أسعد العشي لـ"اقتصاد": لا حريري في سوريا.. وللمال السوري ثلاث تغريبات


ينتمي الاقتصادي، أسعد العشي، لأسرة دمشقية كانت تعتبر من أعمدة الدولة السورية عسكرياً في حقبة الاستقلال، يحمل شهادة بكالوريوس إدارة أعمال من الجامعة الأمريكية في بيروت، وحائز على شهادة الماجستير في جامعة انسياد الفرنسية. عمل لسنوات عدة مع شركة نفط عالمية في دولة قطر كمحلل مالي، وكبير للاقتصاديين، وكان أيضاً مسؤولاً عن ثلاثة حقول نفط في بحر الشمال في اسكتلندا، ويعمل في الوقت الحالي مدير برامج في مركز "بيتنا سوريا"، الداعم لعمل منظمات المجتمع المدني.

 أبدى الخبير والمراقب المالي، أسعد العشي، تشاؤمه حيال هروب رأس المال الوطني من الداخل السوري، فور اندلاع شرارة الثوة الأولى، واصفاً خلال حديث خاص بـ"اقتصاد" هذا الهروب بـ"التغريبة الرأسمالية السورية الثالثة".

 التغريبة الأولى تعود بحسب العشي، إلى حقبة إعلان الوحدة بين سوريا ومصر في العام 1958، ومجيء جمال عبد الناصر الذي بدأ بتأميم المعامل، بدايةً بالشركة الصناعية "الخماسية" التي كانت الأهم على مستوى الشرق الأوسط، موضحاً: " لقد كان أصحاب هذه الشركة من العوائل البرجوازية السورية، من آل دياب إلى آل الدبس وآل الرباط، وهؤلاء جميعاً خرجوا إلى لبنان والسعودية، وهنا بدأت مسيرة استنزاف رأس المال السوري تحديداً، والكل يدرك أن لهؤلاء الفضل بإحداث نهضة اقتصادية في لبنان حينها".

 تلك كانت التغريبة الأولى أما الثانية، فكانت مع مجيء حزب البعث إلى السلطة في العام 1963، الذي بدوره أمم البنوك وأنهى العمل المصرفي الخاص في سوريا، وشركات التأمين أيضاً. ويستحضر العشي تلك الحقبة، من إغلاق البنوك الأجنبية، والتي من بينها "البنك العربي" لـ عبد الحميد شومان، وصولاً إلى إغلاق المصارف السورية، ليبادر مؤسسيها إلى افتتاح بنوك في لبنان مثل آل الأزهري، مالكي بنك سوريا ولبنان في المهجر.

 بعد قيام الثورة السورية في 2011 كان اتجاه رأس المال مفاجئاً وفق العشي، فرؤوس الأموال لم تتجه إلى لبنان كما جرت العادة في حقبة التأميم وانقلاب البعث، بسبب السيطرة الأمنية لـ"حزب الله"، ومخاوف أصحاب رؤوس الأموال من ذلك، لذلك كانت الوجهة الجديدة مصر وتركيا، وساهمت التغيرات السياسية في مصر في جعل تركيا الوجهة الأكثر استقبالاً لرأس المال السوري حالياً.

عدا عن تركيا ومصر، كان لأربيل في كردستان العراق حصة لا بأس بها من اجتذاب الأموال السورية، وخصوصاً الشركات المصنعة، يعزو العشي ذلك إلى الاستقرار النسبي الذي تنعم به كردستان العراق، فضلاً عن العلاقات التجارية التي تربط أصحاب رؤوس الأموال بين الطرفين.

وبالعودة إلى تركيا، فالعشي يجزم أن تركيا استحوذت على نصيب الأسد من حجم رؤوس الأموال السورية المتغربة، وكان القاسم المشترك لهذه الاستثمارات التركيز على الصناعات المتوسطة والخفيفة، في ورشات من الحجم الصغير والمتوسط، كانت قد انتشرت سابقاً في عموم المدن السورية، وهذه كانت التغريبة الثالثة، حسب وصف العشي.

 كل ما سبق كان حديثاً يخص الأموال السورية التي خرجت مع بدء الثورة، وهنا للعشي رأي يراه حقيقة، حين يؤكد أن تواجد الأموال السورية الحقيقية كان خارج البلاد قبل بداية الثورة، ويوضح "معظم رؤوس الأموال السورية هي أموال شتات، وحتى لو كانت إقامة رجل الأعمال السوري في الداخل، فعلى سبيل المثال لو اتجهنا إلى منطقة "جبل علي" الحرة بالإمارات، قسم كبير من المستثمرين هناك هم سوريون، وعليه أستطيع القول أن رأس المال السوري هو مغّرب أصلاً".

 يتابع العشي، "عموماً الأموال السورية في دول الخليج متركزة في الامارات، لكن بالسعودية غير معلنة، ولا أحد يستطيع تخمين حجمها، اتجهت أغلب نشاطاتهم فيما يخص دعم الثورة إلى تشكيل شبكات إغاثية".

 بالانتقال إلى أوروبا، يرى العشي أن أوروبا تحتضن أشهر ثلاثة رجال أعمال سوريين، وهم أيمن الأصفري، ووفيق السعيد، ونبيل كزبري، ويتميز الأخير بعدم وضوح المواقف السياسية.

وفي رده على سؤال "اقتصاد" عن الدور الذي يمكن أن يقوم به أثرياء سوريا التقليدين حيال ما يجري داخل الساحة السورية، قال: "يستطيعون القيام بكثير من الأشياء، من أهمها تأسيس /صندوق ائتماني/ سيادي له عائد ثابت، عوضاً عن دعمهم المقتصر على السلة الإغاثية، ولا يتطلب هذا الأمر جهداً كبيراً".

وعن ماهية الصندوق الائتماني، يوضح، "إذا خصص مبلغ بقيمة 5 مليارات دولار على سبيل المثال، مهمته تنمية مشاريع إنتاجية في مناطق محررة تنعم باستقرار نسبي قد يخدم الثورة كثيراً".

بالمقابل، لم يخف العشي عدم رضاه عن تصرفات رجال الأعمال السوريين الداعمين للثورة، لأنهم لم يستثمروا الأموال التي قدموها كمساعدات "إغاثة"، مما كرس الاتكالية لدى الكثير من أبناء المناطق المحررة، وذلك بتحويل أفراد الداخل إلى مستهلكين.

وإجابة على سؤال وصفه بـ"الصعب"، يتعلق بمقدرة رجال الأعمال السوريين على التأثير سياسياً بما يجري في الداخل، قال: "لا يوجد رفيق حريري في سوريا، ولا أعتقد أنه سيظهر (حريري سوريا) مستقبلاً، لأنه لم ولن يُسمح بذلك، وذلك لأن النظام خلق طبقة ثرية من المحيطين به، وهذا المال يوظف لصالحه، بالإضافة إلى ظروف الثورة والظروف الإقليمية".

 ولأن الحرب السورية منذ العام 2013 صارت حرباً غير سورية على أرض سورية، كما يصفها العشي، يختم حديثه مشدداً على أن القرار الوطني غير قادر على إحداث تغيير اقتصادي.

ترك تعليق

التعليق