النظام السوري واقتصاد التهريب في تلكلخ.. تاريخ من الاستغلال انتهى بالتهجير

 تلكلخ مدينة في ريف حمص الغربي، وهي منطقة حدودية مع شمال لبنان، يفصلهما النهر الكبير الجنوبي. واقعها الحالي تحت سيطرة النظام، وتعزرت هذه السيطرة بعد سقوط الحصن والزارة في آذار من العام 2014.

 اليوم، تلكلخ منطقة آمنة بتصنيفات النظام، شوارعها خاوية بعد الساعه الثامنة مساء، وشبابها بين السجون والموت والخدمة الإجبارية، أو التطوع كنتيجة لانعدام فرص وأماكن العمل، والبحث عن أسباب العيش أياً كان سببها أو مصدرها.

ويعود غلاء الأسعار إلى الواجهة في مدينة تلكلخ بما لا يتناسب مع مستوى الدخل، حيث تشهد أسعار كافة السلع ارتفاعاً غير متوازن مع دخل العامل أو راتب الموظف الذي بقي على حاله.

 تلكلخ بلا مصانع أو معامل أو مشاريع إنمائية

 لا تحوي مدينة تلكلخ مصانع أو معامل، ولا حتى ورشاً صناعية، وهذا الواقع كان قبل الثورة، وزاد سوءاً خلالها، بعد تعرض أغلب أهلها للتهجير، ونُهب سوقها وبعض أحيائها التي اعتُبرت مركزاً للثورة على النظام قبل سيطرة النظام عليها، (أحياء: البرج -الأكراد- السوق).

 والعمل حالياً في تلكلخ يقتصر على محلات الألبسة والخضار والسمانة وسيارات التكسي، وبعض محلات تصليح السيارات، وعدد قليل جداً من محلات الحدادة والنجارة والألمنيوم وبعض الأعمال الزراعية الموسمية، كحصاد القمح بأجرة للعامل تتراوح بين 1000-1200 ليرة سورية كأجرة يومية لـ 8 ساعات عمل، وقطاف الفريز بأجرة 70-150 ليرة سورية لساعة العمل، وقطاف الزيتون بـ 200 ليرة لساعة العمل، وهذه الأعمال متوافرة في القرى العلوية الموالية للنظام المحيطة بتلكلخ. ويعمل بهذه الأعمال غالباً نساء لاجئات في تلكلخ.

 التهريب مصدر الرزق الأساسي منذ ثمانينات القرن الماضي

 كان الدخل الرئيسي لمدينة تلكلخ هو التهريب، وأهم البضائع المهربة، المازوت، بشكل أساسي إلى لبنان، إلى جانب الدخان ومواد غذائية متنوعة، باعتبار تلكلخ منطقه حدودية.

 وقد لعبت هذه المنطقة دوراً كبيراً وفعالاً في فترة الحصار على سوريا في ثمانينات القرن الماضي، بتوفير الكثير من السلع التي فُقدت من الأسواق السورية، كالسمنة والزيوت والسكر، وما كان يحلم به المواطن السوري في حينها.

 وكانت نتيجة ذلك، اعتماد سكان تلكلخ بشكل أساسي على أعمال التهريب، التي ينتج عنها أرباح سهلة بنسب مغرية، فتراجعت نسب التعليم فيها كثيراً، واقتصر التعليم على قرى تلكلخ المحيطة، وبالتالي ذهبت أغلب الوظائف إلى المتعلمين من أبناء ريف تلكلخ.

 ولم يتم إنشاء مشاريع إنمائية حكومية أو خاصة باستثناء صومعة للقمح، وفرن آلي للخبز، ومشفى تلكلخ الوطني، ومركز توزيع للاسمنت.

 انتقال مهنة التهريب من أبناء المنطقة إلى الشبيحة من القرى المجاورة

 التهريب حالياً أصبح مستحيلاً على من مارسه قبل الثورة، واقتصرت مزاولته على مجموعات الشبيحة في المناطق المجاورة لمدينة تلكلخ. فبعد أن كان أبناء هذه القرى يعملون أجراء أو سائقين لدى مهربي تلكلخ، أو عمالاً لديهم، وكنتيجة لهروب أغلب مهربي تلكلخ ونزوح أغلب أهلها خلال السنتين الأخيرتين، صعدت طبقة جديدة من المهرّبين الشبيحة، أو ممن عمل مهرباً سابقاً برفقة أبناء تلكلخ، ولكن هذه المرة، تحت رعاية وتغطية من جهات متنفذة وأمنية، محسوبة على النظام وأزلامه، باسم الدفاع الوطني واللجان الشعبية، بشكل خاص في القرى العلوية الموالية والمحيطة بمدينة تلكلخ.

 تلكلخ إلى الآن ما تزال تدفع ثمن كونها منطقة حدودية، استُغلت في ثمانينات القرن الماضي كمنفذ لتهريب ما مُنع على النظام حينها، ومنذ بداية الثورة استُغلت لتهريب السلاح وإدخال مجموعات مشبوهة لعبت دوراً في إفشال الثورة في منطقة تلكلخ وريفها، وتحت أنظار أمن النظام وبإرادته، ليتم تهجير ممنهج لأغلب أبناء المنطقة ممن وقف مطالباً بالتغيير والحرية والخلاص من القهر والفساد، وتم نهب منازل هؤلاء وممتلكاتهم.

ترك تعليق

التعليق