اقتصاديات قمة العشرين في تركيا

انطلقت في يوم الأحد 15/11/2015، قمة (مجموعة العشرين) في مدينة (أنطاليا) التركية، برئاسة الدولة المضيفة (تركيا)، على مدار يومين. وبالرغم من الأجواء التي لم تخلو من المظاهر الاحتفالية بالنسبة للرئيس التركي (رجب طيب أردوغان)، بعد نتائج الانتخابات البرلمانية، وكذلك البرنامج السياسي للقمة والحافل بمصطلح (مكافحة الإرهاب)، إلا أن أساس انطلاق المجموعة وولادتها التي حددت هويتها الاقتصادية في واشنطن عام /1999/، وكذلك سيرتها الذاتية عبر عقدٍ ونصف من قيامها، لابد أن تجعلنا نلقي الضوء على الجانب الاقتصادي أيضاً، والذي اجتمعت لأجله أقوى عشرين دولة في الاقتصاد العالمي، والتي تشغل ثلثي التجارة الدولية وثلاثة أرباع الناتج المحلي الإجمالي العالمي وقرابة الـ(90%) من الموارد الطبيعية (الخام) المنتجة والاحتياطية وعلى رأسها النفط والغاز. وهكذا سنحاول تلمس ما يمكن أن تحرزه مقرراتها على صعيد الاقتصاد العالمي.

فمجموعة العشرين تأسست بغاية تنسيق السياسة الاقتصادية العالمية، بصورة أكثر انفتاحاً من مجموعة القوى الصناعية الكبرى (7+1)، عندما دُمجت الاقتصاديات الصاعدة في هذا التنسيق بعد الأزمات الاقتصادية الحادة التي ألمّـت بالاقتصاد العالمي في تسعينيات القرن الماضي، والتي عصفت بهذه الاقتصاديات الصاعدة وأفضت إلى آثار سلبية للغاية على مختلف دول العالم، المتقدمة والصاعدة والنامية؛ أضف إلى بروز الصين في سلم ترتيب كبريات الاقتصاد العالمي وصولاً لمرتبة الوصيف.

 وبعد الأزمة المالية العالمية (2008)، أصبحت (مجموعة العشرين) لا تقل أهمية عن (مجموعة القوى الصناعية الكبرى) إن لم تكن سبقتها في الأهمية خلال السنتين الماضيتين؛ نظراً لتمتعها بتنوع أوسع على الصعد الاقتصادية والسياسية والإنسانية.

ولقد فرضت الأزمة السورية نفسها على القمة للمرة الثانية في تاريخها، وهي المرة الثانية أيضاً التي تهتم بها القمة بالسياسة، وذلك من خلال عدة ملفات سياسية واقتصادية: اللاجئين، مكافحة الإرهاب، والانتقال السياسي المُزمع في سوريا. مع الإشارة إلى أن ملف اللاجئين لا يخلو من صبغة اقتصادية، في بحث تأثيره على الدول الأوربية المستضيفة، وعلى رأسها ألمانيا.

وإذا ما كانت تركيا قد خططت لتحقيق مكاسب اقتصادية، ولا سيما في القطاع السياحي، والتي أمكن ويمكن تحقيقها من خلال اختيار مدينة (انطاليا) لانعقاد القمة؛ أضف إلى ما تم توقيعه من اتفاقيات تجارية بين تركيا والعديد من الدول التسعة عشر وعلى رأسها السعودية، فإن (أردوغان) سعى بصورة جدية، إلى جانب إيحاءاته السياسية الخاصة به وبتركيا، لبحثٍ أكثر جدية لآرائه وآراء مجموعته الاقتصادية الحاكمة والمتعلقة بتأمين آلية لنوع من المساءلة لمؤسسات النظام الاقتصادي الدولي: النقدية والتجارية، وما يجب عليها القيام به من أنشطة وطرح آليات لمنع وقوع الأزمات المالية العالمية والإقليمية أو توسعها، إلى جانب الدعوات التركية لتأمين عدالة أكبر وأوسع في توزيع الدخل العالمي، من خلال طرحها للمقاربة الشاملة للاستثمار في المشاريع الصغيرة والمتوسطة، والسعي لتوجيه رؤوس الأموال وتشجيعها صوب هذه المشاريع.

وفي إطار أوسع من المكاسب التركية وما حققته أو ستحققه تركيا من هذه القمة، فلعل من أهم الملفات الاقتصادية التي تم إدراجها فيها هو سبل دعم (النمو الاقتصادي العالمي)، في إطار ما يعانيه الاقتصاد الصيني حالياً من اختلال في توازنه، والذي أفضى إلى نتائج سلبية للغاية على واردات الصين من الموارد الطبيعية الخام، وكذلك على الحركة الطبيعية لرؤوس الأموال العالمية، بصورة جعلت الاقتصاد العالمي يرتعش إن صح التعبير، خلال الأشهر الماضية؛ أضف إلى بحث التداعيات المتوقعة على النمو العالمي نتيجة الرفع المتوقع لأسعار الفائدة الأمريكية، والذي انعكس بصورة استباقية إلى زيادة قوة الدولار وانخفاض أسعار الذهب، التي تعاني أساساً من حركة متذبذبة خلال الأشهر الماضية، أضف إلى مخاوف حقيقية في سوق الذهب نتيجة مخاوف بعدم تمكن الاقتصاد الصيني من استعادة توازنه، وبالتالي نشاطه في سوق الذهب العالمي.

وإذا ما كانت الصين ستجد الدعم اللازم فإن الولايات المتحدة الأمريكية والرئيس (أوباما) بالتحديد وفي إطار سياسته وسياسة حزبه، فإنه سيستغل نتائج ومباحثات موضوع (الضرائب) وتهرب شركات دولية كبرى منها، ولا سيما تلك العاملة في مجال الاتصالات وعالم الأنترنت، لفرض ضرائب أكبر على شركات من قبيل (جوجل) و(آبل) وغيرهما، والمتوقع أن تؤمن مبالغ مالية كبيرة يرفد بها خطته الاقتصادية المقترحة لتأمين نمو اقتصادي عالمي متوازن، إلى جانب رؤوس الأموال الضخمة التي من المتوقع أن تتوجه إلى البنوك الأمريكية في حال تم رفع أسعار الفائدة على الموجودات الدولارية فيها.

ترك تعليق

التعليق