حينما يحاجج جوعى مضايا باقي السوريين.. أمام الله


لا أحد يصدق أن مضايا، هذه القرية الجميلة التي تقع في السفوح القريبة من جبال لبنان، يمكن أن تجوع بسهولة.. فهي ولأكثر من عشر سنوات، كانت أشبه بسوق حرة لسوريا كلها.. وذلك خلال فترة الحصار الاقتصادي في الثمانينيات من القرن القرن الماضي.
 
فمن منا لم يسمع بـ "مضايا" خلال تلك الفترة..؟، ومن منا لم تدهشه البضائع القادمة منها، ورخصها، في وقت كان فيه السوريون يعانون  ذل الحصار وحرمانه..؟  

عندما أتيت إلى دمشق في أوائل التسعينيات، كان أول مكان رغبت بزيارته، هو مضايا.. وكنت يومها مدفوعاً بفضول من سمع عن عالم سحري، فيه كل ما هو مفقود في الأسواق السورية.. ولازال مشهد الأدوات الكهربائية والمعلبات الغذائية والألبسة الأجنبية القادمة من لبنان، وهي تملأ أسواقها، شيئاً لا يمكن أن أنساه.. وظللت لأكثر من شهر أحدث عائلتي وأصدقائي عما شاهدته، بينما هم كانوا يستمعون غير مصدقين أن تكون هذه البضائع موجودة في مكان ما من سوريا وبهذه الوفرة.

هكذا عرف السوريون مضايا على الدوام.. ولم يكن يخطر ببالهم أن هذه المدينة الصغيرة التي تمردت على حصار الأسد الأب في الثمانينيات واستطاعت أن تمد أغلب مناطق سوريا بحاجتها، يمكن أن يحاصرها الأسد الابن ويقطع عنها أسباب الحياة بهذه السهولة وفي القرن الواحد والعشرين..!!  

 لكنها الحقيقة.. ففي مضايا اليوم هناك أكثر من 40 ألف إنسان محاصرون وقد بدأ الموت ينهش بأجسادهم بسبب الجوع، بينما بلغت أسعار أبسط المواد الغذائية حداً لا يمكن أن يصدق.. فكيلو السكر أو الرز تجاوز سعرهما بحسب ناشطين الـ 70 ألف ليرة سورية، هذا عدا عما يتم تداوله من أخبار من أن الناس هناك بدأت تأكل لحم القطط وأوراق الأشجار..!!

أحد الأصدقاء أرسل لي محادثة جرت بينه وبين أحد الناشطين في مضايا.. يقول فيها الناشط وبالحرف: "لك كرمال الله تحركوا.. اعملو أي شي منشان الله.. تعال شوف النسوان والأطفال، هياكل عظمية ماشية بالطريق.. أصعب شي بالدنيا لما تشوف ولد يقلك: كرمال الله طعميني عمو، وإنت جوعان أكتر منو..!!، الله لا يوفق ولا يسامح كل واحد حاسن يعمل شي وما عم بيعملو..  اللي ماتو واللي لح يموتو، والله لنحاججكم فيهن أمام الله..".
    
أيها السوريون: مضايا أمانة في أعناقكم.. ردوا لها ولو بعضاً من جميلها.. فهي تستحق أكثر مما تقومون به.


ترك تعليق

التعليق