الاقتصاد الجامح يضرب المناطق المحررة

لم يتمكن أي من المجالس المحلية أو الفصائل المقاتلة في المناطق المحررة من التعامل مع اقتصاد الحرب، سواء لتحويله لخدمة الإنتاج الحربي، أو لتوفير وتسخير الموارد الاقتصادية في المناطق المحررة لضمان استمرارية حالة التفوق أو بغرض الضغط على النظام اقتصادياً، كما هو الحال عسكرياً. فالثوار في حقيقة الأمر لم يحاربوا النظام اقتصادياً، ولم يقوموا باستثمار الأدوات الاقتصادية الموجودة لديهم ضد النظام.

وخلال السنوات الخمس من عمر الثورة السورية تغير الواقع الاقتصادي بشكل كبير وظهرت فروقات وصعوبات اقتصادية أثرت وانعكست على حياة المواطن اليومية في المناطق المحررة، وتُرك المواطن يصارع بمفرد أمام شح المواد الغذائية والغلاء وجشع التجار.

 وإبان خروج قوات النظام من المناطق المحررة، نعُمت أغلب هذه المناطق بالرخاء الاقتصادي ولفترات محدودة في الوقت الذي كانت تعاني فيه أغلب مناطق سيطرة النظام من تضخم كبير في الأسعار كاد أن يصل لحد التضخم الجامح، إلا أن النظام وقواته والقصف الجوي المستمر، عوامل ساهمت في تغيير الصورة، ونقل ما يُسمى بتضخم الأسعار إلى المناطق المحررة عامةً والمناطق المحاصرة بشكل خاص، ولم يكن شعار الجوع أو الركوع إلا مؤشراً اقتصادياً ذهب بتلك المناطق إلى ما يمكن تسميته بـ (التضخم الجامح).

وتوقع الكثير من الاقتصاديين انهياراً اقتصادياً وشيكاً للنظام السوري، بسبب ما يسمى بـ "الاقتصاد الجامح"، وهو عبارة عن تضخم حلزوني تصاعدي في الأسعار، حيث تؤدي زيادة الضغوط على الأسعار إلى ردود أفعال تنتج المزيد من التضخم، وبذلك فإن هذا النوع من التضخم يغذي نفسه بنفسه، وأشهر مثال على هذا النوع من التضخم هو ما شهدته ألمانيا في أوائل العشرينات من هذا القرن حين قامت الحكومة بطبع النقود بمعدلات مرتفعة للغاية لتغطي نفقاتها، وفي عام 1923 تعدى معدل التضخم 1,000,000% حتى أن كثيراً من الشعب الألماني لجأ لنظام المقايضة، واستخدام السلع بدلاً من النقود.

 لكن النظام، وأمام عجز المجتمع الدولي والأمم المتحدة، استطاع إسقاط المناطق المحاصرة في امتحان الاقتصاد الجامح، وبدل أن يصيب التضخم الجامح مناطق سيطرته أصاب المناطق المحررة.

نسبياً، يختلف حال المدن والبلدات المحاصرة، إلا أنها في المحنة سواء، وليست مضايا والمعضمية وداريا وحدها من يئن من طوق الحصار، بل هناك أكثر من 12 منطقة قابعة تحت الحصار، وأكثر من نصف مليون شخص يعانون اليوم من ويلات الحرب والحصار.

تتوالى الأحداث وتشتد الظروف دون نتائج، ويستمر القصف وتقطع السبل بين المناطق المحررة، لتتغير الأنماط الاستهلاكية والأولويات الاقتصادية، وليغدو للحصار ثلاثة أنواع: حصار مطبق كـ مضايا والمعضمية وداريا ومناطق وادي بردى والتل، وحصار لا حصار، كـ "كفريا والفوعة"، وحصار من نوع آخر تكسره حرب الأنفاق، مثل دوما وبرزة وعين ترما وعربين وغيرها.

ترك تعليق

التعليق