مدينة "الأمبيرات"

ربما جعلت الكهرباء من عاصمة الاقتصاد السوري، حلب، مدينة الظلام، وبدل أن تقوم الجهات المعنية في المعارضة المسلحة أو النظام بمحاولة سد العجز أو إصلاح ما تبقى من محطات توليد الطاقة الكهربائية، بدأت هذه الجهات بقوننة استخدام الأمبيرات وتحديد أسعار الأمبير الواحد، انتهاءً بتزويد المولدات بالمازوت، كنوع من الاستسلام التام للواقع الذي فرضته ظروف الحرب.

ويروي أحد الناشطين في مناطق النظام، فضل عدم ذكر اسمه، أن حلب تعتمد على الأمبيرات كوسيلة أساسية لتوليد الطاقة، بعد انقطاع الكهرباء بشكل كامل لمدة 27 يوماً.

وعن تكلفة بدائل الطاقة، يقول الناشط في مناطق النظام، إن الإفادة من الأمبيرات محدودة بالإنارة البسيطة، وتصل تكلفة الأمبير الواحد شهرياً إلى نحو 1500 ليرة، كما تحتاج العائلة لـ 4 آلاف ليرة شهرياً كحد أدنى لتأمين المحروقات اللازمة لتشغيل الكهرباء ومستلزماتها، مثل بطاريات الشحن والشموع، كما أن الحد الأدنى لتكلفة توليد الكهرباء لعائلة متوسطة الدخل هي 16 ألف ليرة شهرياً، في فترة لا يتجاوز توليد الكهرباء فيها، 4 ساعات يومياً.

حضور قوي لـ "الشموع وزيت الكاز والشواحن الكهربائية"
 
وفي الشطر الآخر من المدينة، في حلب المحررة، ليس هناك أي دور يذكر للحكومة المؤقتة في مجال إعادة الكهرباء لأن الإمكانيات محدودة وتدخلها مقتصر على المجالس المحلية ضمن المناطق التي تسيطر عليها، وجهودها موجهة نحو الصحة والإغاثة والدفاع المدني، وهي تغض النظر عن قطاعات اقتصادية فاعلة، مثل قطاع الطاقة.

الأمر ذاته تكرّر أكثر، إذ تبدو بنية محطات توليد الكهرباء اليوم هشة أمام عمليات القصف، وضخامة المحطات المذكورة تجعل إخراجها من الخدمة أمراً سهلاً باستهدافها مباشرة أو باستهداف خطوط إمدادها بالطاقة أو أبراج أو خطوط نقل إنتاجها.
 
وتعاني محطات توليد الطاقة الكهربائية في سوريا من أزمة حادة – حتى قبل الثورة- جراء نقص إمداد الوقود، بينما أفرزت الحرب حلولاً جزئية أمام السوريين وإن كانت على المدى القصير لا الطويل، كالشموع وزيت الكاز والشواحن الكهربائية، حيث باتت الأمبيرات والمولدات والبطاريات تمثّل المصدر الرئيس لتوليد الطاقة، بعد أن بات التقنين اليومي بمعظم المناطق التي مازالت تعيش على الكهرباء بحدود 16 ساعة، قبل أن يصبح المعدل اليومي للكهرباء 4-6 ساعات فقط، بعد أربع سنوات من أزمة لا تبدو نهايتها قريبة مما يتطلب مقاربات مغايرة أمام المواطن، تمهيداً للسنوات القادمة.

وهكذا، وبناء على المعطيات السابقة، يصبح طرح التساؤل الآتي جدياً: هل تتجه حكومة النظام إلى الاعتماد على المولدات (الأمبيرات) على أنها واقع للخروج من الأزمة الحالية لتوليد الطاقة؟

90% من المولدات مخالفة ومحافظ حلب يفرض رقابة
 
مع استمرار انقطاع الكهرباء عن كامل مدينة حلب لليوم الخامس والعشرين على التوالي في مناطق النظام، تدخل "محافظ حلب"، لتحديد فترات الدفع التي يحددونها أصحاب الأمبيرات، وفرض عليها دوريات الرقابة التموينية، إيماناً ويقيناً أن الكهرباء لن تعود.

ويسكن مليونا مواطن في أحياء حلب الغربية الخاضعة لسيطرة النظام، وفيما يُحرَم هؤلاء من التيارَ الكهربائي، يُتركون فريسة لتجّار "الأمبيرات".

 الحديث عن حلٍّ كهربائي في حلب بات أشبه بالبحث عن رابع المستحيلات، ومع سيطرة "جبهة النصرة" على محطة تحويل الزربة، وتنظيم "الدولة الإسلاميّة" على المحطة الحرارية، فإن أسباباً عديدة تبدو كفيلةً بعرقلة نتائج أي تطوّر إيجابي في هذا الملف.

يُذكر أن حكومة النظام تعتمد على الدعم الروسي والإيراني، إضافة إلى الاستفادة من الخبرة الهندية في مجال الكهرباء، وتبلغ كلفة إنتاج كل واحد كيلو واط ساعي بحدود 30 ليرة، وتترواح تعرفة مبيع الطاقة للاستهلاك المنزلي لكل كيلو واط ساعي وفق الشرائح من 2 إلى 6 ليرات.

ترك تعليق

التعليق