تجار مواد نووية على علاقة بروسيا يسعون إلى مشترين متطرفين معادين للغرب

على وقع موسيقى خافقة في ملهي ليلي فاخر، قدم تاجر الأسلحة العرض لعميل، وكان عبارة عن 2.5 مليون يورو مقابل كمية من السيزيوم المشع تكفي لتلويث عدد من المجمعات السكنية.

تم هذا اللقاء في وقت سابق من العام الحالي، حينما كان الرجلان يخططان لإبرام الصفقة في مكان لا يثير الريبة، إنها شرفة "كوكوس برايف"، ملهى الرقص ومطعم تناول السوشي، في كيشيناو عاصمة مولدوفا.

قال التاجر "يمكنك صنع قنبلة قذرة، ما سيكون أمرا مثاليا بالنسبة لتنظيم الدولة الإسلامية ... إذا كان لك صلة بهم، فسيتم العمل بسلاسة".

لكن التاجر فالنتين غروسو لم يكن واثقا من أن العميل حقيقي. وكان غروسو محقا في قلقه، فقد كان العميل مخبرا، واستغرق الأمر عشرين لقاء كي يقنع غروسو بأنه ممثل حقيقي لتنظيم الدولة الإسلامية.

وفي نهاية المطاف تبادل الرجلان المال بعينة من المادة في عملية خداع أدت إلى سجن غروسو.

كانت هذه القصة غير المعلنة واحدة مما لا يقل عن أربع محاولات جرت على مدار خمس سنوات سعت من خلالها شبكات إجرامية لها علاقات مشتبه بها مع روسيا إلى بيع مواد مشعة لمتطرفين عبر مولدوفا، بحسب تحقيق استقصائي قامت به أسوشيتدبرس.

وكشف التحقيق عن محاولة لبيع يورانيوم مخصب لدرجة تمكن من صنع القنابل لمشتر حقيقي من الشرق الأوسط، وهي أول حالة معروفة من نوعها.

وفي تلك العملية، أظهرت تسجيلات المكالمات الهاتفية والمقابلات مع المحققين أن وسيطا للعصابة تحدث مرارا عن كراهيته للولايات المتحدة بينما كان يركز على تهريب المادة الأساسية التي تدخل في صنع قنبلة ذرية وارشادات تصنيع قنبلة قذرة إلى مشتر شرق أوسطي.

ومن خلال تسجيلات مكالمات هاتفية، واعتقالات مسجلة بالصوت والصورة، وصور لمادة مخصبة لدرجة تدخل في صنع قنبلة نووية، ووثائق ومقابلات، خلصت أسوشيتدبرس إلى أن المهربين يستهدفون صراحة المشترين المعادين للغرب.

تمثل هذه التطورات تنفيذا لسيناريو يخشى تحققه منذ فترة طويلة، حيث تحاول عصابات جريمة منظمة إقامة علاقات مع تنظيمات مثل الدولة الإسلامية والقاعدة، والتي أوضحت بالفعل سعيها إلى استخدام أسلحة دمار شامل.

شهدت العمليات الخداعية شراكة بين مكتب التحقيقات الاتحادي الأمريكي "إف بي آي" ومحققين من مولدوفا، والذين تحولوا على مدار خمس سنوات من جهل تام بتلك السوق السوداء إلى اتمام أربع عمليات خداعية. وقد عمل مخبرون وعناصر من الشرطة كأفراد عصابات واخترقوا شبكات التهريب باستخدام أساليب تخفي قديمة فضلا عن معدات التكنولوجيا الفائقة من أجهزة الكشف عن الاشعاع إلى أجهزة تسجيل الصوت المخفاة في الملابس.

لكن نجاحاتهم تقوضت بسبب أوجه قصور مثيرة للدهشة، بما فيها هروب زعماء عصابات، وتملص المدانين من تنفيذ أحكام بالسجن لفترات طويلة والذين عادة ما يعودون سريعا إلى الاتجار بالمواد النووية، حسبما توصلت أسوشيتدبرس.

ولأسباب استراتيجية، وفي معظم العمليات، تم إلقاء القبض على المتورطين بعد الحصول على عينات من المواد النووية بدلا من الكميات الكبيرة. وذلك يعني أنه إذا حصل المهربون على القدر الأكبر من المواد المعروضة فستظل في أيدي مجرمين.

وتشير المحاولات المتكررة لبيع مواد مشعة إلى ظهور سوق سوداء مزدهرة للمواد النووية في جزء فقير من شرق أوروبا على حدود الاتحاد السوفيتي السابق. ومنها مولدوفا، المتاخمة لرومانيا، وهي من الجمهوريات السوفيتية السابقة.

أطلعت الشرطة والسلطات القضائية المولدوفية أسوشيتدبرس على ملفات القضية محل التحقيق في مسعى لإلقاء الضوء على خطورة هذه السوق السوداء.

وقالت السلطات المولدوفية إن توقف التعاون بين روسيا والغرب في هذا الصدد يعني أنه سيكون من الأصعب معرفة كيف يجد المهربون سبلا لنقل أجزاء من المخزون الروسي الضخم من المواد المشعة.

وفي السياق، قال كونستانتين ماليتش، أحد المحققين المولدوفيين "بإمكاننا أن نتوقع مزيدا من هذه القضايا ... طالما يفكر المهربون أن باستطاعتهم كسب أموال كثيرة دون أن يتم توقيفهم، فسوف يواصلون القيام بذلك".

رفض "إف بي آي" والبيت الأبيض التعليق على القضية. ورفضت وزارة الخارجية الأمريكية التعليق على تفاصيل القضايا محل النظر.

وقال إريك لوند، الناطق باسم المكتب المسؤول عن حظر الانتشار النووي في وزارة الخارجية الأمريكية، إن "مولدوفا اتخذت خطوات مهمة وكثيرة لتعزيز قدراتها على مكافحة تهريب المواد النووية ... عمليات التوقيف التي قامت بها السلطات المولدوفية عام 2011 على خلفية محاولات لتهريب مواد نووية نموذج جيد على كيفية قيام مولدوفا بواجبها".

وأوضح مسؤولون من مولدوفا أن المحادثات التي تم التنصت عليها كشفت عن مخططات لاستهداف الولايات المتحدة.

وذكر ماليتش، الذي شارك في التحقيق في أربع عمليات خداعية، إن وسيطا في إحدى الحالات قال إنه من اللازم وصول يورانيوم مخصب لدرجة تدخل في صنع القنابل النووية إلى أيدي العرب.

وأضاف ماليتش "لقد قال (الوسيط): أريد مشتر إسلاميا لأنهم سوف يقصفون الأمريكيين".

هل سبق أن سمعت عن اليورانيوم؟

كان ماليتش في السابعة والعشرين من عمره عندما اكتشف بالصدفة السوق السوداء النووية عام 2009، حين كان يعمل في وحدة لمكافحة الاحتيال في كيشيناو، وكان معه مخبر يساعد الشرطة في تعقب عصابة تعمل في تزوير اليورو تمتد من البحر الأسود إلى نابولي في إيطاليا.

و بلا مبالاة، أبلغ المخبر، وهو رجل أعمال مسن، ماليتش، بأنه على مدار سنوات عرض عليه البعض بانتظام شراء مواد مشعة.

وسأل المخبر ماليتش قائلا "هل سبق لك أن سمعت باليورانيوم؟"

لم يكن ماليتش حينئذ على معرفة بالقضية النووية لدرجة أنه لم يكن يعلم بشأن اليورانيوم، واضطر للبحث عنه في محرك البحث "غوغل". وشعر ماليتش بالذعر "ليس من أجل بلد واحد فحسب، ولكن من أجل البشرية بأسرها"، على حد قوله.

وبعد فترة وجيزة تلقى المخبر عرضا لشراء كمية من اليورانيوم. وفي ذلك التوقيت تقريبا كانت الولايات المتحدة تبدأ برنامجا لتدريب الشرطة المولدوفية على مكافحة السوق السوداء النووية في إطار جهود تكلفت عدة ملايين من الدولارات على الصعيد العالمي.

وفي أول قضية لماليتش، تم توقيف ثلاثة أشخاص في العشرين من أغسطس / آب 2010، بعدما تم تبادل عينة من مادة كانت عبارة عن قطعة معدلة من اسطوانة يورانيوم مستنفد، بمبلغ من المال. وهذا النوع من اليورانيوم من الصعب تحويله إلى قنبلة.

واشتبهت السلطات في كون مصدر اليورانيوم مفاعل تشيرنوبيل المنكوب في أوكرانيا، ولكنها لم تتمكن من إثبات ذلك، بحسب ماليتش.

نقل ماليتش المادة المشعة المضبوطة في علبة ثقاب بسيارته. ولم يخطر بباله أن اليورانيوم يجب أن يخزن في حاوية واقية لحمايته من التلوث الاشعاعي المحتمل.

وعندما جاء عملاء "إف بي آي" لأخذ المادة شعروا بالدهشة لأن ماليتش قدمها لهم في علبة ثقاب، وقالوا إنه "رجل مجنون".

ولكن لحسن الحظ، اتضح أن اليورانيوم لم يكن شديد السمية.

بلوتونيوم مجاني

بعد عدة أشهر أجرى مخبر سابق في جهاز الاستخبارات الروسية، ويدعى تيودور تشيتروس، اتصالا هاتفيا مع مصدر ماليتش، رجل الأعمال المولدوفي، وأبلغه بأن لديه يورانيوم للبيع، ولكنه يبحث عن مشتر من الشرق الأوسط.

وعلى عكس الحالة الأولى لماليتش، كانت المادة محل التحقيق يورانيوم عالي التخصيب، ذلك النوع الذي من الممكن أن يستخدم في صنع قنبلة نووية.

كان تشيتروس أكثر ذكاء وحيطة من أعضاء العصابة السابقة، وكان عبارة عن ظاهرة متناقضة بالنسبة للمحققين. فبالرغم من أنه شخص مثقف ومتأنق، إلا أن تشيتروس كان لايزال يعيش في مزرعة ترعرع فيها بقرية صغيرة على الحدود بين مولدوفا وأوكرانيا.

وفي كثير من حالات التهريب، عادة ما يعزل زعماء العصابات أنفسهم عبر شبكات معقدة من الوسطاء الذين يتفاوضون مع المشترين من أجل حماية أنفسهم من التوقيف. وفي هذه القضية، كان تشيتروس هو الوسيط.

ومع ذلك، كان لتشيتروس أجندته الخاصة، فقد ظل محافظا على عقلية الحقبة السوفيتية فيما يتعلق بكراهية الغرب، حسبما قال ماليتش الذي أضاف أنه تحدث مرارا عن وجوب إبادة الأمريكيين بسبب المشكلات التي يعتقد أنهم صنعوها في الشرق الأوسط.

وتابع ماليتش قائلا "قال مرات عديدة إن هذه المادة لابد أن يكون لها مشتر حقيقي من الدول الإسلامية لصنع قنبلة قذرة".

أبرم تشيتروس والمخبر اتفاقا لبيع يورانيوم مخصب لدرجة تدخل في صنع القنابل إلى "مشتر في الشرق الأوسط"، وذلك على مدار أشهر من المكالمات الهاتفية المسجلة والاجتماعات في بيت الأول.

وفي كل مرة، كان المخبر يرتدي ملابس متصلة بجهاز تسجيل أصوات. وعلى الجانب الآخر من الطريق، كان يقف ماليتش متخفيا كمهاجر يبيع الفاكهة والحبوب من سيارة، ولكنه كان في الحقيقة يراقب المنزل لرصد أي دلالات على وقوع اضطراب بداخله.

وفي مكالمة هاتفية تمت في بداية التواصل بينهما، ضغط المخبر على تشيتروس لاكتشاف ما إذا كان يستطيع الوصول إلى بلوتونيوم أو يورانيوم، قائلا إن المشتري أعرب عن اهتمامه بالشراء، وفقا للتسجيلات الصوتية للمكالمات. ولكن تشيتروس شعر بالشك، وأصر على أن يثبت المشتري أنه ليس عميلا سريا قبل أن تتم مناقشة بيع كمية كبيرة من أي من المادتين.

وقرر البائع الحقيقي الذي وسط تشيتروس بيع اليورانيوم على دفعات، وكانت البداية عينة.

وعلل القرار قائلا إن الشرطة سوف تقوم بالمداهمة قبل أن تقع الكمية الأكبر من اليورانيوم في أيدي أخرى، إذا كان المشترون عملاء، وهو بالنسبة له مخاطرة يمكنه القيام بها.

وقال تشيتروس للمخبر في اتصال هاتفي مسجل "دعني أقول لك شيئا، أجهزة الاستخبارات لا تسمح بضياع الأموال أبدا".

وبالأخير، صاغا بنود الاتفاق، حيث كان يتعين على تشيتروس بيع عينة من اليورانيوم عبارة عن عشرة غرامات مقابل 320 ألف يورو (360 ألف دولار). وكان يحق للمشتري اختبار العينة، وإذا أعجبته فقد يباع له كيلوغرام واحد كل أسبوع بنفس السعر: 32 مليون يورو كل مرة حتى يحصل المشتري على الكمية التي يريدها. وكانت المناقشات تتعلق بعشرة كيلوغرامات من اليورانيوم، نحو خمس الكمية التي استخدمت في تفجير هيروشيما.

وبعد ذلك التقيا في فناء بمنزل تشيتروس لمناقشة صفقة بلوتونيوم. أخفى المخبر كاميرا في قبعته، وشوهد تشيتروس مرتديا سترة عسكرية خضراء ويتحدث بحماس بينما كان هناك ديك يصيح في الخلفية.

وقال تشيتروس "بالنسبة للبلوتونيوم، إذا أثبوا جديتهم، فسوف نقدم لهم عينة مجانية. يمكنك استخدام كمية صغيرة لصنع قنبلة قذرة"، مشيرا حوله بيديه إلى إمكانية الدمار الذي قد تتسبب فيه هذه القنبلة.

ووجد ماليتش أن التسجيل المصور تقشعر له الأبدان، وقال "كنت أخشى مجرد التخيل بأن يحدث أحد هذه السيناريوهات يوما ما".

مشتر حقيقي في السودان:

الرجل الذي يقف وراء صفقة اليورانيوم الذي يصلح لصنع قنابل هو ألكسندر أغينكو، المعروف بين رفاقه "بالكولونيل". وقالت الشرطة إنه حاصل على الجنسيتين الروسية والأوكرانية، لكنه عاش في جمهورية ترانس دنيستر الانفصالية في مولدوفا.

وتقع ترانس دنيستر، الإقليم الانفصالي الذي يشتهر بأنه ملاذ للمهربين من جميع الأنواع، بعيدا عن متناول الشرطة المولدوفية.

وفي صورة شخصية (سيلفي) ضمنت في ملفات الشرطة، ظهر الكولونيل أصلع وذو شارب ويبتسم للكاميرا.

وفي يونيو/حزيران 2011، رتب صفقة مبادلة اليورانيوم. وأرسل ضابط شرطة من ترانس دنيستر لتهريب اليورانيوم إلى مولدوفا، وفقا لوثائق المحكمة. وفي الوقت نفسه أرسل زوجته، غالينا، في "نزهة تسوق" عبر الحدود إلى العاصمة.

وكانت مهمتها ترتيب تسليم اليورانيوم إلى تشيتروس.

ووصلت غالينا أغينكو إلى وسط كيشيناو في سيارة ليكزس جي.إس - 330 وأوقفتها قرب سيرك. والتقت بضابط الشرطة الذي سلمها حقيبة خضراء بداخلها اليورانيوم.

ومن ناحية أخرى، توقف المخبر وتشيتروس، الذي كان يرتدي سترة داكنة اللون وربطة عنق مخططة، عند بنك فيكتوريا في الشارع الرئيسي بالمدينة بينما كانا يستقلان سيارة بي.إم.دبليو إكس5 رمادية يقودها سائق. وداخل البنك، تفقد تشيتروس صندوق إيداع بداخله 320 ألف يورو، بحسب ما أظهرت وثائق المحكمة. وقام بعد الأوراق النقدية واستخدم ضوءا خاصا للتأكد من أنها غير مزيفة.

ولما ارتسمت على وجهه علامات الرضا، مضى تشيتروس لأخذ حقيبة اليورانيوم من السيارة الليكزس، حيث كانت زوجة الكولونيل قد تركتها. ولدى تسليمها للمخبر، داهمته الشرطة.

وتظهر المداهمة، التي سجلت في مقطع مصور، الضباط الذين كانوا يضعون أقنعة وهم يجبرون تشيتروس على الركوع ثم قاموا بوضع يديه في الأغلال. واعتقلت غالينا أيضا.

لكن ضابط الشرطة الذي تحول إلى مهرب تمكن من الفرار عائدا إلى ترانس دينستر، حيث لم تتمكن الشرطة المولدوفية من المساس به أو بالكولونيل.

وباغتت الاعتقالات ماليتش أيضا. وجرى إبلاغه هو والمخبر أن الشرطة ستسمح بإجراء مبادلة العينة، كي تتمكن لاحقا من ضبط الكمية الأساسية لليورانيوم واعتقال زعماء العصابة.

واستشاط ماليتش غضبا. وبدلا من إلقاء القبض على زعماء العصابة المصممين على بيع المادة التي تصلح لصنع قنبلة نووية للمتطرفين، تصرف زعماؤه المولدوفيون بشكل سريع ومتعجل.

وقال ماليتش "كل ما فعلوه هو خلق مشهد لوسائل الإعلام الإخبارية. فقدنا فرصة كبيرة لجعل العالم أكثر أمنا."

وأكدت الاختبارات التي أجريت على اليورانيوم المضبوط أنه عالي التخصيب بدرجة يمكن استخدامها في صنع قنبلة نووية. كما ربطت الاختبارات بينه وبين كميتين من اليورانيوم عالي التخصيب جرت مصادرتهما في وقت سابق مما دفع المحققين للاعتقاد بأن الكولونيل يقف وراءهما أيضا.

وأظهر تفتيش لمنزل تشيتروس مدى خطورة المهربين. فبعدما قامت الشرطة بعمليات الاعتقال في كيشيناو، قام ماليتش بفحص الوثائق في منزل المزرعة.

ووجد خططا لصنع قنابل قذرة. والأسوأ من ذلك، وجد دليلا على أن تشيروس يقوم بصفقة منفصلة لبيع المادة النووية لمشتر حقيقي.

ووجد المحققون عقودا مبرمة مع طبيب سوداني اسمه يوسف فيصل إبراهيم لشراء مروحيات هجومية ومركبات أفراد مدرعة، وفقا لما أظهرت الوثائق الحكومية. وحصل تشيتروس على نسخة من جواز سفر إبراهيم، وكان هناك دليل على أن تشيتروس يحاول مساعدته على الحصول على تأشيرة دخول لمولدوفا. وأوضح رسائل عبر سكايب أنه مهتم باليورانيوم وبخطط صنع قنابل قذرة.

وعطل الاعتقال الصفقة، لكنها كانت تمضي قدما بشكل جيد جدا فيما يبدو حتى ذلك الحين. وكان محام يعمل مع العصابة الإجرامية قد سافر إلى السودان، على ما ذكر مسؤولون. لكن السلطات تقول إنها لم تتمكن من تحديد من يقف وراء إيراهيم أو لماذا كان يسعى للحصول على المادة الخاصة بصنع قنبلة نووية. ولم تنجح جهود أسوشيتد برس في الوصول إلى إبراهيم.

ولم تكن هناك عواقب تذكر على المهربين. فقد حصلت غالينا أغينكو على حكم مخفف بالسجن ثلاث سنوات لأنه كان لديها ابن رضيع، وحكم على تشيتروس بالسجن خمس سنوات. وأصدرت الشرطة الدولية (إنتربول) أوامر اعتقال بحق الكولونيل ورجل الشرطة من ترانس - دينستر الذي تمكن من الفرار.

ويقول المسؤولون في مولدوفا إن وكالة مخابرات أجنبية قدمت دلائل على أن الكولونيل فر مع ابنه الرضيع عن طريق أوكرانيا إلى روسيا بعد قليل من ضبط المادة.

ولم تعرف السلطات ما إذا كان الكولونيل قد أخذ اليورانيوم معه أم لا.

وقال جورجي كافاكاليوك، الضابط البارز بالشرطة الذي أشرف على التحقيق "لن نتمكن من القول بأن الخطر لم يعد موجودا حتى يصدر حكم على زعيم المجموعة الإجرامية ويسجن وحتى نعرف على وجه اليقين من أين أتت هذه المواد التي ضبطت في أوروبا وأين كانت وجهتها."

وجه بارد وقلب مرتجف:

في منتصف 2014، أبلغ المخبر ماليتش بأنه تلقى اتصالا من مجموعتين منفصلتين، إحداهما تعرض اليورانيوم والأخرى السيزيوم. وتوجهت شرطة مولدوفا مباشرة إلى "إف بي آي"، الذي ساند عملياتها.

وتطوع ماليتش للعمل عميلا سريا، إذ تظاهر بأنه وكيل لمشتر شرق أوسطي. ولم يحصل على تدريبات كثيرة ووجد صعوبة في التحكم في أعصابه، حيث كان يلجأ إلى احتساء الفودكا قبل كل اجتماع. وكان يذهب إليها من دون سلاح - وكان يظهر وجها باردا بينما كان يحاول ترويض قلبه الذي كان نبضه يكاد يخترق ضلوعه.

وزوده إف بي آي بقميص خاص وزرع مكبرات للصوت في ملابسه بدقة يتعذر معها اكتشافها حتى على من يقوم بتفتيشه ذاتيا. كما جعلوه يستقل سيارة مرسيدس بيضاء من الفئة إس ليبدو كزعيم عصابة.

ونجحت الخطة. وفي إحدى المراحل، قال المهرب غير المدرك لحقيقة الأمر في رسائل نصية حصلت عليها أسوشيتد برس إن عصابته نجحت في الوصول إلى نظام صاروخي روسي متقادم قادر على حمل رأس حربي نووي. وقال الرجل إن بإمكانه الحصول على صاروخين آر 29 يطلقان من غواصات، وتقديم الخلفية الفنية بشأن كيفية استخدامهما.

وفي أعقاب نفس السيناريو الذي حدث في 2011، اختتم الفريق التحقيق بعد مبادلة العينة التي تزن 200 غرام من اليورانيوم غير المخصب بمبلغ 15 ألف دولار في الثالث من ديسمبر/كانون أول 2014. واعتقل ستة أشخاص، هرب منهم خمسة.

وما أثار قلق ماليتش وهو استمرار نشاط المهربين. فالمجرمون الثلاثة الضالعون في القضية الجديدة كانوا قد احتجزوا في أعقاب تحقيقات سابقة. وقضى اثنان منهم أحكاما قصيرة بالسجن، وعاودا الانضمام على الفور إلى شبكة التهريب، الأمر الذي ساعد عصابة جديدة على حيازة اليورانيوم. ولم يكن المجرم الثالث سوى الرجل الذي قاد سيارة تشيتروس ليبرم صفقة اليورانيوم.

وتعقب المحققون اليورانيوم الجديد المعروض للبيع حتى عنوان في أوكرانيا. وعلى الرغم من إبلاغهم السلطات بشأنه، فإنهم لم يتلقوا ردا بشأنه أبدا.

وتنامى إحباط ماليتش، وكذلك الخطر المحدق به وبزملائه.

وكانت المخاطر واضحة بملهى "كوكوس برايف" الليلى في وقت سابق من هذا العام. وحذر الوسيط، غروسو، من أن مزوده بالسيزيوم هو مسؤول متقاعد بجهاز الاستخبارات الاتحادي الروسي ويشتهر بالقسوة.

وأبلغ غروسو المخبر الذي كان يضع أجهزة التنصت أنه في حال حدوث أي مشكلة "فسيجعلوننا جميعا نقف في مواجهة الحائط ويطلقون علينا النار."

وكان رؤساء غروسو يريدون أن يصل السيزيوم إلى الدولة الإسلامية. وقال "لديهم المال وسيعرفون ماذا يفعلون به."

وزعم البائعون أن لديهم كمية كبيرة من السيزيوم 137 - الذي يمكن استخدامه لصنع قنبلة قذرة. ومثلما حدث في الحالات السابقة، أصروا على أن يثبت المشترون جديتهم بأن يشتروا أولا عينة من السيزيوم 135 الأقل إشعاعا، والذي لا يكفي لصنع قنبلة قذرة.

واعتقلوا في 19 فبراير/شباط. واعتقل غروسو ورجلان آخران. واختفى ضابط جهاز الاستخبارات الروسي المشتبه به وكذلك السيزيوم المتبقي.

ولم يتضح ما إذا كانت الحالات التي كان منشأها مولدوفا مؤشرا على عمليات تهريب نووي واسعة النطاق.

وقال أندي ويبر، مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق لشؤون الدفاع والذي أشرف على جهود مكافحة الانتشار النووي حتى عام مضى "سيكون من المقلق للغاية إذا تمكنت الجماعات الإرهابية من الوصول إلى شبكات الجريمة المنظمة للحصول على المواد والخبرة اللازمة لتصنيع سلاح دمار شامل."

وفي 28 مايو/آيار، كرم إف بي آي ماليتش وفريقه لجهودهم في التحقيقين الأخيرين. لكن بحلول ذلك الحين كانت الشرطة المولدوفية قد حلت الفريق وسط تداعيات سياسة وخلافات داخلية في الشرطة.

وكان من المفترض أن يستمر حكم السجن لخمس سنوات بحق تشيتروس حتى العام المقبل. لكن شقيقته قالت هذا الصيف إنه أفرج عنه في ديسمبر/كانون أول، وهو ما تأكدت من أسوشيتد برس.

وكان قد قضى بالكاد ثلاث سنوات لمحاولته بيعه قنبلة نووية إلى أعداء الولايات المتحدة.

ترك تعليق

التعليق