في ألمانيا..شاحنات الموت ليست استثناء، والشباب بين نيران الغرب والدين والأعراف

ينقسم الشباب السوري المهاجر لألمانيا إلى قسمين: قسم مستعد لتقبل عادات المجتمع الألماني وتبنيها والانسجام كُليةً معها، وآخر، يرى أن وجوده في ألمانيا مؤقت، وله غاية محددة، وهي اكتساب العلوم والمعارف التي تؤهله لبناء سوريا على أحسن صورة، حالما تُتيح له الفرصة ذلك.

ولا يبدو أن قصة شاحنة الموت النمساوية، استثناء، حسب شهادات عيان حصلت عليها "اقتصاد"، فكثير من المهاجرين السوريين إلى ألمانيا، مروا بتجربة مماثلة هددت حياتهم، وعرضتهم للموت اختناقاً في شاحنات تهريبٍ، مُكتظة بالبشر.


رحلة مليئة بالمخاطر

تعب جهاد (22 عاماً) في البحث عن مهرّب يقوده عن طريق البحر، حيث كانت الوجهة الرئيسية هي ألمانيا. يقول جهاد لموقع "اقتصاد": "خرجنا من تركيا إلى اليونان عن طريق التهريب عبر البحر، بقينا ساعتين ثم انطلقنا إلى مقدونيا التي قطعناها مشياً على الأقدام عبر الغابات".

ولا يخفي جهاد مشاعره المشبعة بالخوف التي كانت تصاحبه في مقدونيا حيث قال: "كانت قمة الخطورة في هذه المرحلة بالذات،  لقد مشينا سبعة أيام بين الغابات، كلما تذكرت أننا فعلنا ذلك ينتابني شعور الخوف ذاته الذي شعرت به حينها. بعد ذلك وصلنا إلى صربيا ثم هنغاريا، وبعدها استطعنا بلوغ هدفنا المنشود وهو ألمانيا".


وبحسب جهاد، فإن الطريق من هنغاريا إلى ألمانيا كان صعباً للغاية، حيث ركب 15 شاباً في سيارة مغلقة، بصحبة أحد المهرّبين، حتى وصلوا إلى الحدود الألمانية. يقول جهاد: "وضعنا المهرّب فوق بعض، كانت السيارة صغيرة ومغلقة، والطريق استمر ست ساعات، هناك أشخاص أُغمي عليهم وفقدوا الوعي بسبب ضيق التنفس، وعندما وصلنا إلى الحدود تركنا المهرّب وولى هارباً فألقت الشرطة الألمانية القبض على عدد منا، بينما تمكنت أنا وبعض الشباب من استئجار حافلة، وانطلقنا إلى برلين وسلمنا أنفسنا للشرطة كلاجئين".

 ما بعد الرحلة

هذه المشاهد تتكرر في كل القصص التي لجأ فيها أصحابها إلى ألمانيا عن طريق التهريب. عبد الله (21 عاماً) قال لموقع "اقتصاد": "دخلت إلى ألمانيا ثم سلمت نفسي للشرطة، بعدها فرزوني إلى (كامب) مؤقت مع راتب شهري وعندما أعطوني الإقامة أصبح بإمكاني السكن في (كامب) دائم أنا وصديقي مع راتب شهري مضاعف".


وعن الفرق بين المسكنين (الكامب المؤقت والآخر الدائم)، أوضح عبد الله أن المسكن المؤقت اشترك فيه مع ستة أو سبعة من الشباب، أما الدائم فهو أفضل بكثير حيث يسكن الآن هو وصديقه فقط.

وتابع عبد الله: "أنا الآن أبحث عن عمل".


ويؤكد اللاجئون الذين التقاهم موقع "اقتصاد" أن الأوضاع المعيشية جيدة نسبياً، ويقول محمد (25 عاماً) إن الحكومة الألمانية تعطي كل لاجئ سوري راتباً شهرياً وتتكفل بمكان إقامته، لكن حين يجد المرء عملاً هنا فإن الراتب سيُلغى، لكن الدولة تتكفل باستئجار مكان له على ذمتها، بشرط ألا يتجاوز 50 متراً.

راتب ومسكن وإقامة

حاولنا مراراً اللقاء بأحد المسؤولين عن ملف السوريين، داخل الحكومة الألمانية، لكن كل محاولاتنا باءت بالفشل، وكل المعلومات التي حصل عليها موقع "اقتصاد" جاءت من شهادات لسوريين التقينا بهم وشرحوا لنا بالتفصيل ما حدث معهم، وبات من المؤكد، حسب تلك الشهادات، أن ما تقدمه الحكومة الألمانية للاجئين السوريين يفوق كل الخدمات التي تقدمها الدول الأخرى خصوصاً العربية منها مثل مصر والأردن ولبنان.

(شاب سوري مهاجر تحدث لـ "اقتصاد")

يقول جهاد: "كان وضعي في تركيا سيئاً للغاية، لذلك لما وصلت إلى ألمانيا تحسنت أموري كثيراً".

بينما يؤكد علاء (24 عاماً) أنه غير نادم على لجوئه و تغربه عن بلده لنفس السبب الذي ذكره جهاد.

من جانب آخر، فإن جميع من التقينا بهم أبدوا ارتياحهم للخدمات التي تقدم لهم في ألمانيا، سواء في المسكن أو المأكل أو المال. ويقول جهاد: "فور تسليمي لنفسي، أُجري لي فحص طبي ثم أعطيت إقامة لمدة 3 أشهر، وبعد أن أجريت مقابلة شفهية وكتابية فرزت إلى كامب مؤقت".


وحول الراتب الشهري الذي يأخذه، أوضح جهاد أن مقداره 325 يورو، وتابع بالقول: "أما تكلفة الطعام فهي علينا، لكن الدولة تكفلت بالعلاج من أي مرض نصاب به".

ناشطون..الجانب المعنوي سيء للغاية

وصل أحمد موفق (25 عاماً) إلى ألمانيا في نهاية العام 2014، وذلك بهدف متابعة الدراسة حتى يحصل على الماجستير من كبرى الجامعات الألمانية، وهو اليوم لا يتوانى عن دراسة اللغة الألمانية التي تعد دراستها شرطاً للتسجيل في الجامعة.


قال أحمد في حديث خاص لـ  "اقتصاد": "إضافة لدراسة اللغة الألمانية أنشط في المجالين الفكري والدعوي". ومن الجدير ذكره أن حالة أحمد قليلة بين اللاجئين السوريين الذين يشكل الشباب أكثرية فيهم. ويتابع أحمد: "إن واقع السوريين من الجانب الخدمي  والمعيشي جيدة تماماً، لكن هناك جوانب أخرى مغفلة لدى الشباب، حيث يتورط الكثير منهم في اكتساب العادات السيئة التي تعارف عليها الألمان، كالشراب والديسكو ومصاحبة الفتيات".

(شاب سوري مهاجر تحدث لـ "اقتصاد")

ويضيف: "أنا وثلة من الشباب نحاول توعية من حولنا من السوريين عبر حلقات دراسية وفكرية نجتمع فيها بشكل دوري، نحن نرفض الاندماج في مجتمع يخالف ديننا وأعرافنا، بينما يعاني أهلنا في الداخل السوري من القتل والقصف والجوع والتشرد يومياً، هم تنزل عليهم براميل الموت ونحن نلهو ونلعب، لقد أرسلونا إلى هنا كي نتعلم ونحمل الشهادات العالية حتى نرجع ونعمر سوريا ونبني نهضتها".

ويختم أحمد: "هذا ما أدعو إليه بالضبط".


ترك تعليق

التعليق