مهاجرون من درعا يزحفون على أكواعهم في أخطر طرق الخروج من سوريا

أدت الأوضاع المأساوية والظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها سوريا، نتيجة الحرب التي ما تزال مستمرة منذ ما يزيد على أربع سنوات، إلى هجرة عدد كبير من الشباب هروباً من أعمال القتل والتضييق التي تمارسها قوات النظام وبعض الجهات، التي وجدت في سوريا ساحات حرب مفتوحة لقتال عنيف، زينت له دول ومنظمات، تحت حجج ومبررات واهية، هدفت في معظمها إلى تصدير إرهاب العالم إلى سوريا، وجمع كل من يجنح إلى العنف  على أراضيها.

 ويشير الناشط الحقوقي أبو قيس الحوراني، إلى أن ما يحصل للشعب السوري هو ترانسفير جديد, يشابه تهجير الفلسطينيين تحت الضغط الإسرائيلي، ويهدف إلى تهجير أهل السنة من سوريا, كي لا تبقى أكثرية, لافتاً إلى أن الكثير من الشباب يتعرضون إلى مخاطر كبيرة في رحلة الخروج من سوريا إلى تركيا، كمحطة أولى, ويدفعون لقاء ذلك مبالغ كبيرة.
 
وقال "إن كثيراً من الأسر باعت أرزاقها الثابتة في سبيل الخروج من سوريا, والسفر إلى أماكن آمنة, تؤمن المستقبل لما تبقى من الناشئة وتحافظ عليهم من الضياع".

ويتساءل أحمد، 35 عاماً، وهو أحد الراغبين بالخروج من سوريا، "لماذا البقاء هنا؟؟"، ويقول لـ "اقتصاد": "لم يتبق لنا شيء، لا أمن ولا أمان, ولا مستقبل. البلاد تعيش في حالة فوضى, يعبث بها من يظن نفسه الأقوى, في ظل غياب الدولة الرسمية, لا مدارس لأبنائنا ولا عمل لنا, كل شيء متوقف, ابني في الصف التاسع وامتحاناته كانت بمدينة درعا التي أسكن بعيداً عنها بنحو  10 كيلو متر, ومع ذلك لم أستطع أن أغامر به، أو أن أعرضه لخطر الاعتقال من قبل  قوات النظام التي كانت تعتقل حتى الأطفال على الهوية، فاضطر إلى تقديم امتحان التاسع عن طريق مديرية تربية الائتلاف، ونجح في الامتحان، لكن لا مستقبل لهذه الشهادة، ولا أحد يعترف بها"، ولفت إلى أنه باع كل ما يملك من أراض ومنقولات، وينتظر دوره بالسفر.

ويقول مالك، 38 عاماً، موظف سابق، "نحن نضطر أن نسافر إلى تركيا، ونتحمل كل مشاق السفر وأخطاره, لأن الأردن يغلق حدوده أمامنا، كما أنه لا أمل لنا بالخروج منه إن دخلنا أراضيه، إلا بالرجوع إلى سوريا, فأنا من الجنوب السوري، ويتطلب خروجي من سوريا أن أعبر أكثر من ألف كم، وكل المسافة التي نسير فيها محفوفة بالمخاطر، كما هي رحلة من سبقونا إلى أوروبا".
 
وأضاف: "نخرج بالسيارات المكشوفة المعدة لنقل البضائع من إحدى القرى في المنطقة الغربية من الجنوب السوري /مكان التجمع/, إلى منطقة اللجاة الوعرة، بطرق تهريب، وغالباً ما تكون هذه الطرق قريبة من قطعات وحواجز النظام والشبيحة, إضافة إلى أننا  نضطر في مناطق معينة إلى السير على الأقدام ساعات طويلة في الصحراء ليلاً, وأحياناً نضطر إلى الزحف على أكواعنا خوفاً من أن يرانا عناصر قوات النظام القريبة من الطرق، كما ويتعرض البعض إلى الاعتقال والسجن والإهانة من جانب بعض الفصائل في محافظات سورية أخرى, فيما الأطفال والنساء نرسلهم من الطرق النظامية, وعبر حواجز النظام التي يمارس عناصرها كل الإساءات أحياناً، وأحياناً أخرى تعتقل النساء على الكنية بسبب أن أحد أقاربهن من المطلوبين لقوات النظام، لافتاً إلى أن تكلفة سفر الشخص الواحد حتى الحدود التركية نحو 400 دولار، وهو مبلغ كبير نسبياً، فيما تبلغ تكلفة السفر من تركيا إلى الدول الأوروبية نحو  7 آلاف دولار للشخص الواحد".
 
وقال عمار، 22 عاماً، طالب جامعي، "كثير من الشباب تعرضوا لأعمال سرقة وعمليات نصب واحتيال من بعض المهربين داخل المناطق السورية، ومنهم من قتلوا في ظروف غامضة, وبعضهم أخذت أموالهم وما يملكون وأطلق سراحهم", لافتاً إلى أن بعض الفصائل المسلحة تتعامل معهم بكل مودة واحترام وتؤمن لهم المبيت والإقامة بلا مقابل, وتساعد في تأمين وصولهم بأمان إلى الحدود السورية التركية، فيما تتعامل فصائل أخرى بسوء شديد، وتحاول منعهم من السفر وإجبارهم على الانضمام إليها تارة بالإقناع وتارة بالضغط والترهيب".
 
وحول أسباب هجرته، يقول: "لم أعد أشعر بالأمان، وأنا كشاب، عاطل عن العمل الآن، توقفت دراستي، ولا مفر لي إلا بالانتساب لإحدى الفصائل المسلحة، لتأمين لقمة العيش، أو الضياع والجلوس بلا عمل، وأنا لا أرغب بذلك, أضف إلى ذلك أن سوريا لم يعد فيها أي مستقبل لأمثالنا، فهي أصبحت مسرحاً للمعارك، وتصفية الحسابات، قبل سقوط بشار الأسد، ولن تقوم لها قائمة لعشرات السنين".

وعقب: "على الأقل أكمل دراستي, وأكوّن أسرة في أمان، في أي بلد يقبلني".

أبو سالم، وسيط نقل المجموعات المهاجرة من الشباب إلى الحدود التركية، يقول "نحن في درعا نؤمن خروج المجموعات من أي مكان في محافظة درعا ونجمعهم في مكان واحد في يوم معين, وتقوم سيارات خاصة بنقلهم حتى منطقة اللجاة عبر طرق سرية خاصة، ونحصل على كل شخص نحو 10 آلاف ليرة سورية، ثم يتم تسليمهم إلى أشخاص آخرين يقومون بنقلهم إلى أماكن أخرى عبر الأراضي السورية، حتى وصولهم إلى الحدود التركية"، مؤكداً أن مهمته تنتهي بالاتصال بالشخص الآخر، وإشعاره بأنه استلم  المجموعة.

واستطرد: "في حال تم اعتقال شخص لسبب أو لآخر, فإنه يتم تبليغنا ونحن نبلغ أهله عن الجهة التي اعتقلته، وهنا تنتهي مهمتنا، ليواصل المهمة أشخاص آخرون حتى يصل الشباب إلى الحدود التركية".
 
وقال فاروق 27 عاماً، "لماذا لا تستقبلنا الدول العربية بإقامات مؤقتة ريثما تستقر الأمور في بلادنا؟، ولماذا يضحون بهذا الشباب العربي المسلم ويتركونه للضياع أحياناً في بلاد الاغتراب الأوروبي؟، هل الدول العربية فقيرة وغير قادرة على استيعاب آلاف من الشباب السوريين مؤقتاً؟؟"، متمنياً أن تسمح الدول العربية بقبول اللاجئين السوريين، وتؤمن لهم البقاء على أراضيها ريثما تنتهي الحرب في سوريا.

وقالت الناشطة الإعلامية الملقبة بـ "أم نبيل"، أنها لا تحبذ هجرة الشباب، فقد منعت ابنها البالغ من العمر 29 عاماً من السفر,  "لأن الوطن رغم ما يحدث فيه يحتاج لأبنائه, ويحتاج لجهودهم في الدفاع عنه ضد المجوس"، ونوهت إلى أن الشعب السوري أصبح مشرداً في الآفاق, وتجد ضمن الأسرة الواحدة أفراداً مشردين في أصقاع العالم, كل واحد منهم في دولة, وتساءلت "إن هاجر الشباب فمن يبقى في البلد، ولمن يتركوها؟"، داعية الشباب إلى البقاء في سوريا, والدفاع عنها ضد الطامعين فيها، جسب وصفها.

رحلة عبر طرق شاقة، تستغرق عدة أيام داخل وطنهم، تلك هي رحلة السوريين إلى بلاد الأحلام، حياتهم تبقى خلالها في خطر، ومصيرهم مجهول، فإن سلموا من الموت في بلادهم، يتربصهم الموت في بلاد الاغتراب، والعالم يتفرج على مأساة تكبر مع كل لحظة، وهو غير قادر على فعل شيء في حالة هي الأغرب في تاريخ البشرية.

ترك تعليق

التعليق