اقتصاديات.. الدولار "مجنون" أم الليرة "هبلة"..؟!


ليرات قليلة كانت تفصلنا عن دولار بـ 400 ليرة سوري.. ولولا أن مصرف النظام المركزي قرر التدخل في اللحظات الأخيرة، لكان الدولار الآن قد بلغ هذا السعر.. لكن بدون شك، فإن فقدان الليرة لنحو 10 بالمئة من قيمتها خلال أيام قليلة يثير الكثير من التساؤلات عن أسباب هذا الانخفاض المفاجئ .. وخصوصاً أن النظام حاول أن يروج في الفترات الأخيرة بأن الوقائع الميدانية على الأرض تتحسن لصالحه بعد التدخل الروسي.. فلماذا حدث العكس وانهارت الليرة..؟!  

بحسب حاكم المصرف المركزي، فإن أحد أسباب الهبوط الكبير في الليرة، يعود إلى إغلاق طريق حلب خلال الأيام الماضية، ما أدى إلى "صعوبات في انسياب الليرة السورية والقطع الأجنبي باتجاه حلب"، الأمر الذي تسبب حسب قوله بـ "ارتفاع سعر الصرف".. وهو ما انعكس على ارتفاع سعر الصرف في بقية المحافظات الآمنة، نتيجة عمليات التحوط التي بدأت بتحويل الليرة السورية إلى قطع أجنبي، خوفاً من مزيد من التراجع في سعر الصرف، أو نتيجة عمليات المضاربة التي تقوم بها بعض الجهات المستفيدة من التراجع الحاصل، حسب وصفه.

هذا التفسير الغريب لهبوط الليرة المفاجئ، والذي يشبه "طبيخ الرعيان".. يحاول أن يتجنب التفسير الحقيقي لهذا الهبوط.. وهو أن الليرة لم يعد من سند اقتصادي لها سوى تدخلات المركزي، وعندما توقفت هذه التدخلات في الفترات الأخيرة، تحت هواجس التحسن الأمني، انهارت الليرة..

لكن المركزي لا يريد أن يقول بشكل مباشر أنه أصبح الكافل الوحيد لليرة "اليتمية"، وذلك حتى لا تصاب الليرة بـ "الهبل" إذا ما أعلن المصرف عجزه لاحقاً.. وهو أمر ليس ببعيد على أية حال، وفقاً للتحذيرات والقرارات الحكومية التي تدعو إلى التقشف في المستوردات إلى الحدود الدنيا..

مما لا شك فيه، أن المصرف المركزي لعب دوراً ذكياً في وقف تدهور الليرة خلال الفترات الماضية، ولولا هذا الدور لكنا الآن أمام دولار بألف ليرة.. ويتجلى هذا الذكاء من خلال التمعن في قراره الأخير بالتدخل عبر ثلاثة جلسات وعلى مدى ثلاثة أسابيع وبثلاثة أسعار مختلفة.. تبدأ من 365 ليرة في الأسبوع الأول، ثم 355 في الأسبوع الثاني، و345 في الأسبوع الثالث.. والأهم من كل ذلك أنه لم يكشف عن حجم الكتل النقدية من العملات الصعبة التي سيضخها في الأسواق، وإنما أعلن أن السقف مفتوح..  وهو أمر غير حقيقي، لكنه في النهاية أدى إلى أن تكسب الليرة على الفور 10 ليرات مقابل الدولار، لدوافع نفسية..

لكن السؤال الذي يطرح نفسه، إلى متى سيظل المركزي قادراً على لعب دور المضارب في الأسواق، وخصوصاً أن تدخلاته الحقيقية بدأت عندما وصل الدولار إلى 200 ليرة، وها هو اليوم يكاد يقترب من الـ 400 ليرة..؟!

لقد اتضح أن المركزي قادر على تأخير انهيار الليرة، لكنه غير قادر على وقف هذا الانهيار.. والأمر كله متوقف على ما لديه من أرصدة بالعملات الصعبة.. لكن المركزي على ما يبدو، يتقن اللعبة جيداً، فهو لم يكشف عن حجم هذا الأرصدة منذ نحو أربع سنوات، وفي كل مرة يتم فيها التطرق إلى هذا الموضوع، يكتفي بالقول أن لا مشكلة في الأرصدة..

لكن الحقيقة أن هناك مشكلة وكبيرة جداً في أرصدة المركزي، كونه لا يتحمل فقط أعباء التدخل لوقف تدهور الليرة، وإنما يقوم بتمويل المستوردات كذلك.. وهي مستوردات تصل وبحسب بيانات الجمارك إلى نحو 4 مليارات دولار سنوياً..
 
أغلب الظن أن تدخلات المركزي هي وهمية، وتلعب على الجانب النفسي فقط.. حيث تشير المعلومات، أنه بعيد إعلان المركزي عن التدخل بثلاثة أسعار، لم يضطر لضخ سوى مبلغ زهيد من الدولار في الأسواق، كون الجميع ينتظر السعر الثالث أو الرابع الذي أعلن عنه.. فمن غير المعقول أن يشتري أحدهم الدولار بـ 365 ليرة بينما بعد أسبوع وأسبوعين سوف يشتريه أقل بـ 20 ليرة.. وهو أمر يستطيع المركزي اللعب عليه لمدة شهر أو شهرين فقط، لكن بعد ذلك سوف تنكشف هذه اللعبة عندما يحصل طلب حقيقي على الدولار.. وعندها قد نشهد هبوطاً مدوياً لليرة وبشكل يفوق كل التوقعات..

ترك تعليق

التعليق