شبح الاعتقال ومرارة الفقر وظلم ذوي القربى...قصص من مآسي "الموظف الحلبي" في المناطق المحررة


لم تكن واقعة اعتقال معلم المدرسة (ح ب) القاطن في الريف الحلبي الخارج عن سيطرة النظام، منذ حوالي عشرة أيام، على أحد حواجز النظام في مدينة حلب، هي الأولى، ولن تكون الأخيرة كما يبدو، لكن اللافت في هذه الواقعة هو سبب الاعتقال بتهمة التدريس في "مدارس الائتلاف"، وهذا بحسب مقربين من معلم المدرسة.

وكان النظام قد قطع رواتب المئات من الموظفين من أبناء المناطق المحررة بحجج واهية، تدخل في إطار الضغوط الاقتصادية التي يمارسها النظام على الشعب السوري، إلا أن قرارات النظام لم تشمل (ح ب) وآخرين غيره، ولهذا كان (ح ب) يتجاهل تحذيرات الجميع له، بعدم الذهاب إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، خشية الاعتقال، وكان يبرر ذلك بأنه لم يشارك في أي نشاط ثوري ضد النظام، وأن ما يتقاضاه هو حقه الشرعي.

"ذلك كان تبريره لمعارفه فقط، أما ما كان يدفعه للمجازفة شهرياً ويحمله على الذهاب إلى مناطق النظام، فكان شيئاً آخر، كان الجوع، نعم الجوع"، يقول محمود، صديق (ح ب)، لـ "اقتصاد".

ويبتسم بسخرية وهو يقول: "المجتمع المحيط به كان ينظر له على أنه مذنب فقط لأن راتبه الشهري لم يقطع، ولذلك كانت لا تصله المواد الإغاثية بانتظام، كما تُوزع على الفقراء، وأبعد من ذلك، كان يُدرس في المدارس التي تشرف عليها الجمعيات والمؤسسات الثورية بلا أجر، لأنه لازال يستلم معاشه الشهري".

ويزيد محمود، وهو معلم لم يُقطع راتبه أيضاً، لكنه يهاب الذهاب لاستلامه في مناطق النظام خشية الاعتقال، "كان المعاش الشهري الذي يتقاضاه (ح ب) سبيله الوحيد للإنفاق على أسرته، ولهذا كان يصم آذانه عن نداءات الجميع المحذرة، مع أنه كان ينفق ثلث ما يتقاضاه على أجور السفر".

الأمر نفسه ينسحب على (ص ن)، وهو معلم اعتقلته قوات النظام منذ حوالي سنة، بتهمة الإقامة في الأراضي التركية، وهو لا يزال قائماً على رأس عمله، ولم يُفرج عنه للآن.

يقول أحد أبنائه لـ "اقتصاد"، "لم يذهب أبي إلى الأراضي التركية قط، ولكن هي ذريعة يتذرع بها النظام للانتقام من كل أبناء المناطق المحررة"، ويضيف بنبرة صوت حزينة، "سألنا عنه كثيراً، ودفعنا كل ما نملك للسماسرة لكن دون طائل".

ويتابع، "كان أبي دائم القول أن الراتب الذي يتقاضاه هو حق له، لا صدقة يتصدق بها النظام عليه، وكان يصر على أنه موظف لدى الوطن، وليس لدى الأسد".

تجدر الإشارة إلى أن سبب تحفظ "اقتصاد" على ذكر الأسماء الحقيقية للمعلميّن يعود إلى حرصها على سلامتهم، وهم رهن الاعتقال لدى النظام.

ترك تعليق

التعليق