في درعا...انهيار في قطاع البناء وتكلفة الغرفة الواحدة تتضاعف عشر مرات


أدت تداعيات الثورة السورية, وما نجم عنها من ظروف اقتصادية صعبة, إلى توقف حركة البناء بشكل كامل في محافظة درعا, إضافة إلى توقف كل المهن المرتبطة بها, ما أدى إلى إفراز جيش عاطل عن العمل, أخذ قسم منه يتوجه إلى مهن جديدة, تؤمن له بعض الاحتياجات الضرورية، وفي مقدمتها رغيف الخبز الضروري لغذاء السوريين.  

ويقول عبد الله الحافظ، وهو صاحب محل للأدوات الصحية والكهربائية: "لقد توقفت حركة البيع  تماماً, ولا يوجد إقبال على شراء المواد الصحية كتمديدات المياه والصرف الصحي والمواد الأخرى, التي تستخدم في عمليات البناء، لأنه فعلياً لا يوجد عمليات  بناء جديدة, رغم الحاجة الماسة لذلك, والحركة كما تشاهد متوقفة بسبب الخوف من إعادة قصف المناطق المحررة من قبل قوات نظام الأسد من جديد", لافتاً إلى أن محله أصبح مجرد مستودع لحفظ البضائع, وأن دخله لم يعد يكفيه لتأمين الأجر الشهري للمحل الذي يستأجره بنحو عشرة آلاف ليرة سورية شهرياً.
وقال الحافظ "لقد تركت المحل وتوجهت إلى بيع المشتقات النفطية بالمفرق, و ذلك لأستطيع إعالة أسرتي المكونة من نحو 8 أشخاص والتي تحتاج بمعدل 400 ل س يومياً، ثمناً للخبز فقط، هذا عدا عن بقية الاحتياجات الأساسية الضرورية للمعيشة".

من جهته، محمود الأحمد، وهو سائق سيارة لنقل مواد البناء، قال: "كنا نجلب البحص والرمل من مناطق مختلفة من سوريا, وخاصة من ريف دمشق، ولكن الآن، ومع قطع أوصال الطرق وكثرة الحواجز والملاحقات الأمنية لم نعد قادرين على نقل أو المتاجرة بأية مواد بناء, لأن الحصول عليها صعب جداً, كونها تقع في مناطق مشتعلة, إضافة إلى أن أسعارها عالية والسوري  أصبح يعزف عن البناء حالياً, لأن الأمور غير مستقرة وغير آمنة, والطلبات التي نتلقاها بسيطة تتعلق بكميات قليلة من البحص والرمل لاستخدامها في أعمال ترميم عادية جداً, وهي ليست ذات جدوى اقتصادية تستحق المغامرة للحصول عليها".

وأكد محمود أن كل المواد الأساسية التي تدخل في عمليات البناء شهدت ارتفاعاً كبيراً في أسعارها, وذلك تماشياً مع ارتفاع أسعار الدولار, وضعف القدرة الشرائية لليرة السورية, ما تسبب بعزوف الناس عن البدء بعمليات إعمار جديدة, لافتاً إلى أن سعر المتر المكعب من البحص يبلغ 22 ألف ليرة سورية، ومتر الرمل الخاص بالإكساء نحو 23 ألف ليرة سورية، بينما يبلغ سعر حجر البناء /البلوك/ من قياس 20 سم 225 ليرة سورية، وقياس  15 سم 200 ليرة سورية، أما طن الحديد فيبلغ 150 ألف ليرة سورية وسيارة البحص 220 ألف ليرة سورية، وسيارة الرمل 225 ألف ليرة سورية، وطن الاسمنت الأسود 45 ألف ليرة سورية، موضحاً أن تكلفة الغرفة نحو مليون و500 ألف ليرة سورية، وهي كانت لا تتجاوز قبل الثورة 150 ألف ليرة سورية.

فيما نوّه رامي عبد الحميد، وهو حداد بناء، إلى أن لا حركة عمل ولا مواد بناء موجودة على الإطلاق, وأسعار المواد أصبحت تفوق إمكانيات أي أحد في الوقت الحالي, الأمر الذي "أفقدنا مصدر رزقنا, فأنا لا مهنة لي الآن وتحت ضغط الظروف الاقتصادية الصعبة, تحولت إلى الزراعة, لدي نحو 5 دونمات من الأراضي الزراعية, فزرعتها ببعض الخضار كالبندورة والبامياء والأناناس, وأنا اعمل بها أنا وكل أفراد أسرتي المكونة من 6 أشخاص, والحمد لله ما تعطيه يكفينا لسد احتياجاتنا لعدة أشهر قادمة", لافتاً إلى أن أسرته لم تكن تعمل في الزراعة سابقاً, وأنه هو المنتج الوحيد في الأسرة، وأن ما كان يجنيه من دخل يكفيه ويكفي أسرته.

محمد الحسن، صاحب معامل لإنتاج حجارة البناء، قال لـ "اقتصاد": "توقفت عمليات إنتاج حجارة البناء بشكل كلي وأصبحت تجارتها غير مربحة في ظل النفقات المادية الكبيرة التي تحتاجها عمليات الإنتاج, إضافة إلى أن مقومات الإنتاج غير موجودة أو قليلة جداً في السوق, لا يوجد إسمنت ولا بحص ولا رمل، ولا حتى طاقة كهربائية لتشغيل معامل صناعة حجارة البناء /البلوك/"، لافتاً إلى أن عمليات البناء مكلفة جداً الآن وتكلفة الغرفة الواحدة تفوق إمكانيات المواطن العادي، متسائلاً: "من يفكر في البناء الآن وبراميل الأسد لازالت تمطر المناطق المحررة جالبة الهدم والدمار والموت لكل ما هو حي".

عدنان العمر، عامل مكبس بلوك، قال بدوره لـ "اقتصاد": "ما في عمل ولا في شيء نعيش منه اضطررت أن أفتح هذه البسطة لبيع الخضار لاسترزق منها والحمد لله الأمور مقبولة, أستطيع تأمين احتياجاتي اليومية الضرورية من طعام وشراب, ولكن ليس بالشكل المطلوب, يعني ما يتعلق بالطبابة إن مرض طفل لا أستطيع تأمين علاجه أو كشفية الطبيب، ولكني مقتنع بنصيبي، فأنا لا عمل آخر لدي, فماذا أفعل؟".

إلى ذلك، أكد غسان العبد الله، وهو تاجر عقارات، أن العقارات في المناطق البعيدة عن ساحات القتال شهدت ارتفاعاً ملحوظاً بالأسعار, لافتاً إلى أن أسعار المحال التجارية تختلف من منطقة إلى أخرى، ومن مدينة إلى أخرى، وحسب الموقع, حيث بِيع محل تجاري مساحته 25 متراً مربعاً بنحو خمسة ملايين ليرة سورية في بلدة المزيريب مثلاً, بينما بِيع آخر بنفس البلدة وبنفس المساحة، لكن في شارع آخر، بنحو 2 مليون ليرة سورية.

وأضاف العبد الله: "في المناطق القريبة من ساحات المعارك لا توجد حركة بيع أو شراء للعقارات، ومعظم القرى والبلدات القريبة من قطع عسكرية لقوات النظام، وتقع في مرمى أسلحتها، باتت شبه مهجورة, وانعدمت الحياة فيها".

توقفٌ كامل لدورة الحياة، وحركة بناء شُلت تماماً, في ظل ظروف اقتصادية شديدة التعقيد والصعوبة يعيشها السوريون بشكل عام، والشباب بشكل خاص، في الجنوب السوري, والذي بات يجد في الهجرة الحل الأمثل لحل مشكلاته الاقتصادية، في ضوء فقدان الأمل بتحسن الأحوال في وقت قريب.

ترك تعليق

التعليق