اللجوء إلى أوروبا..بين الرافضين والمدافعين


من أكثر المواضيع التي تشغل بال السوريين هذه الأيام، هي أخبار اللجوء إلى أوروبا وطرقه وامتيازاته بين دولة وأخرى...وفي المقابل تتعرض هذه الصورة لانتقادات كثيرة من قبل عدد كبير من الناشطين، الذين يرون أن سقوط النظام أصبح في المرتبة الثانية بالنسبة لاهتمامات السوريين، أو أن سقوطه لم يعد يعنيهم، بعد أن بات البحث عن وطن بديل هو الشغل الشاغل لهم...فكيف إذا كان هذا الوطن هو أوروبا...؟!!

من هم اللاجئون إلى أوروبا...؟

باختصار يمكن أن نقسم اللاجئين السوريين في أوروبا إلى قمسين: الأول خرج من الدول العربية بشكل نظامي بمساعدة بعض المنظمات الدولية وسفارات الدول الأجنبية، وهو يخص سياسيين وناشطين لم يكن وضعهم مستقراً في الدول الأولى التي لجؤوا إليها، وهذا النوع من اللجوء بدأ قبل أكثر من ثلاث سنوات..أما القسم الثاني فهو غير شرعي، وهو يضم فئات كبيرة من الناس وبأوضاع مختلفة، منهم من ضاقت عليه الظروف في الدول العربية التي لجؤوا إليها بعد أن فقدوا كل ممتلكاتهم وأوراقهم الرسمية، ومنهم من وجد بالأمر فرصة لتحسين وضعه وظروفه المعيشية، وهؤلاء يملكون المال وبعضهم يعمل ويعيش في دول الخليج العربي، وهذا النوع من اللجوء بدأ قبل نحو سنتين بعد أن اتضح أن الأوضاع في سوريا ذاهبة إلى الجحيم...!!

الرافضون

تمتلئ صفحات التواصل الاجتماعي بانتقادات كثيرة، وبالذات للذين يخاطرون بحياتهم وحياة أسرهم من أجل الوصول إلى أوروبا..وهذه الانتقادات تبدأ من الأخبار التي تشير إلى المخاطر التي يتعرض لها هؤلاء "المغامرون" عبر البحار، ولا تنتهي عند وصولهم إلى بلد المستقر الأوروبي.

ويرى "ياسر"، وهو من الناشطين المعارضين لهجرة السوريين إلى أوروبا، ويقيم في تركيا، أن الصورة والأخبار الواردة عن حركة السوريين "الهاربين" إلى أوروبا، باتت خطيرة ومرعبة ومزعجة، وفي بعض جوانبها مذلة، موضحاً "الأمر بات أشبه بالجنون لدى أغلب السوريين الذين تلتقيهم، ولم يعد مرتبطاً بوضع معاشي معين أو رغبة للخلاص من وضع سيء، بل الأمر أصبح حديث عن مزايا وراتب وبيت وأشياء كثيرة لا علاقة لها بالخلاص".

ويضيف ياسر: "المزعج في كل ذلك، أنه يتم باسم الثورة..فما أن يصل اللاجئ إلى دولته الأوروبية حتى يطلق صورة له رافعاً إشارة النصر...ثم يعلن بدء ثورة جديدة من هناك على الفيسبوك أعتى من ثورة الداخل.".

ويتابع ياسر، "اللجوء إلى أوروبا جعلنا نخسر خيرة شبابنا وبالذات الذين خرجوا بشكل نظامي، فقد تم انتقائهم من الكفاءات العلمية والثقافية، حيث تشير البيانات إلى أن آلاف الأطباء والمهندسين والمتعملين باتوا في أوروبا، وهو ما يعني خسارة بلدهم لهم"، مشككاً بعودة هؤلاء وأسرهم في المستقبل إلى بلدهم.

بيانات

تشير البيانات الصادرة عن جهات دولية مختصة، أن أكثر من خمسة آلاف لاجئ سوري لقوا مصرعهم بطرق مختلفة، وهم يحاولون اللجوء إلى أوروبا عبر البحار، فيما يُقدر مراقبون عدد السوريين الذين نجحوا في الوصول إلى أوروبا بشكل غير شرعي حتى الآن بأكثر من 100 ألف، مشيرين في هذا الصدد إلى أن تكلفة اللجوء غير الشرعي للفرد الواحد تصل وسطياً إلى أكثر من ثلاثة آلاف دولار، يتم دفعها للمهربين.

دفاعاً عن اللجوء إلى أوروبا

وفي المقابل، يرى كثيرون أنه بالرغم من الصورة السيئة التي تحيط بعملية اللجوء إلى أوروبا، إلا أنه لا يمكن النظر إليها منفصلة عما يجري في الداخل، كما أن إيجابياتها على المستوى البعيد أكثر من سلبياتها.
 
وفي هذا يقول إبراهيم الفلاح، وهو ناشط مقيم في السعودية، أن الكثيرين لم يختاروا اللجوء إلا بعد أن شعروا بأن سقوط النظام بات مسألة بعيدة، وهو أمر تتحمل مسؤوليته المعارضة والدول الداعمة لها، لافتاً إلى أن الناس يجب أن لا تلام بعد أكثر من أربع سنوات من التهجير والقتل والدمار، إضافة إلى ما تعرضت له من ذل في دول الجوار، والمستقبل الغامض الذي ينتظرها كلما طال أمد الصراع في سوريا.

ويرى الفلاح أننا يجب أن لا نلتقط الصور المعزولة والتفاصيل المؤلمة ونركز عليها، بل يجب أن ننظر إلى اللوحة مكتملة مع الأخذ بعين الاعتبار كل الظروف السابقة.

ويلخص إبراهيم الفلاح فوائد اللجوء بالنسبة للسوريين بالنقاط التالية: أولاً، الانسان مكون أساسي من مكونات الوطن واللاجئون من أبنائه، والمحافظة على حياتهم فيه شيء من المحافظة على الوطن، لأنهم سيعودون يوماً ما. ثانياً، كل دول العالم تعمل على تغريب نسبة من أبنائها إلى العالم المحيط فربما رجعوا بشيء من ثقافة تلك البلاد يفيدون فيها أوطانهم (بعثات محمد علي للمصريين إلى أوروبا، طه حسين مثالاً فلو بقي بصعيد مصر ما صار عميداً للأدب)، (الابتعاث الذي نراه الآن في دول الخليج لشبابهم إلى كندا وأمريكا وأوروبا و....)، هذه كأمثلة.

ثالثاً، حسب إبراهيم الفلاح، قضية تتعلق بعلمي النفس والاجتماع، وهي أن أغلبية أبنائنا عاشوا حرماناً وكبتاً لـ (50سنة)، وهذا شكّل بداخل كل منهم ما يشبه قنبلة موقوتة تنتظر الانفجار، وليتها انفجرت في ميادين الثورة، لقد انفجرت في أحلام سمعوا عنها في أوروبا، (حرية بمختلف أشكالها وأهمها تلك التي يفكر بها شباب اليوم)، لذلك انجذبوا لفكرة اللجوء سعياً وراء ما يفكرون.

رابعاً، يضيف الناشط السوري، لا ننكر ميل الشرقي (عدا الكوريين واليابانيين) للكسل، في الوقت الذي سمع فيه الكثيرون عن رواتب وبيت في أوروبا، وهذا يتوافق مع طبيعة التفكير لدى البعض.

أما رياض، وهو ناشط مقيم في دولة قطر، فيقول: "نصيحة لكل الشباب بالهجرة وخذوا مثال أخوانا الفلسطينيين...لقد أذاقوهم العرب الويلات والآن هم أطباء ومهندسون وجراحون ورجال أعمال وووو... الخ، ومعهم جنسيات أوروبية، ومن لفظهم بالأول يبحث عنهم للعمل بدولهم وبرواتب خيالية،...أما من بقي بالمخيمات، مازال يكتب أحلامه على جدرانها ويرسم شعارات فتح والصاعقة وجيش التحرير والكوفية الفلسطينية، ومنهم من أسس فرقة دبكة بالزي الفلسطيني، ومن مهرجان لمهرجان، ومن دولة لدولة، يعتاش عليها جماعة أبو فلان وأبو علان ركيبة المرسيدس "المفيمة"...!!"

ترك تعليق

التعليق

  • رأي
    2015-08-02
    لم يخل مفهوم اللجوء الإنساني من إيجابيات فاقت السلبيات بشكل عام حيث كان تطبيقه الصحيح يعيد للاجئ شيئا من اسم اللجوء وهو الانسانية . ولجوء السوريين اليوم يمكن ان نسميه القسري لخروج مسبباته عن سيطرة المهاجر او اللاجئ . وهنا إن قلنا رحم الله اللاجئ ففقد مات في عيون الآخرين انتقدونا ، وإن قلنا تبا لمن ترك وطنه يموت انتقدنا . وهنا نلزم الصمت لتحكم الأيام القادمة في اللاجئ .