"قطار" الخيبات الاقتصادية

عندما يتحدث مسؤول في مؤسسة اقتصادية مهمة عن إنجازات وأرباح كبيرة حققها خلال سنوات الحرب الخمس الماضية، فاعلم أن هناك كارثة مخفية أكبر بكثير من الكارثة الظاهرة للعيان.. فما بالك إذا كانت هذه المؤسسة هي الخط الحديدي الحجازي، التي لم تتذوق في تاريخها كله طعم الربح، وفي أحلى سنوات عمرها..!!

لكن كما يقول المثل الشعبي، "إلحق الكذاب لورا الباب"، فما هي الأرباح التي حققتها مؤسسة الخط الحديدي الحجازي..؟

يقول مدير المؤسسة التابعة للنظام في تصريحات صحفية، وبدون أن يخوض بالأرقام المالية، "إن عمل المؤسسة لا يقتصر على الجانب السككي الحديدي فحسب، منوهاً بالجانب الثقافي السياحي للمؤسسة من خلال المتاحف المقامة في محطة القدم، والتي تضاهي متاحفها أفضل المتاحف في العالم".

وفي تفسير ظاهرة المتاحف، يتابع أن "المؤسسة حاولت دخول مجموعة كنز على اعتبار أنها تملك أقدم قاطرة بخارية ما زالت تعمل، واستكمالاً لدور المؤسسة الثقافي السياحي عملت على إحداث 3 متاحف في محطة القدم وهي متحف المقتنيات الذي يعبر عن الموجودات القديمة للخط الحديدي الحجازي التي استخدمت في تسيير الخطوط الحديدية وتضم جميع المخططات وسندات الملكية وغيرها من وسائل الاتصال، وهناك أيضاً متحف القاطرات التي تعد الأقدم في العالم، والمتحف الحي الذي أخذ تسميته من وجود معمل في محطة القدم يعد الأضخم في الشرق الأوسط وعلى الرغم من قدم آلياته فهو مستمر في العمل، وتحقيق إمكانيات عالية في صيانة القاطرات البخارية القديمة".

طبعاً كل الكلام السابق لا يمكن للمؤسسة أن تجني منه أية أرباح، لكن لا بأس أن نتابع مع مدير هذه المؤسسة التي جرى الحديث عن ضرورة إيقافها أكثر من مرة في السنوات السابقة للثورة السورية، بسبب خسائرها الكبيرة على الرغم من أنها تملك إمكانيات كبيرة ومنشآت مهمة.. إذ يضيف "المؤسسة تملك العديد من العقارات الواقعة بجانب الخط أو خارج نطاق محاوره، ومن ضمن أهم العقارات التي تملكها المؤسسة فندق سميرا ميس ومحيطه التجاري، والعقار 748 مقهى الحجاز ومحيطه، والعقارات وسط مدن ريف دمشق ودرعا والتي تتبع بكاملها للمؤسسة".

بقي أن نشير إلى ما لم يقله مدير المؤسسة في حديثه الصحفي، وهو أن جميع القطارات والمنشآت التابعة لها، متوقفة عن العمل منذ أربع سنوات، باستثناء قطار يسير بين اللاذقية وطرطوس، وتقدر حجم خسائر كل رحلة فيه بحسب تصريحات للمؤسسة ذاتها، بأكثر من 200 ألف ليرة بحسابات ما قبل عام 2011.
 
أما في رحلات القطارات التي كانت تسير من دمشق إلى حلب مروراً بحمص وحماة، كانت خسائر الرحلة في العام 2004 أكثر من 400 ألف ليرة.

في العام 2007، قلت لمدير المؤسسة في حلب، "ما سبب هذه الخسائر الفادحة، بينما جميع الرحل ممتلئة بالركاب، وأحياناً يضطر المسافر للحجز قبل يومين من أجل أن يحصل على مقعد، هذا عدا عن المنشآت الكبيرة التي تملكها المؤسسة، إضافة إلى الرواتب والحوافز المجحفة التي يتقاضاها العاملون، والتي كانت توصف بأنها الأقل على مستوى البلد..؟!".

يومها أخذ نفساً عميقاً، ثم ألقى علي خطبة من مخلفات الاجتماعات الحزبية التي كان يحضرها..

باختصار، مؤسسة الخط الحديدي الحجازي على أهميتها وعلى أهمية احتكار الدولة لهذا القطاع الحيوي من النقل، ليست إلا نموذجاً لسلطة سعت عبر تاريخها إلى تفريغ البلد من حيويته الاقتصادية..

لقد اهتمت مؤسسة الخط الحديدي الحجازي خلال العقدين الأخيرين، بتطوير واستثمار كل عقاراتها السياحية والتجارية، بينما لم تحاول أبداً تجديد قطاراتها أو فتح خطوط جديدة..

ولعل المضحك المبكي في هذا النوع من الاستثمار الذي توجهت له المؤسسة بعيداً عن اختصاصها، أن جميعه لم يكن قادراً على تغطية سوى خسائر شهر واحد من تسيير قطاراتها بين المحافظات..!!

لهذا توقفت قطارات المؤسسة عن العمل لتتحرك قطارات الثورة بدلاً عنها..
 

ترك تعليق

التعليق