شهادات عيان من سكان درعا تشرح لماذا قرروا الهجرة

في ظل عدم وجود رؤية مستقبلية لحل الأزمة السورية التي تعصف بالبلاد منذ نحو خمس سنوات، وبسبب الظروف الاقتصادية الناجمة عنها، و بسبب الأعمال العسكرية وحالات الحصار والاستهداف المتواصل لمناطق سيطرة المعارضة السورية، ولاسيما في الجنوب السوري، بدأت تشهد بعض المناطق ازدياداً ملحوظاً بهجرة المواطنين، إلى خارج سوريا، وخاصة بين صفوف الشباب الطامح إلى تأمين مستقبل أفضل.

ويشير الناشط الحقوقي أبو كنان الحوراني إلى "أن الهجرة رغم طرقها المحفوفة بالمخاطر باتت خياراً وحيداً للشباب والعائلات الشابة في حوران، بسبب تفاقم الأوضاع الاقتصادية، ووصول الأزمة السورية إلى أفق مسدود في القريب المنظور"، لافتاً إلى أن الهجرة والنزوح غالباً ما تتم من المناطق المشتعلة، والقريبة من ساحات المعارك، ولاسيما مدن وبلدات نوى والحارة والطيبة واليادودة والمزيريب وداعل وعتمان والشجرة، إذ شهدت هذه المناطق مؤخراً هجرة كبيرة للشباب والعائلات الشابة عبر تركيا، نحو الدول الأوروبية، بعضهم من العائدين من الأردن ولبنان، بعد أن ضاقت بهم الأفق هناك في مخيمات اللجوء, مع انعدام فرص العمل التي تناسب إمكاناتهم.

وقال مصدر في محافظة درعا للإدارة المحلية في الحكومة السورية المؤقتة، أن قرى وبلدات كثيرة في حوران هاجر ساكنوها ولم يتبق فيها أحد وأصبحت مدن أشباح, بعد أن طالها الخراب والدمار نتيجة قصف قوات النظام لها بمختلف صنوف الأسلحة، وتدمير أحياء كاملة، فيما بعض القرى لم يتبق من سكانها أكثر من 20 بالمئة، لافتاً إلى أن كثير من الأسر هاجرت، ولم يتبق في المحافظة التي يبلغ عدد سكانها نحو مليون ومائتي ألف نسمة، أكثر من 800 ألف نسمة، معظمهم من كبار السن ومتوسطي الأعمار، إن لم يكن أكثر من ذلك.

ويقول الشاب أحمد، 25 عاماً، "عدت من الأردن إلى سوريا بعد أن أُغلقت كل مجالات العمل أمامنا, وتم تضييق الحركة علينا هناك، فلا مجالات عمل متوفرة, وتبقى في نظر الكل لاجئاً, حقوقك محدودة, ونشاطاتك أيضاً لذلك عدت إلى أرض الوطن, وتزوجت منذ نحو عام، وأنا أتحضر للسفر إلى بلاد الله الواسعة عبر تركيا، لربما أجد فرصة مناسبة للعمل هناك، أستطيع من خلالها تأمين مستقبل أسرتي التي أسستها حديثاً".

ولفت إلى أنه في سبيل الهجرة، باع محلاً تجارياً, وينتظر أن يبيع قطعة أرض أخرى يملكها، لتأمين نفقات السفر الكبيرة، والتي تصل إلى نحو 7 آلاف دولار على الأقل, مشيراً إلى أنه سيسافر وحيداً، ومن ثم سيعمل على لم شمل زوجته وطفلته المولودة حديثاً.

ويقول الشاب عدنان، 20 عاماً، "حصلت على الشهادة الثانوية العام الماضي وسجلت في جامعة دمشق في كلية العلوم، ولكن بعد تحرير منطقتنا من قبضة نظام الأسد، لم يعد بالإمكان المرور عبر الحواجز، وأصبح كل شباب المناطق المحررة مستهدفين من قبل حواجز النظام وأفرعه الأمنية، لذلك لم أستطع الذهاب إلى الجامعة، وقررت السفر إلى ألمانيا لعلي أستطيع أن أواصل تعليمي الجامعي، بعد أن فقدت فرصة التعلم في بلدي"، لافتاً إلى أن فرص العمل والدراسة أصبحت مغلقة في وجه الشباب السوري, ولاسيما في هذه الظروف الصعبة التي تعيشها سوريا.

بدوره، قال مالك، 35 عاماً، "كانت أمورنا جيدة قبل أن تتأزم الأوضاع في سوريا، كان لدي مكتب حفريات وتعهدات صغيرة، وعملي جيد حتى خلال  السنوات الأولى للأزمة، ولكن ساءت الأحوال بعدها كثيراً، وتوقفت الحركة ولم يعد هناك لا مشاريع ولا تعهدات ولا حركة بناء، فقررت بيع آلات الحفر بأبخس الأثمان لتمويل سفري وأسرتي إلى خارج سوريا، لم يتبق لنا شيء هنا، لا مصدر رزق ولا مستقبل لأطفالنا، ويبدو أن الأمور ستطول كثيراً، وسنوات العمر تمضي والخسائر تزداد على كل مستويات الحياة، والأولاد لم يعودوا يلتزمون بالمدارس بسبب حالة الخوف من القصف، ولاسيما بعد دخول الطيران الحربي الروسي في معركة إبادة الشعب السوري".

مروان، مهندس، 50 عاماً، يقول، "فصلت من وظيفتي بسبب تأييدي للثورة، فتحت محلاً لتصليح السيارات لكن إنتاجي ليس بالمستوى المطلوب، الناس فقيرة ولا أموال لديها، والظروف صعبة على الكل، لدي أولاد وبنات كبار وهم من الطلبة الأذكياء، وبسبب ملاحقتي من قبل الحواجز والأجهزة الأمنية أوقفت ذهابهم إلى دراستهم، وقررت بيع كل ما أملك من أجل السفر وتسفيرهم للبحث عن مستقبلهم في بلاد الله الواسعة، فقد سافر ابني الكبير 22 عاماً، والصغير نحو 14 عاماً، وهم الآن في ألمانيا يتعلمان لغة، وبعدها سيكملان دراستهما", لافتاً إلى أنه بقي هو وزوجته وطفلتان، 10 سنوات وخمس سنوات، وهم ينتظرون أن يتم لم شملهم والسفر إلى ألمانيا للبقاء إلى جانب أولادهم وتأمين مستقبل الطفلتين أيضاً.

محمود، 23 عاماً، يقول "كنا أنا وأخوتي الثلاثة من المنتمين إلى الفصائل المسلحة، استشهد منا اثنان، وبقيت أنا وأخي الأصغر، ونحن نحاول السفر تحت ضغط والديّ، لأنهما يريان أن سوريا لم تعد بلداً للعيش المستقر، ولم يعد أمان فيها، وقالا أنهما سيؤمنان مبالغ لسفرنا الذي أصبح وشيكاً"، مشيراً إلى أن الشباب هنا إما سيلقون حتفهم في الحرب مع النظام، أو خلال الاقتتال الداخلي الذي بات يسيطر على كل المشهد في الجنوب السوري، لذلك نرى الرحيل والبحث عن مستقبل لنا أفضل من البقاء هنا، كما قال.

تلك نماذج من أوضاع العائلات والشباب السوري الباحث عن فرصة حياة أفضل، بعد أن أُجبر على الرحيل من وطنه بسبب مصالح الطامعين، الذين ينفذون حرب إبادة بحق شعب كان ولا زال يعد من أفضل الشعوب وأرقاها علماً وثقافة وحضوراً.

ترك تعليق

التعليق