خبير اقتصادي يُفنّد خيار الليرة التركية ويؤكد "الدولار أفضل"

شروط استبدال العملة من قبل "لجنة حلب" أو غيرها ليست متاحة.


هذه العملية لن يكون لها تأثير حقيقي على معيشة السوريين في الشمال.

 

الإعلان الرسمي من قبل لجنة شرعية هو قرار خاطئ شكلاً ومضموناً.


لا بأس من لجوء السوريين إلى التعامل بالدولار أو الليرة التركية على أنها عملة احتياط خارجية.


نحن نحبذ استخدام الدولار، ليس حباً به، وليس كعملة رسمية، وإنما بحكم الحاجة.



تباينت ردود الأفعال حول الإعلان "الرسمي" عن قرار استبدال العملة السورية بالتركية في مناطق الشمال السوري، ولم تمضِ ساعات حتى أعلن رئيس الحكومة السورية المؤقتة أن القرار انفعالي واستعراضي، ولم يخضع لدراسة كافية على الصعيدين الاقتصادي والسياسي.

ويبدو أن هذه الخطوة لم تأخذ القدر الكافي من الدراسات الاقتصادية وخصوصاً تلك الأرقام التي من شأنها أن تُظهر حجم الكتلة النقدية المتدوالة في الشمال المحرر، يضاف لذلك غياب أرقام التبادل التجاري وحجم الاستيراد أو التصدير، وفي ضوء هذه المعطيات فقط، يمكن الحديث عن التأثير الاقتصادي لأي قرار.
 
وهنا يؤكد المحلل والخبير الاقتصادي، د. حسين العماش لـ "اقتصاد" أن "القاعدة في تبديل العملة أمر سيادي، أي من يملك السيادة على الأرض والناس، حتى لو كانت قوة احتلال، وشروط استبدال العملة من قبل "لجنة حلب" أو غيرها ليست متاحة، فلا يوجد سلطة مركزية، للحكومة المؤقتة مثلاً، المخولة بخلق أو استبدال العملة، ولا يوجد مصرف (أو بنك مركزي) مخول قانونياً باعتماد العملة وإصدارها وإدارتها حسب حاجة الاقتصاد ومتطلبات الدوائر والأفراد".

وبيّن د. حسين العماش أنه "وعلى الرغم من أن هذه العملية لن يكون لها تأثير حقيقي على معيشة السوريين في الشمال، إلا أن رمزيتها السياسية ستكون سلبية، لأنها تقدم فرصة للمشككين بالثورة السورية ووطنيتها، والأفضل أن لا يصدر أي قرار متسرع، وإنما يتم توعية الناس بكيفية حماية أموالهم، وقبول التعامل بكل العملات المتاحة (بما فيها الليرة السورية)، تيسيراً على الناس، حتى يفرجها الله على السوريين".

واستطرد د. حسين العماش أن "الإعلان الرسمي من قبل لجنة شرعية من الثوار عن قرار استبدال العملة السورية بالليرة التركية هو قرار خاطئ شكلاً ومضموناً، ونصيحتي الاقتصادية أنه يجب التراجع عن هذا القرار فوراً، وبدلاً من ذلك تشجيع الناس على حماية مدخراتهم بالدولار أو الليرة التركية أو اليورو كمصدر لتخزين قيمة العملة، وعدم القفز في الهواء، وعليهم أن يتقوا الله في سوريا وأهلها، فلم يفوضهم أحد بذلك، ويجب ألا يحرفنا غضبنا من نظام الأسد المجرم عن التمسك بثوابت الثورة وجلب الضرر على أهلنا".
 
ويؤكد العماش أن هذا "ليس وقتاً أو أسلوباً مناسباً لمكافأة الأتراك على معروفهم وحسن معاملتهم للسوريين!، وليس أسلوباً لمعاقبة النظام على جرائمه!، وإنما خطوة ضررها أكثر من نفعها على المناطق المعنية، فكيف ستسهل الليرة التركية حياة السوريين أكثر من الدولار أو حتى الليرة السورية؟، إذا كانت شروط المبادلات التجارية، وسبل توفير العملة بيسر وسهولة بيد الناس غائبة؟!".

 ويضيف د. العماش أن "هذه الخطوة لا تدل على حكمة سياسية، أو وعي قانوني، أو معرفة اقتصادية، وإنما قامت على العاطفة الجامحة، وعلى أرض الواقع لن يلتزم بها أحد، فشروط المنفعة الاقتصادية والمالية للعملة المرغوبة هي وحدها التي ستسود".

وأشار العماش إلى أنه لا بأس من لجوء السوريين إلى التعامل بالدولار أو الليرة التركية على أنها عملة احتياط خارجية لحماية القوة الشرائية من تدهور الليرة السورية، فعملية "الدولرة"، أي تسعير البضائع والخدمات بالدولار ثم التعامل بالليرة والدولار حسب الحاجة هو أمر طبيعي تفرضه الضرورات، ولكن ليس خطوة استبدال العملة رسمياً في هذا الوقت المضطرب، و"نحن نحبذ استخدام الدولار (ليس حباً به) ليس كعملة رسمية، وإنما بحكم الحاجة، ولأنه عملة قوية ومتاحة، ومعظم الناس تعرفه وتتعامل به ليس بالشمال السوري فقط وإنما في العالم كله، واستعماله شائع بين السوريين، ولا يحتاج إلى لجنة شرعية لإقراره".

ويضيف العماش أن الليرة التركية تخضع لسلطة مصرف أجنبي (المصرف المركزي التركي)، وهو خارج سلطة لجنة حلب، "فكيف لهذه اللجنة القدرة القانونية والفنية على تأمين الكميات اللازمة من الليرة التركية لاحتياجات التجار والموظفين والأفراد وغيرهم؟".
   
ويتساءل العماش: "إذا لم تأتي الليرة التركية عن طريق التهريب أو المعاملات التجارية عبر الحدود فهل ستقوم الحكومة التركية بتأمينها؟...عندئذ تصبح هذه المنطقة خاضعة اقتصادياً بصورة مباشرة للحكومة التركية، خاصة بوجود تجاور طبيعي على أية حال، وبهذا سنعمق الشعور بالتجزئة، وبالتالي هو عمل تنقصه الحكمة".

يُذكر أن د. حسين العماش يحمل دكتوراه في الاقتصاد بمنحة دراسية من جامعة ولاية بنسلفانيا الأمريكية، وسبق أن تولى إدارة هيئة مكافحة البطالة بسوريا، أما عمله الرئيسي، فكان بالصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، وقد تدرج منذ تخرجه والتحاقه بالعمل، من باحث إلى خبير ثم مستشار اقتصادي معني بشؤون ومشاريع التنمية العربية بصورة عامة، وملف الاقتصاد السوري بصورة خاصة، بالإضافة إلى عمله في المجال الإنمائي.

ترك تعليق

التعليق