أيلول كان أسود على أهالي درعا.. مع ثالوث "المونة والعيد والمدارس"


ما أن يبدأ شهر أيلول من كل عام حتى تزداد هموم السوريين، بشكل عام، وأهالي حوران بشكل خاص، لاسيما الأسر الفقيرة، نظراً للالتزامات المالية الكبيرة في هذا الشهر، فهو بالنسبة لهم شهر المونة والإنفاق المالي الأضخم، في ظل ظروف اقتصادية صعبة، فرضتها الحرب وتداعياتها، والتي بدورها أفرزت مجموعة من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية أهمها البطالة، وعدم توفر فرص عمل، وإنفاق كل ما تيسر توفيره منذ بداية العام خلال هذا الشهر. كما وأن هذا الشهر تزامن مع قدوم عيد الأضحى المبارك وافتتاح المدارس، وهي مناسبات دينية واجتماعية تتطلب طقوسها زيادة الإنفاق المادي بشكل أكبر، ما زاد بمعاناة الناس وفاقمها.
 
ويقصد بالمونة لدى السوريين، تحضير عدة أنواع من الأطعمة، خلال موسم توفر مكوناتها, وحفظها لعدة أشهر لاستهلاكها في فصل الشتاء، وهي غالباً ما تكون من الخضار والفواكه والألبان ومشتقاتها التي تحضر بطرق معينة.
 
وتشمل قائمة المونة في جنوب سوريا، المكدوس واللبنة والزيتون والأجبان والخضار المجففة والبرغل والزيوت والطحين، وهي قائمة ضرورية لكل أسرة.

يقول عبد الرحمن، وهو مدرس علم اجتماع، "اعتباراً من النصف الأخير من شهر آب, وبداية شهر أيلول، يبدأ السوريون بشكل عام, وفي الجنوب السوري بشكل خاص, بتحضيرات المونة السنوية لفصل الشتاء, حيث تتوفر في هذا الوقت الخضروات وفقاً لمواسمها, مثل الباذنجان الصغير الأساسي في تحضير مونة المكدوس والفليفلة الحادة والفليفلة الحلوة, إضافة إلى باقي الخضروات التي يمكن تجفيفها لتناولها في فصل الشتاء", لافتاً إلى أن المونة المنزلية السنوية هي ضرورة ملحة درج عليها المواطن السوري, وأصبحت من طقوسه السنوية الغذائية منذ عشرات السنين, حيث لا تجد منزلاً في عموم المجتمع السوري بدون مونة لنوعين أو ثلاثة أنواع على الأقل، من المواد الغذائية السنوية.

وأشار عبد الرحمن إلى أن المونة السنوية ليست شكلاً من أشكال الرفاهية، بل ضرورة أثبتت حضورها ونجاعتها خلال فترات الحصار, التي أطبقتها قوات نظام الأسد على المناطق المشتعلة خلال الثورة، والتي لولا توفرها لهلك الناس جوعاً، كما أن السوريّ خبر مزاياها عندما فُرض الحصار الأمريكي على سوريا في فترة الثمانينات، حيث لجأت بعض الأسر السورية أيضاً إلى تناول الحشائش البرية لسد الجوع إبان ذلك الحصار، بسبب قلة المواد الغذائية.
 
وأضاف عبد الرحمن: "صحيح أن صناعة المونة مكلفة مادياً, لكنها تؤمن للأسر الطعام لأشهر طويلة، كما أنها توفر في الإنفاق المادي على الطعام والشراب، لأن وجبات الإفطار والعشاء غالباً ما تكون منها، وبالتالي فان الشخص ليس مضطراً لشراء مواد إضافية لطعامه وشرابه في كل الأحيان".
 
ويقول الدكتور عبده الشيخ محمد، طبيب داخلية، "إن كثيراً من المواد الغذائية التي يتم تموينها وحفظها، كالمكدوس واللبنة والخضروات، لا تفقد الكثير من خواصها الغذائية, وهي بكاملها تؤمن احتياجات الجسم من البروتين والفيتامينات والأملاح المعدنية، كما أنها سهلة الهضم على المعدة، ويستفيد منها الجسم بشكل كامل كالمواد الطازجة تماماً"، لافتاً إلى ضرورة إتباع الطرق الغذائية الصحيحة في عمليات حفظ المونة, كي يصبح استهلاكها كما ينبغي.
 
وتقول أم علي، وهي سيدة أربعينية، "يعد هذا الشهر من أصعب الأشهر بالنسبة لي كسيدة وأم، ففيه يجب أن يتم وضع ميزانية خاصة، وهي عادة ما تفوق إمكانياتنا".

وأضافت: "في السابق، أي قبل الثورة، كنا نوفر بعض الفلوس تحسباً لهذا الشهر، وكان الدخل مستقراً نوعاً ما, أما في ظروف الحرب فالأمر مختلف، لا يوجد دخل في الأساس, ولا يوجد ما نوفره".

واستطردت "زوجي مزارع استطاع خلال الموسم الحالي زراعة عشرين دونماً بالقمح، ونحن نعيش من ثمن  المحصول الذي قارب على النفاذ، فنحن نحتاج في هذا الشهر كمصاريف إضافية إلى أكثر من خمسمائة  دولار تقريباً، ثمن المونة والملابس والقرطاسية لأولادي البالغ عددهم خمسة أطفال، حيث أكبرهم في الثالث الثانوي، فيما الأصغر في الصف الأول الابتدائي".
 
وعقبت: "نحتاج في مونتنا إلى نحو 100 كيلوغرام من المكدوس تبلغ تكلفة تحضيرها نحو 35 ألف ليرة سورية, كما نحتاج إلى نحو 50كغ من زيتون المائدة بتكلفة نحو 20 ألف ليرة سورية, وإلى  نحو 10 كغم من اللبنة مع الزيت، تبلغ تكلفتها نحو 15 ألف ليرة سورية, هذا عدا عن البرغل والطحين وزيت الزيتون وهو فعلاً ما يثقل كاهل أية أسرة بإمكانياتها المحدودة", لافتة إلى أن الإنفاق على صناعة المونة وتحضيرها يعود للإمكانات المادية للأسرة، وحجم احتياجاتها، ويختلف من أسرة إلى أخرى.  

وتقول عيده الأحمد، ربة منزل، "المونة كانت من إنتاج أرضنا, فكنا نزرع الأرض بكل المحاصيل والخضروات تقريباً، منها نأكل، ومنها نصنع مونة الشتاء، لكن الظروف تغيرت وهناك نقص بكل شيء، فلا يوجد ماء للري، والآبار بسبب الظروف المناخية بدأت تجف، وحتى لا يوجد كهرباء من أجل تشغيل محركات شفط المياه، إضافة إلى أن المشتقات النفطية غالية السعر، وهي أكبر من إمكانيات أي شخص عادي".

وأضافت "لم نعد قادرين على زراعة أبسط المحاصيل الضرورية، لعدم الشعور بالأمان والاستقرار، حيث لا نعرف مصيرنا في ظل تواصل قصف النظام لقرانا بالبراميل المتفجرة والمدفعية، وفرضه الحصار على كل شيء، فالزراعة تحتاج على الأقل إلى مواد أولية، وبعض الأسمدة، وهي غير موجودة، ولا يسمح النظام بدخولها لاعتقاده بأن السماد يدخل في تصنيع الأسلحة وصناعة المتفجرات المحلية".

أما أم حسن، تحمل شهادة معهد تدبير منزلي، فقالت "كل المواد التي تدخل في المونة المنزلية ارتفعت أسعارها بشكل ملحوظ  هذا العام, فالباذنجان الذي يدخل في تموين المكدوس, ارتفع سعر الكيلو منه إلى خمسين ليرة سورية للكغ الواحد, والجوز إلى نحو 4000 ليرة سورية فيما يبلغ كيلو الثوم نحو 1000 ليرة سورية، وكيلو غرام الفستق نحو 2500 ليرة سورية، ولتر الزيت ارتفع إلى 350 ليرة سورية"، لافتة إلى أن تحضير وإعداد المونة، في متناول أي سيدة مدبرة، وهي لا تحتاج إلى جهود كبيرة إذا تعاون على إنجازها أفراد الأسرة".

وأشارت إلى أن تحضير المكدوس يتم بسلق حبات الباذنجان التي يفضل أن تكون صغيرة جداً في وعاء كبير حتى تنضج, ثم تصفى وتملح وتوضع في إناء كبير, ويوضع فوقها ثقل بزنة نحو20كغ  ليوم كامل، حتى يتم التخلص من أكبر كمية من الماء الموجود فيها، وفي اليوم التالي، تكون ربة المنزل قد جهزت الحشوة، والتي تكون بالعادة مكونة من الفليفلة الحادة والفليفلة الحلوة والجوز المطحون وحبات الرمان والثوم المطحون والملح, حيث تخلط جميع هذه المواد المطحونة في إناء, ثم يفتح جانب حبة الباذنجان، وتحشى بكميات من الحشوة وتغلق بالضغط عليها، وبعد الانتهاء من حشو الكمية يتم وضعها في إناء كبير، ويوضع عليها ثقل لمدة ثلاثة أيام حتى يتم تخليصها من المياه الموجودة فيها, ثم تؤخذ وتنضد فوق بعضها في أوعية زجاجية /مطربانات/, وتغمر بزيت الزيتون، وتغطى لعدة أيام ومن ثم تصبح جاهزة للاستهلاك, لافتة إلى ضرورة غمر المكدوس بزيت الزيتون كلما نقص في الوعاء الزجاجي.

أما صناعة اللبنة فقالت أم حسن: "تتم من خلال وضع كميات من اللبن الرائب في كيس قماشي خاص لعدة أيام، حتى يتم تخليصها تماماً من المياه عن طريق الرشح عبر مسامات الكيس, ثم  يوخذ اللبن الذي أصبح قوامه متماسكاً، وتضاف إليه كميات من الملح وتصنع منه قطع على شكل كرات صغيرة 50 غرام، وتوضع في أوان زجاجية، وتغمر بزيت الزيتون لتكون جاهزة فوراً للاستهلاك"، لافتةً إلى أن تموين وحفظ الزيتون يتم بشطب حبات الزيتون بآلة حادة، ومن ثم حفظها بالماء المالح والفليفلة الحادة، كما وتصنع المخللات بنفس الطريقة.   

يشار إلى أن تموين المواد الغذائية لفصل الشتاء هو تقليد اعتاد عليه السوريون منذ مئات السنين، بسبب حالة الفقر التي كان يعيشها الناس، وفقدان الكثير من الأطعمة الطازجة خلال فصل الشتاء, فيلجأ السوريّ إلى تموين مجموعة من المواد الغذائية استعداداً لهذا الفصل, وقد يمتد تموين هذه المواد لعام كامل دون أن يفسد شيء منها.

ترك تعليق

التعليق