أثرياء سوريا.. على من نعوّل؟

عند قدوم بشار الأسد إلى السلطة في العام 2000، حدثت الكثير من التغيرات فيما يتعلق بهوية البرجوازية السورية ونظرة السلطة إلى طبقة رجال المال.

 ففي السابق كانت هذه الفئة من المجتمع توصف في خطاب السلطة، على أنها طبقة مرتبطة بالاستعمار وتخدم مصالحه وبأن هدفها الربح واستغلال الطبقات الفقيرة. إلا أنه في نهاية عهد حافظ أسد، حدث تحول ملفت، مع صعود رجلي الأعمال الدمشقيين، رياض سيف، ومحمد مأمون الحمصي، إلى الدور التشريعي السابع لمجلس الشعب في العام 1999. سبق ذلك بعض الإرهاصات التي أخذت تتحدث عن ضرورة مشاركة القطاع الخاص في عملية التنمية، لكن ظلت خطوات الانفتاح نحو رجال الأعمال خجولة ومحدودة، وينظر إليها بريبة من قبل الجميع، الذي كان رهن الخطاب السابق عن رجعية البرجوازية.
 
 لذلك، شكّل صعود رياض سيف، ومحمد مأمون الحمصي، حدثاً بارزاً وتحولاً نوعياً في تفكير السلطة في تلك الفترة، فلم يقتصر الانفتاح على الجانب الاقتصادي فحسب، وإنما على المشاركة السياسية. لكن هذه المشاركة لم تدم طويلاً، فقد اتضح أن هذه الفئة لها مطالب سياسية، وهو ما لم يرق للسلطة التي سرعان ما لفقت التهم للرجلين وزجت بهما في السجن بأحكام وصلت إلى خمس سنوات، مع تشتيت أعمالهما التجارية والصناعية، لكن السلطة بدون شك تنبهت كثيراً من خلال صعود الحمصي ورياض سيف، للدور الذي لعباه حتى وصلا إلى مجلس الشعب، والأصوات التي حصلا عليها من قبل الناخبين، إضافة للحملات الانتخابية والإعلامية. لقد تنبهت إلى أمر على درجة كبيرة من الأهمية، وهي أن هذه الفئة وبسبب ما تمتلكه من يد عاملة وصلت إلى أكثر من عشرين ألف بالنسبة لـ "سيف" وبعشرات الآلاف بالنسبة لـ "الحمصي"، الذي كان يدعم في ذلك الوقت جمهور الرياضة، قادرة على امتلاك رأي عام غير مرتبط بالسلطة إطلاقاً، وولاؤه لسيد عمله. لذلك بدأ التفكير جدياً بخلق طبقة جديدة من رجال المال والأعمال، من الأسماء غير التقليدية، وغير المكرسة في أذهان الناس، طبقة ترتبط مصالحياً مع السلطة وتكون جزءاً منها، وهو بالفعل ما تحقق مع صعود رامي مخلوف، ومحمد حمشو، وسليمان معروف، ونبيل طعمة، ومجد سليمان، ووهيب مرعي، وأيمن جابر، وفارس الشهابي، وعماد غريواتي.. إلخ.. ومما يلفت الانتباه في هذه الأسماء هو ظهور عناصر جديدة من غير الدمشقيين والحلبيين، الفئة التقليدية للبرجوازية السورية، إضافة إلى أن أغلبهم رجال مال وليسوا صناعيين وتجار، كما هي غالبية الأثرياء في سوريا.

 أما بالنسبة لفئة رجال الأعمال التقليديين، من صناعيين وتجار، فقد وجدوا أنفسهم في عزلة مع التوجهات الاقتصادية الجديدة للبلد، والتي كانت تهتم بالدرجة الأولى بمشاريع الربح السريع، كالاستثمار في البنوك والاتصالات والعقارات والسياحة، ولا تولي أهمية للصناعة، وهو توجه كان مقصوداً من خلاله تحطيم البنى الاقتصادية الأساسية للمجتمع، والتي كانت تعتمد بالدرجة الأولى على النمو الذاتي والاكتفاء الذاتي. لذلك شهدت السنوات العشر الأولى من حكم بشار الأسد، تدهوراً كبيراً في المجال الصناعي والزراعي بالدرجة الأولى، نتيجة لقيام طبقة رجال الأعمال الجديدة التي أوجدتها السلطة، وتحت ذرائع الانفتاح، بإغراق الأسواق بمستوردات من الصين ذات جودة سيئة ورخيصة جداً، وهو ما تسبب بإغلاق مئات الورش والمعامل الكبيرة وانتشار البطالة على نطاق واسع بين فئة الشباب بشكل خاص.

وسوى ذلك، فقد عمد النظام إلى إيجاد تكتل من رجال الأعمال تحت قيادة رامي مخلوف، حتى وصل عددهم إلى أكثر من مئة واحد. وكان الهدف من هذا التكتل، هو إخضاع أنشطة هؤلاء للمراقبة الكاملة، إضافة إلى ربط مصالحهم بمصالح الفئة الحاكمة.

وفي جانب آخر، تنبه النظام أيضاً، إلى أنه يوجد عدد كبير من الأثرياء السوريين الذين يعملون ويعيشون خارج البلد، أمثال نبيل الكزبري، ورجب مشمش، ووليد الزعبي، وموفق القداح، وأيمن الأصفري، وخالد المحاميد.. إلخ.. وكان بشار الأسد خلال زياراته الخارجية يحاول الاجتماع مع رجال الأعمال السوريين وإقناعهم بضرورة العودة والاستثمار في البلد، مع إغرائهم بعوامل الأمن والأمان، وبأن البلد تغيرت كثيراً، وهو بالفعل ما أدى إلى عودة كثير من هؤلاء، الذين دخلوا بفترة تجريبية ما لبثوا بعدها أن غرقوا وتورطوا بمزيد من الأعمال والمشاريع التي كانت فيما بعد عوامل مؤثرة جداً في موقفهم من الثورة السورية.
       
بكل الأحوال، يمكننا أن نستخلص مما سبق، أنه يجب أن نميز بين نوعين من أثرياء سوريا، تقليديين، ومحدثي النعمة، ممن أوجدهم النظام.. المنتمون للنوع الأول، بعضهم انتمى للثورة وهم قلة، أما الأغلبية فقد اختارت الصمت، أو بقيت داخل سوريا مع مراعاة مصالحها دون أن تعلن موقفها السياسي، ومنها من غادر سوريا بدون أن يكون له أي موقف . أما الفئة التي أوجدها النظام فقد وقفت جميعها معه وهي تدعمه بكامل طاقتها.

ولعلنا اليوم نعول في إعادة بناء سوريا من جديد على الفئة الأولى، فهناك الكثير من الأشخاص الوطنيين، من الصامتين، والذين يمكن أن يكون لهم دور محوري في سوريا المستقبل، وهؤلاء تقدر ثرواتهم بأكثر من 100 مليار دولار، ولديهم أعمال ناجحة في الدول التي يتواجدون فيها، حتى الذين خرجوا مع الأحداث، استطاعوا أن يقفوا على أقدامهم من جديد، وأن يعيدوا إحياء أعمالهم.
 
 وما نسعى إليه في هذه السلسلة هو البحث عن هذه الكوادر الوطنية وملاحقة أخبارهم ومن ثم الوصول إلى قائمة حقيقية، تتضمن من يمكن أن يعول عليه في المستقبل، ومن لا يمكن التعويل عليه.. آملين أن يلقى عملنا التصويب من خلالكم، وذلك عبر تزويدنا ببعض المعطيات الموثقة عن هؤلاء الرجال، وبما يخدم مشروعنا السوري بالدرجة الأولى.

ترك تعليق

التعليق