الكلمة العليا لأمراء البحر في رحلة الموت

في ظل الاضطراب الاقتصادي الذي تواجهه الدولة المصرية، يلجأ كثير من السوريين لوسائل الهجرة غير الشرعية هروبَاً من الواقع الأليم الذي يعيشه الكثير منهم، نظراً للضغوطات التي يعانون منها، من قبيل قلة فرص العمل، وضعف الرواتب، وصعوبة الحصول على الإقامة أو تجديدها، ومستوى التعليم المتدني، وليس آخرها صعوبة لم شمل الأسر في مصر. فيذهب السوريون إلى البلاد الأوروبية طمعاً في الاستقرار والعيش الرغيد، وهرباً ممّا يعدّونه جحيماً في بلاد الاغتراب ومنها أرض الكنانة.

 وتتراوح كلفة الوصول لأوروبا، انطلاقاً من مصر، بين ألفين إلى أربعة آلاف دولار لشخص الواحد، ومثل هذه المبالغ يصعب تأمينها، الأمر الذي يدفع الكثيرين إلى بيع ما يملكون من أثاث أو مصوغات، أو اقتراض المبلغ من أشخاص ميسورين.

ومن المفارقات المالية أن إجمالي مبالغ الرحلة الواحدة قد تصل إلى 81 ألف دولار أمريكي، إلا أن الفاصل الزمني بين الرحلات المنطلقة من مصر تتراوح بين أسبوع إلى عشرة أيام.


 ويستخدم مروّجو الهجرة غير الشرعية عبر البحر المتوسط مواقع التواصل الاجتماعي، لجلب الراغبين في مثل هذا النوع من الهجرة، وبعضهم يلجأ للسماسرة "الوسطاء"، أو عبر الرسائل على (الفابير والواتس).
 
ويمكن الجزم بأن الكلمة العليا لأمراء البحر في رحلة الموت، إذ لا يستطيع المهاجرون النظر في وجوه المهربين، قادة الرحلة، وأي خطأ يُعرّض "النفر"، إن صح التعبير، لخسارة كافة مقتنياته وأمواله الشخصية، يضاف إلى ذلك التعرض للسرقة أثناء النوم، وعقوبات أخرى متنوعة تصل إلى الوقوف لساعات، وأحياناً لأيام، على متن القارب.
 
أقل الأسعار 1800 دولار

سليم عبارة، أحد المهاجرين السوريين الذين نجحوا في الوصول إلى الشواطئ الإيطالية انطلاقاً من سواحل مصر، وهو العضو السابق في إدارة الجالية السورية، يروي لـ "اقتصاد" أن السوريين يفكرون بالهجرة غير الشرعية نتيجة الضغوط الهائلة، رغم درجة الخطورة التي يتعرض لها الشخص، فالموت والحياة سواء في مثل هذه الرحلات، وتكمن أبرز معالم الخطورة في ضخامة عدد المهاجرين مقارنة بحجم القارب الذي يتم نقلهم به إلى الوجِهة المحددة.
 

ويتابع سليم عبارة، المقيم في هولندا حالياً: "العملية تبدأ من خلال المعارف أو الأصدقاء الذين يتواصلون مع المهرب، بعد الاتفاق على تكلفة الرحلة، والتي تختلف حسب عدد الأشخاص المسافرين بالقارب، أو نوعية القارب، بالإضافة لأمور أخرى، مثل مكان الانتظار ليوم الرحلة".
 
وأشار سليم إلى أن أقل الأسعار هو 1800 دولار لكن بقارب سيء وعدد ركاب كبير، يضاف إلى ذلك عدم توفر الطعام. وترتفع الأسعار لتصبح 2500 دولار أو 3000 دولار، "طبعاً هذا ما يقوله المهرب"، لكن الواقع مختلف تماماً، يقول سليم: "فمثلاً أنا ذهبت في رحلة على قارب، أخبرني المهرب أنه سيضم 150 شخصاً وبتكلفة 2300 دولار مع ثمن الطعام والسكن في شقة مؤقتة لتجهيزنا وتجميعنا ليوم الرحلة، وفي حال كان المبلغ 1800 وما دون يتم جمع المسافرين "المهاجرين" في اسطبلات أو حاويات لأيام، حتى يوم الرحلة".

ويستطرد سليم عبارة: "رحلة واحدة كرحلتنا والمؤلفة من 270 مهاجر  X2300 يصبح المجموع 621000 دولاراً، وعلى حد قول أحد المهربين أن صافي الربح هو 560000 دولاراً، يقسم بين الضباط الفاسدين والمهرب، والفُتات للربان وطاقمه".
 

الكلمة العليا لأمراء البحر
 
يتابع سليم: "وبالعودة للرحلة الخاصة أذكر تماماً كنا على متن القارب 150 شخصاً لكن بعد أن أصبحنا في عرض البحر أحضروا قارباً خشبياً مهترءاً يحتوي 120 شخصاً آخرين، وتم نقلهم رغماً عن إرادتنا إلى قاربنا، وأصبحنا 270 شخصاً في قارب طوله 16 م، وعرضه 8 أمتار فقط".

كما يمكن القول، والكلام لـ سليم، بشكل عام المهربين يُتقون فن الكذب والخداع والاستغلال، و"قبل السفر أرغمونا على شراء سُتر نجاة من محل متعاون معهم، وبأسعار ترتفع جداً عن سعر السوق، وبنوعية رديئة، وعندما تصبح في عرض البحر من الصعب جداً أن تتخذ أي قرار، فحياتك بين أيديهم، وتفتقد الشعور بأي قانون يحميك".

عمولة السمسار من 200 إلى 400 دولار

وأوضح سليم عبارة أن السماسرة الذين يحضرون المهاجرين، يحصلون على عمولة عن كل شخص بين 200 إلى 400 دولار، حسب الاتفاق مع المهرب، وهم صلة الوصل وأداة "التطمين" بينك وبين المهرب.
 

وكشف سليم أن وقت التجميع في الإسكندرية يهاجم البلطجية الشقق التي يقطن فيها السوريون، والذين بدورهم ينتظرون الرحلة، وذلك لعلمهم أنه مع السوريين "مال"، لكي يتابعوا رحلتهم بعد إيطاليا، ويبدو أن الاتفاق ما بين المهرب وبين البلطجية لسلب هذه الأموال.

ولخلص سليم أخطار البحر بالجوع والغرق والعطش، يضاف لذلك مواجهة الموت فعلياً، وسط أمواج مخيفة تبدو أحياناً كأنها جدران عالية، والانقطاع عن الماء والغذاء لمدة 48 ساعة.
 
 طريق الهجرة أمام السورريين مُشرّع ومضمون
 
عملية الهجرة غير الشرعية تتم منذ عقود في مصر، وهنالك قرى مصرية بأكملها وصلت إلى أوروبا، ولا يوجد في مصر قانون لمكافحة الهجرة غير الشرعية، ولا يوجد أي قانون يُجرّم تجار الموت من سماسرة أو مهربين.


ولعل المشكلة ليست بطريقة الهجرة غير الشرعية ولا في مخاطر الموت والبحر المتوسط، وإنما الصعوبة تكمن في تسليم المهاجرين من السوريين أنفسهم لتجار الموت، يقول نبيل غزولي، الناشط في المجال الاجتماعي والإنساني في مصر: "إن الكثير من السوريين المتواجدين في مصر يرغبون بالسفر إلى أوروبا بالطرق غير الشرعية، حيث إنها هي الخيار الوحيد لهم للهروب من الواقع الأليم الذي يعيشه الكثير منهم في مصر، وسط الكثير من الضغوطات التي يعانون منها، لعل أهمها قلة فرص العمل، وضعف الدخل".

وأضاف غزولي: "هناك عوامل ضغط أخرى تكمن في الجوانب القانونية، منها إصدار الإقامات وتجديدها، ومستوى التعليم المتدني في المدارس، والمتاجرة بالعلم، كل هذه الأسباب تدفع السوريين المقيمين في مصر للهجرة إلى أوروبا".
 
وبيّن غزولي أن المهاجرين بشكل غير شرعي يواجهون الكثير من المخاطر حتى الوصول لأوروبا، وتختلف هذه المعاناة باختلاف الطريقة والقيمة المالية المدفوعة والمهرّب الذي يقوم بهذه العملية، وبالنسبة لموضوع الحلم الأوروبي من الممكن أن يتم تحقيق جزء منه في مصر بمزيد من الجهد والعمل، وهناك بعض السوريين من المهاجرين يعيشون حياة كريمة.
 

وختم نبيل غزولي: "إن تزايد عدد المهاجرين غير الشرعيين من السوريين إلى أوروبا، انطلاقاً من مصر، بالطرق غير الشرعية، أصبح أمراً واضحاً جداً، وطريق الهجرة أمام السورريين مُشرّع ومضمون، يضاف إلى ذلك قضية لمّ الشمل، حيث يسافر شاب أو ربّ العائلة، وبعد عام يقوم بإجراءات لمّ شمل لعائلته التي تتراوح ما بين ثلاثة إلى خمسة أشخاص، ويُلاحظ نتيجة ذلك الانخفاض الكبير في تعداد السوريين المقيمين في مصر من خلال المدارس السورية، حيث يُلاحظ سفر الطلاب وانسحابهم من المدارس بشكل مفاجئ".

ترك تعليق

التعليق