العيد بنكهة حورانية

بدأ أهالي المدن والقرى المحررة في حوران, مع دخول الأيام الأخيرة من شهر رمضان المبارك، استعداداتهم للاحتفال بعيد الفطر السعيد, وهو العيد الخامس الذي يمر عليهم, وعلى الشعب السوري برمته، ولايزال يعيش حرباً حقيقية وظروفاً اقتصادية قاسية.

ولكن، وعلى الرغم من هذه الظروف الصعبة, يصر أهالي حوران كما تعودنا منهم، وفي تحدٍ جديد لقوات النظام وطيرانه وبراميله وحاوياته المتفجرة, على الاحتفال بعيد الفطر السعيد, وممارسة طقوسه المعتادة، حتى ولو كانت إمكانياتهم المادية محدودة، حيث تشهد أسواق بعض القرى والمدن في محافظة درعا، الواقعة تحت سيطرة قوى المعارضة, حركة نشطة وازدحاماً بالمارة والمتسوقين, لشراء مستلزمات واحتياجات العيد من ملابس وحلويات وألعاب أطفال.
 
وتقول السيدة عيده، وهي ربة منزل، "جئت أنا وأطفالي الثلاثة إلى السوق لشراء بعض احتياجات العيد الضرورية، ولاسيما ملابس الأطفال وألعابهم"، لافتة إلى أن الأسعار تشهد ارتفاعاً كبيراً, حتى منها تلك السلع التي تصنف أنها شعبية، والتي تُباع على البسطات. وقالت "إن سعر أرخص ثوب بناتي لعمر 4 سنوات يتجاوز الـ 2700 ليرة سورية، والجيد يتجاوز الأربعة آلاف ليرة سورية". وأضافت وهي تشير إلى بنطال معروض، "تصور هذا البنطال لعمر خمس سنوات سعره أكثر من ألفي ليرة سورية, وهذه الكنزة الصيفية بنحو 1500 ليرة سورية, يعني أحتاج لكسوة العيد لأطفالي، ما لا يقل عن 15 ألف ليرة سورية، وهو ما يفوق إمكانيات الكثيرين ويرهق كاهلهم".

وقال محمد، وهو صاحب محل ملابس وأحذية، "إن أسعار البضائع مرتفعة من المصدر، أضف إلى ذلك أجور النقل التي ندفعها على البضائع بسبب الطرق الطويلة التي تسلكها السيارات نتيجة الحصار والحواجز, ما يضطر السائقين إلى تعريض أنفسهم للخطر بسلوك طرق زراعية في كثير من الأحيان للابتعاد عن الحواجز, وهو ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار بعض البضائع، فالقميص الرجالي العادي جداً سعره 2000 ليرة سورية والبنطال الرجالي بنحو 3700 ليرة سورية، أما الحذاء الرجالي يتجاوز سعره نحو 3500 ليرة، والولادي لا يقل عن 1500 ليرة سورية"، لافتاً إلى أنه، ورغم ذلك، يوجد إقبال من المواطنين على شراء احتياجاتهم.

وقال أحمد، وهو موظف، "إن أسعار الحلويات مقبولة نسبياً، فالبرازك والغريبة والمعمول المعلبة يبلغ سعر الكيلو منها نحو 1000 ليرة سورية، فيما سعر كيلو الشكولا 2700 ليرة سورية, وهو ما لا يلزمنا، وسنكتفي إلى جانب هذه الحلويات ببعض الحلويات التي سنصنعها منزلياً كالعوامة والمشبك, رغم ارتفاع أسعار المواد الداخلة فيها، كالسكر الذي يتجاوز الـ 225 ليرة للكيلو الواحد، والطحين الذي يتجاوز سعر الكيلو الواحد منه 200 ليرة سورية".

وأشار الحاج أبو تيسير، 70 عاماً، إلى أن "لعيد الفطر أهمية كبيرة في نفوس كل المسلمين, وله في منطقة حوران طقوس خاصة, توارثها الآباء عن الأجداد, ولم تتغير بشكل جذري رغم مرور السنوات والظروف الصعبة التي تمر على البلاد عبر تاريخها الطويل".

وقال "إن عادات وطقوس عيد الفطر في حوران, مثلها مثل  طقوس العيد في جميع البلاد الإسلامية, فهي تستمر ثلاثة أيام , حيث يبادر الناس في اليوم الأول إلى أداء صلاة العيد في المساجد التي عادة ما تكتظ ساحاتها بالأطفال".
 
وأضاف "وبعد الخروج من المساجد, يقوم الناس بتبادل التهاني بالعيد, ثم يتجمع أبناء العشيرة  الواحدة أثناء الخروج من المسجد, ويذهب الجميع إلى زيارة المقابر لقراءة الفاتحة على أرواح الموتى من الأقارب والأهل, ومن هناك ينطلق الجميع لتناول طعام الإفطار في بيت كبير العائلة أو العشيرة, الذي غالباً ما يكون قد حضّر الأنواع المختلفة من الأطعمة الشعبية كالفطاير وحلويات العيد"، لافتاً إلى أنه "وقبل تناول طعام الإفطار تتم مصالحة المتخاصمين والمختلفين فيما بينهم من أبناء العائلة أو الأسرة الواحدة,, ثم يذهب الجميع إلى إلقاء تحية العيد وتبادل التهاني مع الأسر المتوفى أحد أفرادها حديثاً, أو ما يسمى بالأسر المنقوصة، بسبب موت أحد أفرادها، حيث أن الزيارة في مثل هذه الأحوال واحدة من أهم طقوس العيد".
 
وأضاف "وبعد الانتهاء من هذه الواجبات, يذهب الرجال كل إلى منزله للجلوس مع أسرته, وتبادل التهاني مع أفرادها".

وأشارت منى الأحمد، معلمة، إلى أن من أهم طقوس العيد وعاداته في حوران, هو ما يعرف بـ "زيارة العنايا" وتقديم الواجب لهن من نقود أو هدايا أو حلويات, وهي عادة متعلقة بصلة الرحم يقوم بها كل الناس من فقراء وأغنياء, والمقصود بـ "العنايا"، الأخوات والعمات والخالات, حيث تتم زيارتهن في الأعياد والمناسبات, فضلاً عن الزيارات في الحالات الاعتيادية وخاصة في رمضان، حيث يقدم لهن ما يسمى "طعمة العنايا"، وهي غالباً ما تكون لحوم وحلويات، كل حسب إمكانياته، وذلك  للدلالة على أهميتهن، ولتعويد الناشئة على الاهتمام بـ "العنايا" وتكريس صلة الأرحام".
 
وقالت الحاجة فاطمة العبود، /60/ عاماً، "إن أهم ما نحضره من أكلات وحلويات للعيد, هو المعمول والغريبة وخبز/العيد/، الذي لا نشعر بقيمة العيد بدونه, وهو عبارة عن خبز يتم خبزه بواسطة قالب خاص ثم يدهن بزيت الزيتون ويقدم ساخناً لأهل البيت أو الضيوف"، لافتة إلى اللمّة والتعاون بين جميع نساء الأسرة لإنجاز هذه المأكولات، حيث يتشارك الجميع العمل لإنجازها.

وأضافت أن من أكلات العيد, المسافن واللزاقيات, وهي حلويات شعبية تحظى بشهرة واسعة في حوران باعتبارها حلويات الفقراء والأغنياء على حد سواء, واللزاقيات هي عبارة عن خبز رقيق جداً يتم خبزه على الصاج, ثم يرتب فوق بعضه ويضاف إليه زيت الزيتون والسكر أو الحلاوة  الطحينية, ويتم تقطيعه على شكل مربعات، ويُقدم إلى الضيوف، أما المسافن فهي قطع من العجين ثخينة ترق وتنضد فوق بعضها وتُطوى أطرافها، ويُرش عليها السكر وتقدم ساخنة بعد شيها في الفرن.

يبقى العيد فرحة للصغار الذين يُمضون جل وقتهم في اللعب على الأراجيح، والألعاب الأخرى التي أعدت لهم كما هو للكبار, ولكن ما يميزه في حوران, هو التسامح وحل الخلافات بين الناس, وتصافي النفوس وتصالحها مع غيرها من خلال المبادرات التي يبذلها كبار السن والوجهاء والمشايخ للقاء المتخاصمين, والتي تُضفي على العيد طابعه الاجتماعي الوطيد والعلاقات العائلية المتينة الممزوجة بالعادات التراثية القديمة.

ترك تعليق

التعليق