التطهير الطائفي داخل مؤسسات النظام الحكومية

منذ أيام كنت أحاور صديقاً حميماً، لازال يعمل في أحد مؤسسات النظام، ويتولى منصباً مسؤولاً..فتهرب من الإجابة على أغلب أسئلتي العادية فيما يتعلق بأحواله الشخصية وأحوال أصدقائنا المشتركين، ظناً منه أنني قد أستثمر هذه الأسئلة في مطرح ما، يتسبب له بمشكلة...وأنا كنت بالفعل مهتماً بمعرفة أحوالهم من باب المودة وليس من باب الفضول الصحفي..فآخر ما يخطر ببالي أن أتسبب بمشكلة لأصدقاء منعتهم ظروفهم الشخصية أو خوفهم من اتخاذ موقف يتناسب ومعرفتي الحقيقية بهم..وهذا طبعاً لا يعفيهم من المسؤولية التاريخية تجاه ما يجري في بلدهم، فهم في النهاية آثمون...!!

من جهة ثانية، علمت من طرف ثالث، أن صديقي هذا، هو "السني" الوحيد المتبقي في مكان عمله من بين عشرات الموظفين السُنّة الذين تم فصلهم بشكل تعسفي واستبدالهم بموظفين من طائفة النظام، وأغلبهم من أبناء قتلى الجيش...وهذا يعني أن الأصدقاء الذين سألت عنهم تم فصلهم..!!...وعلمت منه أنه جرى حرمانهم من كافة حقوقهم الوظيفية المتعلقة بنهاية الخدمة...!!، على الرغم من أن بعضهم لديه خدمات تتجاوز ربع قرن...فما هي حقيقة ما يجري داخل مؤسسات النظام الحكومية...؟!

تشير الأرقام التي أعلنتها حكومة النظام إلى أن مجموع ما تم فصلهم من العمل، منذ أربع سنوات وحتى الآن، لا يتجاوز العشرة آلاف موظف..بينما على أرض الواقع، فإن الرقم أكبر من ذلك بكثير وقد يصل إلى عشرات آلاف الموظفين..وقد اتبع النظام عدة أساليب في التطهير الطائفي داخل دوائره الحكومية وتحت حجج كثيرة..فمنهم من تم فصله بسبب تغيبه عن العمل لمدة تزيد عن الـ 15 يوماً، وهي حجة اتبعها النظام في المناطق التي دخلتها عصاباته ومنعت الموظفين فيها من الذهاب إلى أعمالهم لأكثر من شهر أحياناً..وهناك فئة كبيرة من الموظفين تم اعتقالهم بشكل تعسفي على الحواجز وسجنوا لعدة أشهر وخرجوا دون أن يثبت تورطهم بأي شيء..ومع ذلك تم فصلهم من عملهم..أما النوع الثالث فهو الأخطر، فهم تلقوا قرارات فصلهم على رأس عملهم من دون أية أسباب ومن دون أن يكون لهم أي نشاط أو موقف معارض..فقط ذنبهم الوحيد أنهم ينتمون إلى مناطق ثائرة أو لطائفة معينة..وهذه الفئة أغلبها من الموظفين في دمشق..حيث يشير مراقبون إلى أن نسبة الموظفين "السنة " في دمشق تحديداً أصبحت لا تتجاوز الـ 2 بالمئة من مجموع موظفي الدولة في أحسن الحالات.
 
أما بالنسبة لقرارات الفصل العلني التي أعلنها النظام فأغلبها يعود إلى النوع الأول الذين تغيبوا عن العمل لمدة تزيد عن 15 يوماً، وذلك حتى لا يقال أنه قام بفصل الموظفين بسبب مواقفهم وآرائهم السياسية...وهو في كل الحالات حرم الجميع من حقوقهم الوظيفية المتعلقة بنهاية الخدمة...!!
 
نحن إذاً أمام عملية تطهير طائفي داخل مؤسسات الدولة، وهو يعني في النهاية تطهير على مستوى الأرض..لأنه وبحسب متابعين فإن أغلب المهاجرين إلى أوروبا عبر البحار، هم من الموظفين السابقين لدى النظام، والذين جرى فصلهم من أعمالهم وقطع مورد رزقهم، فلم يعد أمامهم سوى الهجرة...ومن جهة ثانية، فهذا السلوك الطائفي يعني تدميراً ممنهجاً لما تبقى من مؤسسات الدولة في حال سقوط النظام...ما يعني أن هذه المؤسسات سوف تكون عرضة للنهب والانهيار مباشرة ومن قبل العاملين فيها بالدرجة الأولى.

باختصار، النظام يعمل بجد حتى لا تكون سوريا التي نعرفها، بعد رحيله..أو أنه يأمل أن يجعل من الأكثرية، أقلية، لكي يستقر له حكم سوريا مدى الحياة..!

ترك تعليق

التعليق