أسواق الظل الأسود


هنا مدخل سوق العمارة، وهنا تجد ما لا تجده في أسواق العاصمة الكبيرة حتى في سوق الهال، وكل ما يحتاجه المواطن لمطبخه من (مونة)، وسلع يومية الاستهلاك، والفرق أن أسعارها أقل من أسعار أقرانها في أسواق باتت بعيدة عما في جيب السوريين من فقراء ومتوسطي الدخل.

لا بضائع مخصصة في (العمارة)، فمن جرزة البقدونس والفجل، وصولاً إلى الزيتون والمكدوس الجاهز والتمور المستوردة، والشاي بأنواعه الجيدة والرخيصة، وفي الحواري الجانبية التي تتبع السوق ثمة بالة رديئة يصل سعر القطعة فيها إلى 50 ليرة سورية.

رائحة الفقراء

العمارة، الذي يعتبر من أقدم أسواق العاصمة، يتصل بشارع الثورة، الذي يعج بالباحثين عن عمل من مختلف المحافظات السورية، والذين تم تهجيرهم إليها بسبب ضربات طيران النظام وبراميله، وكانت لهم محالهم التجارية، وجدوا هنا متسعاً للعمل في سوق تقبل الجميع حتى المتسولين.


بعض البسطات هنا لا تتجاوز سلعة واحدة، فالمواطن يبيع ويشتري بما معه من مال، والبعض بما أنتجه  هذا اليوم، فتجد فلاحين من كفرسوسة قدموا إلى السوق على دراجاتهم الهوائية يحملون البقدونس والفجل والخس ويبيعونه بسعر أرخص من بقية الأسواق، فهم يريدون المال ويعرفون أن زبونهم بالكاد لديه ما يشتري به، فالزيائن هنا فقط بأغلبهم من فقراء البلد.

في سوق باب السريجة، تصل جروة البقدونس إلى 25 ليرة في أيام البرد القارس، وفي الأيام العادية 15 ليرة سورية، ولكن هنا في العمارة، من الممكن أن تحصل على اثنتين أو ثلاث جرز بـ 25 ليرة سورية، وحيث يبيع الفلاح منتجه من الباذنجان، تأخذ الكيلو بـ 75 ليرة، فيما يصل سعره في أسواق أخرى إلى 125 ليرة.

بيت المونة

بجانب جسر المشاة، تتموضع بسطات بيع الزيتون الجاهز، وبكل ألوانه وأسمائه، وسيكون بإمكان المواطن أن يختار ما يحب بأسعار متفاوتة وبعروض مختلفة، والأسعار من 200 ليرة إلى 350 ليرة لأفضل الأنواع.


البضائع الأخرى لا تختلف عن الزيتون، فدبس البندورة الجاهز يفضله السوريون لكونه صُنع في المنزل، لا في المعامل كالمعلبات، والأسعار أقرب ما تكون لجيوبهم، وسعر الكيلو ما بين 100-150 ليرة سورية، وكذلك الأجبان والتين اليابس وقمر الدين والزبيب، كلها من صنع نسوة المنازل اللواتي يعانين لبيع المنتجات المنزلية، فيما لا يستطيع الرجال الخروج خوفاً من الاعتقال أو القتل.

رخيص ودسم

سكان العاصمة اعتادوا ألبان وأجبان النسوة اللواتي يجلسن مع بضائعهن في البرامكة وسط العاصمة، والسبب أن هذه السلع أرخص ثمناً ودسمة على عكس من تلك التي في المحال التجارية الأغلى سعراً والمغشوشة بالنشاء والسبيداج، وهي من مناطق رعوية خالصة تسقى بمياه نظيفة على عكس سقايات محيط العاصمة وريفها بالصرف الصحي بعد مواسم جفاف وتلوث.


كيلو الجبن البلدي الصالح للمونة لا يتجاوز 500 ليرة سورية، فيما يصل إلى 800 ليرة في المحال التجارية وهو غير موثوق، وكذلك سعر كيلو اللبن المصفى (اللبنة) 300 ليرة سورية، فيما يتجاوز 500 ليرة في المحال، وهذه فروقات كبيرة لدى المعوزين السوريين، وأصحاب العائلات الكبيرة، التي لا تتمكن من شراء المنتج إلا من هكذا أسواق.

بلدية العاصمة وشرطتها لا تترك لهؤلاء فرصة للبيع، فهي دائماً ما تعمد في الحد الأدنى إلى طردهم أو مصادرة بضائعهم وأحياناً لا تتورع عن إلقاء تلك البضائع في حاويات القمامة أو على الرصيف واعتقال بعض الباعة.

أسواق موزعة على الدخل

العاصمة سوق كبير لمنتجات تتناسب مع دخول مختلفة وأذواق مختلفة، وما تزال أسواق الشعلان والصالحية تعج بزبائن يأتون بسياراتهم الفارهة ليشتروا بضائعهم النظيفة والمقشرة وبأسعار خيالية، ولم يزل باب السريجة يقدم بضائعه لزبائن من أصحاب الدخل المقبول من موظفي الدولة المرتشين وموظفي القطاع الخاص أصحاب الدخول الكبيرة وتجار العاصمة. وفي الطرف الأقصى لمعادلة المال، يبقى محيط سوق الحرامية في نهاية شارع الثورة، صالحاً للمعدمين والمشردين واللصوص.

أما كل هذا التنوع، فتحكمه مجموعة من التجار الذين استثمروا الأوضاع المأساوية للبلاد والعباد لزيادة ثرواتهم والعمل تحت وصاية سلطة همها إفقار المواطن لضمان خضوعه تحت شرط الطعام مقابل الأمن.

ترك تعليق

التعليق