد العاملة، التي تسهم في خفض تكاليف الإنتاج".

وقدّر نحاس عدد الشركات التي أسسها السوريون في المدينة بحوالي 300 شركة، وهو عدد لا بأس به وفق تقديره، مبيناً أن غالبية التجار الذين وصلوا إلى تركيا لغرض الاستثمار، فضلوا عنتاب، أما من دخل من بقية التجار إلى الأراضي التركية بغرض الإقامة فقط، فقد اختاروا مدناً أخرى من أهمها "مرسين" الساحلية.

وبينما رفض نحاس الحديث عن متوسط لإنفاق الأسر السورية، لأن الإنفاق تحدده منطقة السكن، والعادات الاستهلاكية للأسرة وعوامل أخرى، قال مشاعل "تحتاج الأسرة السورية إلى ما يقارب الـ 700 دولار أمريكي لتغطية نفقاتها الشهرية كاملة".

ويبلغ متوسط إيجار المنزل في المدينة، المؤلف من غرفتين، حوالي 250 دولاراً أمريكياً، وهو رقم ليس بسهل على السوريين، بل يشكل على الغالب، الشغل الشاغل لكثير من الأسر الفقيرة  كما أكد مشاعل. ويتابع مشاعل "تقطن غالبية الشرائح الفقيرة في منازل تحوي على غرفة واحدة، وقد تكون محلاً تجارياً لا منزلاً".

بدوره عبّر نحاس عن استغرابه من غياب المؤسسات الإغاثية التي تعنى بالشأن الإغاثي، مع أن المدينة تحوي على 60 منظمة سورية إغاثية مرخصة.

أين مسؤولية هذه المنظمات تجاه الأوضاع المتردية التي تعيشها الكثير من الأسر؟، هنا يسأل "اقتصاد"، يرد نحاس بالقول "الإشكال هنا أن هذه المنظمات موجهة لسوريا الداخل، وتتقاضى تمويلها جراء توجهها لمواطني الداخل، بالتالي لا مصلحة لأي جهة داعمة بدعم منظمات توجه نشاطها لدعم نازح يقطن دولة مضيفة".

 وانتهى كل من نحاس ومشاعل، متفقين، إلى وصف المدينة بأنها مدينة للتناقض السوري، فالكثير من السوريين يواجهون فاقة أُجبروا على مواجهتها منفردين، مقابل شريحة لا بأس بها، قد تغطي نفقاتها في أمسية واحدة، نفقات شهر كامل لأسرة سورية أخرى من الطبقة المتوسطة.  

ترك تعليق

التعليق