عندما تكذب المصارف السورية وتتجمل

مما لا شك فيه أن الوقوف والبحث أو التحليل في ميزانيات المصارف الخاصة هو أمر يدعو للسخرية، ومضيعة للوقت، لأنها عبارة عن ميزانيات وهمية، عمل مصرف سوريا المركزي وهيئة الأوراق المالية على إنجازها بالتعاون مع شركات التدقيق المالي والمحاسبي.

ورغماً عن أنف كل الاقتصاديين والمحللين، ما تزال هذه المصارف رابحة للسنة الخامسة على التوالي، إذ أنها ضربت عرض الحائط بكل القرارات والمعايير المحاسبية الدولية والمحلية، لتقوم باحتساب أرباحها على أساس فرق سعر صرف الدولار، وهو ما يسمى بإعادة تقييم القطع البنيوي.

ووفقاً للبيانات المالية، فإن أرباح المصارف الخاصة حتى نهاية النصف الأول من العام الحالي 2015 بلغت 45 مليار ليرة، بزيادة 80.3% عن عام 2014، بينما زادت بين عامي 2013 و2014 بمعدل 65.5%. والارتفاع الحاصل يتماشى مع مقدار ارتفاع الدولار أي أن الأرباح ناتجة عن إعادة تقييم مراكز القطع البنيوي.

ومن جهة أخرى، أكدت التقارير المصرفية ارتفاع نسبة الإيداعات بالقطع الأجنبي لدى المصارف العاملة بسوريا، مع العلم أن إيداعات المصارف من الليرة السورية قبل الثورة كان تفوق نسبتها الـ 90% من إجمالي الإيداعات المصرفية.
 
تلك المصارف، والتي امتنعت منذُ تأسيسها في العام 2006 عن إعطاء قروض تشغيلية بشكل فعلي، بل سعت إلى تشغيل أموالها التي جمعتها من المساهمين والمودعين خارج سوريا، قامت بتحويل كامل كتلتها النقدية منذ بداية الثورة السورية من الليرة إلى الدولار، كما وضعت حساباتها المصرفية إما في فروعها في الخارج أو في مصارف عربية وأجنبية.

وأظهرت بيانات النصف الأول من العام 2015 أرباح هزيلة في المصارف الخاصة بلغت وفق بند صافي الإيرادات حوالي 4.9 مليار ليرة، مقارنة بـ 1.7مليار ليرة في نفس الفترة من العام 2014، أي بارتفاع حوالي 189.92%. وبلغ صافي الربح قبل الضريبة حوالي 288 مليون ليرة، وهذه الأرباح الهزيلة لا تعبر عن قوة المراكز المالية للمصارف.

ويعلم الجميع أن هذه المصارف استفادت من الارتفاع الكبير وغير المنطقي في أسعار الأسهم في البورصة السورية من 2009 إلى 2011. كما عمل كبار المساهمين فيها على شراء أسهم صغار المساهمين بأبخس الأثمان مع انهيار التداول أو توقفه أثناء عملية النزيف المفتعلة في سوق دمشق للأوراق المالية.

كبار المساهمين أو المؤسسين في المصارف المشتركة العربية قاموا ببيع حصصهم في تلك المصارف لرجال أعمال، محسوبين على رامي مخلوف، أو لمخلوف بنفسه، ومنذ العام 2013 تغيرت ملكية العديد من المصارف سواء من المؤسسين المحليين أو الأجانب، مع العلم أن هذه المصارف لم تنتهج بأي وقت من الأوقات سياسة بلدانها الأساسية كـ "قطر والكويت والبحرين والإمارات ولبنان"، فيما يتعلق بالسياسة المالية والمصرفية أو عمليات التشغيل أو الإقراض، بل عملت بالتعاون مع حاكم مصرف سوريا المركزي، أديب ميالة، إلى الحد من سياسة الإقراض والتمويل، والاقتصار على تمويل المشاريع الكبيرة ذات الربح والعائد المضمون, كما قامت بتشغيل الاحتياطي الأجنبي لديها في الخارج، وحصل المُودعون على أرباح قد تصل حتى 8% على الودائع، لتصل إلى أكثر من 11% خلال السنوات الخمس العجاف من عمر الثورة السورية، ولم تتقيد هذه المصارف لا بمعايير المحاسبة الدولية، ولا المحلية، ولا بشروط وضوابط الحوكمة المعمول بها.

اليوم نرى مجدداً أرباح تلك المصارف مازالت مرتفعة نسبياً على الرغم من إحجامها عن الإقراض وتقييد شروط الإيداع. ويتسائل الكثيرون أنه ومع ارتفاع الرواتب والنفقات، من أين تحصل هذه المصارف على الأرباح؟، وكيف استطاعت تغطية النفقات خلال السنوات الخمس العجاف منذ العام 2011؟،...

يُضاف إلى ما سبق فإن المصارف تعاني من القروض المتعثرة دون معرفة حجم وقيمة تلك الديون، فكيف يمكن لها أن تكون رابحة مع وجود هذا التعثر؟، إضافة إلى نزيف أسهم المصارف في البورصة.

ببساطة، استطاعت تلك المصارف، قبل وبعد الثورة، من الالتفاف على القرارات والقوانين والتعميمات، وقامت بتشغيل أموالها بالخارج إما في مشروعات استثمارية أو لدى مصارف، إضافة إلى شراء العقارات والأرضي في مراكز المدن.

كما أنها عملت على إعادة تقييم القطع البنيوي (الدولار) لتبقى رابحة دوماً حتى لو حصلت خسارة أو انهيارات مالية، فهيئة الأوراق المالية، وأديب ميالة، جاهزون لتعديل وتجميل ميزانيات وحسابات المصارف الـ 14، وفقاً لشرط: "المصارف رابحة والبلد بخير!!".

ترك تعليق

التعليق