تحقيق خاص لـ "اقتصاد": مصادر الدخل الرئيسية لسكان معضمية الشام بريف دمشق



كم هو مقدار دخل الفرد في مدينة عاشت أجواء الحصار مراراً وتكراراً، كمعضمية الشام بريف دمشق؟، وما هي مصادر الدخل لمن يقطن في هذه المدينة التي خرجت من براثن حصار قديم جديد منذ أسابيع؟
 
لا يدعي هذا التحقيق أنه سيجيب عن كل هذه التساؤلات التي يثيرها التفكير في الوضع المعيشي الصعب الذي يحياه الأهالي، لكنه - من غير شك - يسلط الضوء على معاناة قلما سجلتها الأيام، لأناس كان ذنبهم الوحيد أنهم وقفوا في صف الثورة وطالبوا بالحرية!

* 30 ألف نسمة على الأقل

في معضمية الشام يعيش أكثر من 30 ألف نسمة على أقل تقدير، لم يكن هذا الرقم ليبلغ هذا الحد لولا توقيع الهدنة في الشهر الثاني من العام 2014 ليُفتح معبر المدينة وتدخل المواد والبضائع، ويتوافد الأهالي راجعين إلى بيوتهم التي افتقدوها لأشهر طويلة.

ومع دخول المدينة في حصارين لاحقين انتهى آخرهما منذ أيام، حافظت معضمية الشام على هذا العدد الكبير من الأهالي، على الرغم من خروج أعداد قليلة في ظل الحصار، لكن 99 بالمائة من السكان لم يبارحوا بلدتهم.

* 500 موظف

أثناء حديثه لـ "اقتصاد"، ألمح أبو محمود (الموظف ذو الـ 50 عاماً)، إلى أنه من الفئة القليلة التي تتقاضى راتباً دائماً بشكل دوري،  حيث بقي في وظيفته عند الدولة لأنه لا يملك مورداً آخر يكسب به لقمة العيش كما يقول.

ويضيف أبو محمود أن الموظفين كانوا يشكلون النسبة الأكبر من أهالي معضمية الشام قبل الثورة، "لكن بعد نشوب الأحداث الأخيرة استقال الكثير منهم وخصوصاً من فئة الشباب، وشاركوا في الثورة إضافة إلى أن الدولة سرحت شريحة كبيرة بسبب غيابها أو مشاركتها في المظاهرات".

ويؤكد أبو محمود أن عدد من تبقى من الموظفين في المدينة لا يتجاوز الـ 500 موظفاً معظمهم من الكهول والنساء، يتقاضى واحدهم مبلغ 25 ألفاً إلى 30 ألفاً على أبعد تقدير.

* 100 بسطة أغذية تقريباً

بينما يبقى الموظفون الفئة الوحيدة التي تعيش على راتب دائم لا ينقطع؛ هناك شريحة من الأهالي يمارسون التجارة برأس مال قليل وبضاعة محدودة لا تتوفر كل يوم.

يحاول اسماعيل كسب قوت يومه عن طريق بيع السلع الغذائية التي يسمح النظام بإدخالها من معبر المدينة الوحيد. ويقول أن هناك عوائق كثيرة تمنعه من ممارسة تجارته الصغيرة بشكل يكفل له ولأسرته عيشة كريمة.


ويضيف اسماعيل لـ "اقتصاد": "أولى تلك العوائق هي الأسعار الغالية جداً بسبب احتكار التجار المحسوبين على النظام لجميع المواد الداخلة إلى المدينة وتحكمهم بالأسعار، وكذلك فإن الكميات المحدودة التي يدخلها النظام لا تسمح لنا بممارسة تجارتنا كما ينبغي، إضافة لنوعية البضاعة، إنها رديئة جداً ومنتهية الصلاحية في أغلب الأحيان".

ونتيجة تحكم النظام بكميات المواد وتوقيت دخولها وأسعار البضائع، لم تفتح المحلات التجارية في معضمية الشام، الأمر الذي أدى لانتشار ما يعرف بـ "البسطات"، وهي طاولة يضع عليها التاجر بضاعته المعدة للبيع، تتميز بعدم احتياجها لرأس مال كبير وسهولة حملها عندما ينتهي النهار في العمل المضني.

ووفق جولة قام بها مراسل "اقتصاد" للتعرف على هذه البسطات، استطعنا الخروج بإحصائية تقريبية لعددها حيث تجاوز العدد 100 بسطة تقريباً، لكن الشيء الأهم الذي ركز عليه من التقينا بهم والذين يعملون في هذا المجال؛ هو تأثر عمل البسطات بالمعبر واعتمادها الكلي على فتحه وسماح النظام بدخول البضائع.

* 1700 مقاتل تقريباً

إضافة للموظفين وللتجار، تعتبر فصائل الجيش الحر المصدر الثالث للدخل في معضمية الشام، وخاصة لفئة الشباب الذين حملوا السلاح في وجه جيش النظام ثم خصصت لهم رواتب شهرية بعد المدة الطويلة على بدء الثورة.

أحد قادة المجموعات المرابطة على تخوم المعضمية قال لـ "اقتصاد": "في المدينة يوجد ثلاثة ألوية تحمل السلاح في وجه النظام، هي الفتح والفجر وسيف الشام".
 

وأضاف (ح . أ): "تخصص هذه الألوية لمن انضم تحت جناحها رواتب شهرية ومساعدات معيشية وخدمية، وتضم في صفوفها عدد يفوق 1700 مقاتل. وبالنسبة للفجر وسيف الشام فإنهم اعتادوا على إعطاء الشباب رواتبهم بشكل دوري في حين يختلف الأمر بالنسبة للواء الفتح التابع لأجناد الشام والذي يعاني مثل كل الألوية المنضوية تحت الأجناد من أزمة مالية كبيرة".

ويتراوح راتب المقاتل العامل في أحد هذه الألوية بين 10 آلاف و17 ألف ليرة سورية، ولا يعتبر هذا المبلغ كافياً للمعيشة في بلد كمعضمية، يرزح تحت حصار خانق أدى لارتفاع فاحش في الأسعار.

* مهن وحرف أخرى

في معضمية تعد المصادر الثلاثة التي ذكرناها بمثابة المورد الرئيسي للدخل المعيشي لدى الأهالي مع الأخذ بعين الاعتبار عدم ثبات التجارة بسبب اعتمادها على المعبر الواقع تحت رحمة النظام، والأزمات المالية التي تتعرض لها الألوية المقاتلة في الوقت الذي يبقى الموظفون هم الفئة الوحيدة التي تحظى بدخل محدد وثابت.

و بالإضافة لهذه الموارد الرئيسية يعمل بعض الأهالي في مهن مختلفة تتماشى مع طبيعة الحرب والحصار. ولا يتعدى عدد أصحاب كل مهنة أصابع اليد الواحدة، حيث تجد الخياط والنجار واللحام وراعي الماشية والمزارع ومصلح الدراجات الهوائية...، جميعهم يعملون في ظروف استثنائية صعبة للغاية بسبب تردي الجانب الخدمي في المدينة وغياب موارد الطاقة من كهرباء ووقود.  وتبقى البطالة والفقر من جملة الأمراض الرهيبة التي تنخر في جسد  المعضمية حتى النخاع. انتشرت هذه الأمراض وشملت النسبة الأكبر من السكان لأسباب: أبرزها الحرب التي أكلت الأخضر واليابس، وإغلاق المعبر أمام المواد والبضائع المختلفة، التي كان من المفترض أن تنعش اقتصاد المدينة وتُحيي المهن والحرف المندثرة، لا سيما في ظل هدنة مضى على توقيعها مدة تزيد على  عام وسبعة أشهر.


ترك تعليق

التعليق