من سياحة اللطم إلى سياحة التشبيح

من أكثر الأمور المستغربة في حكومة نظام الأسد، هو وجود وزارة السياحة، التي لاتزال تعمل وتخطط رغم كل الكوارث التي حلت بالبلد، والتي جعلت أبنائه يهجرونه، فكيف بالسائح الذي يبحث عن أكثر المناطق أمناً واستقراراً في العالم، من أجل أن يقضي إجازته السنوية...؟!، فمن هو هذا السائح الذي لايزال يرى في سوريا مكاناً للاستجمام..وما هي السياحة التي لاتزال متوفرة في سوريا والتي تستحق وجود وزارة لأجلها وميزانية ومشاريع وخطط استثمارية واجتماعات وتصريحات...؟!

يزول الاستغراب عند متابعة أنشطة الوزارة، والتي أول ما يلفت انتباهك فيها، هذا الاهتمام المنقطع النظير بالسياحة الدينية، والحديث عن أرقام ومعطيات تراها الوزارة أنها أنقذت القطاع السياحي في البلد، الذي كاد أن يتوقف نهائياً خلال السنوات الأربع الماضية،  لولا بضعة آلاف من الشيعة الذين زاروا منطقة السيدة زينب وبعض المناطق داخل دمشق...وهؤلاء بحسب بيانات الوزارة نفسها بلغ عددهم أكثر من أربعين ألف "شيعي" منذ بداية السنة الحالية وحتى الآن...!!

لكن، وكما هو معروف، فإن هذه السياحة تتحكم فيها إيران ومنذ سنوات طويلة، من أيام حافظ أسد..إلا أنه في عهد بشار سيطرت إيران عليها بالكامل، وبات الاقتصاد المحلي لا يجني منها أية فائدة..بل أصبحت إيران هي التي تحقق الفائدة منها، من خلال أخذ الوكالة الحصرية لتنظيم هذه "السياحة" من بابها لمحرابها..حتى سمات الدخول لا يدفعها الزوار الشيعة على المنافذ الحدودية، بما فيها المطارات..!!، وبالنسبة للمنشآت في منطقة السيدة زينب فهي أصبحت مملوكة لإيران بالكامل وتستثمرها لصالحها الشخصي، بمساعدة رجال أعمال شيعة، يأتي على رأسهم رجل الأعمال الكويتي الشيعي، عبد الحميد دشتي، صاحب شركة "العقيلة" للتأمين التكافلي، الذي قام في العام 2008 بطرح مشاريع للاستثمار العقاري في منطقة السيدة زينب وما حولها، بناء على قانون الاستثمار رقم 8 ، واستطاع عبره تملك مساحات واسعة من الأراضي هناك بما فيها المأهولة بالسكان، لكنه لم ينفذ شيئاً من تلك المشاريع العقارية...!!

 أما الجانب الآخر الذي يدخل ضمن اهتمامات الوزارة وتعمل عليه بجد، فهو إعادة الحياة السياحية للمنطقة الساحلية...وفي هذا الجانب تسعى الوزارة جاهدة لعمل ما بوسعها من أجل أن تجعل من تلك المنطقة سوقاً للتنمية...ولكن وبحسب مصادر خاصة داخل وزارة السياحة ذاتها، فإن إيران تتطلع أيضاً للسيطرة على السياحة في المنطقة الساحلية..وهو ما لا يرغب النظام به...!!

ووفق هذه المصادر، فإن الوزارة عرقلت أكثر من مرة استثمارات تقدم بها رجال أعمال إيرانيون، وكانت العرقلة بتوجيه من النظام ذاته...والسبب أن إيران ناشطة جداً في مجال السياحة الجنسية، ورجال أعمالها يسيطرون على منشآت حيوية في هذا المجال في عدد كبير من الدول الأوروبية والإمارات العربية وتركيا...لذلك على ما يبدو أن النظام يخشى من أن تحول إيران المنطقة الساحلية إلى بيت "دعارة " كبير كما تفعل في كل المنشآت السياحية التي تستثمر فيها...!!

لهذا، تتطلع الوزارة إلى أشخاص مقربين من النظام للاستثمار في المنطقة الساحلية في خطوة احترازية للمستقبل، تهدف إلى تجميع الثروات السورية الهاربة من العنف إلى المناطق المستقرة..وهو أيضاً ما لم ينجح به النظام حتى الآن...فمجموع ما يعلنه من مشاريع سياحية جديدة في المنطقة الساحلية لا يتجاوز الـ 350 مليون ليرة..وهو رقم لا يعتد به، وبالكاد يكفي لبناء مطعم من فئة الـثلاثة نجوم..!!
 
غير أن السياحة المتألقة حالياً في المنطقة الساحلية، هي تلك التي يتحكم بها ويسيطر عليها الشبيحة...وهي سياحة قديمة قدم النظام ذاته .. إلا أن الجديد في الموضوع هو تراجع عمل هؤلاء بسبب الأحداث، ما دفعهم لإحكام قبضتهم أكثر على "القطاع السياحي"، في ظل وجود أكثر من مليون سوري من الهاربين من العنف في محافظاتهم...حيث يروي مراقبون أنه على طول الساحل ينتشر شبيحة خارج سلطة القانون، يراقبون المارة من أبناء هذه المحافظات ممن تسول له نفسه إلقاء نظرة على البحر أو الجلوس لبضعة دقائق..حيث سرعان ما يحاوطه قطعان من الشبيحة ويطلبون منه أن يدفع ثمن نظرته...فيضطر للدفع صاغراً لأن العواقب ستكون وخيمة...!!

وهذه السياحة أيضاً لا يستفيد منها الاقتصاد "الوطني" في شيء...فما الفائدة من وجود وزارة السياحة..ولماذا المصاريف الزائدة...؟!

ترك تعليق

التعليق