هل ينجح "هيثم مناع" في مهمته الماسونية الأقوى؟!

في بداية عام /2001/ كانت روائح الياسمين تملأ الشام مزهوة بربيعٍ قادم، ربيعٍ أبيض كقلوب أهل الشام وكبياض عيونهم الحور، التي لمحت أملاً بانعتاق قريب، منذ أشهر الصيف الماضية التي سبقتها رحيل سفاح.

مثقفون دمشقيون وسوريون اجتمعوا على حراك مدني لم يخشوا فيه لوماً أو خوفاً، وبدأوا العمل في قلب عاصمة ربوع أرض ألبسها نظام الأسد-الأب، أثواب الخوف والدماء والعذابات على مدار عشرات السنين، وعرَّ أجزاءً منها لتكون عبرةً لكل من أحب أن يعيش في مأمنٍ عن الحرية والكرامة.

من يعتقد أن أدوات الأسد كانت قاصرة على وسائل القتل والتدمير فهو مخطئ، فهو يعرف أهمية الأداة التي أوصلته في يوم من الأيام إلى قلب (لندن) ووضعته على رأس اهتمامات الأيدي الخفية، التي مهما تعددت ألوان الرايات التي تحملها، فإنها لابد أن تلتقي في النقطة المقررة لتعامد المسطرة المعمارية مع الفرجار الهندسي.

وكما منح حافظ الأسد لتلك الأيدي أهميتها في الداخل، فإنه كان يعرف خطورة النشاط الخارجي على نظامه، فكان لابد من الامتداد إليه، تحت نفس العناوين التي يمكن أن يُحارب بها، وعبر شخوص أشبه ما يكونوا بالرصيد الذي ظل يحتفظ به في بنوك سويسرا، يتم استعماله في أوقات العسرة والضيق، والشد على الخناق.

الفرق بين الرصيدين هو أن رصيد البنوك الخارجية قد يكون نتيجة عمليات سرقة مكشوفة وغير متقنة يمكن إجراءها بصورة اعتيادية في "سورية الأسد"، أما رصيد العملاء في الخارج فهو حصيلة جهد أكثر تعقيداً وسريةً وجهداً وإتقاناً.
 
وهكذا فعلاً تم وضع (هيثم مناع) في قلب الحاضنة الحقوقية كرمز من رموز ضحايا القمع والاستبداد، لينال شرف الزواج من (فيوليت داغر) الشخصية الفرنسية - اللبنانية التي تعتبر إحدى أيقونات المحفل الماسوني في فرنسا، والذي يدير ملفات منظمات حقوق الإنسان؛ ليتم التأسيس لعائلة حقوقية إنسانية فريدة بين الأمير الحوراني الأشقر (هيثم) و(فيوليت) أميرة الناشطين في أندية الروتاري في لبنان، والتي وضعته في اللجنة العربية لحقوق الإنسان التي تم تأسيسها في عام /1998/.

كان ربيع دمشق جهنماً على نظام حافظ الأسد الذي سلم رايته لوريثه بشار، ولكنه بنفس الوقت كان بوجود العملاء فخاً لأحرار الشام، تم نصبه في الداخل والخارج، وبطريقة تواكب المرحلة، التي كانت تقتضي الحفاظ على شيء من البياض والبراءة في وجه الوريث عديم الخبرة، وكانت الأداة الخارجية الأكثر مضاءً هي (هيثم مناع)، ولا سيما عندما تمكن من إقناع أطراف معارضة من العمل في إطار (لجنة الدفاع عن المعتقلين السياسيين) في عام /2001/ وأخذ يتحدث باسم (المنفيين) والحقوق الديمقراطية في عام /2002/ بالتحديد، بالتزامن مع اشتداد التضييق على الحراك المدني خلال العامين نفسيهما/2001/ و/2002/، عبر حملات الاعتقال والتشويه لرموز الحراك المدني.

ولكن العام /2003/ جاء بمخاوف حقيقية اعترت النظام، في ظل احتلال الولايات المتحدة للعراق؛ هذه المخاوف كانت تدور بشكلٍ أساسيٍ من العمل غير العلني للمعارضة ومد الحبل السري بين الداخل والخارج بصورة تهدد الرئيس الشاب، الذي تنكر بزي الانفتاح، ولكنه ما لبث أن أخذ يتخبط به، ويعود بقطار حكمه رويداً رويداً إلى سكة أبيه.

وهكذا دخل النظام في العسرة، وحانت لحظة استثمار المدخرات الداخلية والخارجية، ليتم بها السعي لحسم الموقف لصالح الوريث القاصر.

اللحظة كانت في الرابع والعشرين من آب من عام /2003/، حيث لبى (هيثم مناع) نداء أسياده في زيارة سوريا بكل ما يستطيع حمله من ملفات، ليتجمع حوله مئات من أحرار دمشق وعملائها في مطارها الذي يغصُ بعناصر سبعة عشر فرعاً أمنياً، وليشيع في اليوم نفسه أنه ينوي إلقاء محاضرة في (حلب) مساءً، في أحد المنتديات، ليجد المدعوون والفضوليون لسماع شيء عن حقوق الإنسان، أنفسهم، محاطين برجال الأمن والمخابرات في فخ لم تشهد حلب دناءة مثيلة له.

في تلك الليلة تم احتضان (هيثم مناع) في حلب في منزل كبير الماسونيين الحلبيين (فتحي أنطاكي) الذي كان يعاني من مرض شديد أشعره بالاحتضار، ولينال الأمير (هيثم) من أبيه الروحي ما تيسر له من التعاليم والأسرار عن حقوق الإنسان والدفاع عنها، بحضور (عبد الله الموصللي) الواجهة الرسمية للماسونية الحلبية.

ومع بداية الثورة، لم يخف على أحدٍ طبيعة النشاط الذي خاضه (هيثم مناع) في موازاة موقف النظام، حيث عمل على شق صفوف المعارضة وانتقادها من الخارج، وظل ينشط في الإطار (الماسوني) نفسه ليقيم أواصر مع الداخل بصورة مثيرة للجدل، وتعطي صورة عن وجود نظام يحترم ما يسميه بالمعارضة الوطنية.

وقد منحت لمهمته كل الوسائل الإعلامية اللازمة والتسهيلات الداعمة لنشاطه، وأقيمت له المؤتمرات السياسية والحقوقية التي ظل فيها على نهج تمزيق المعارضة وتبييض صورة النظام.

وبالتوازي مع حالة التقهقر التي اعترت موقف النظام في ربيع عام /2015/، وكما هو موقفه من كل ربيع، انتقل (هيثم مناع) إلى مرحلة جديدة على مستوى الخطر الذي أحدق بربيب الماسونية الأطول (بشار الأسد)، ليقدم له المساهمة الأقوى على صعيد المواجهة.

فبعد نجاحه في خلط أوراق المعارضة السياسية، وترسيخ الشرخ فيها، والعمل على إضعافها فوق كل ضعف، وتشويه صورتها غير المتماسكة أصلاً، حقق (هيثم مناع) اختراقاً نوعياً لم يكن من المتخيل أن يلعبه - في يومٍ من الأيام- داعيةٌ لحقوق الإنسان ومدافع عن المعتقلين السياسيين، وهو تقديم تغطية سياسية لقوات وأعمال عسكرية تحت غطاء جوي يقتل المدنيين بدون تمييز، ويؤدي إلى جرائم ضد الإنسانية، ويسهم بسرعة في قلب الوضع العسكري لصالح النظام والقوى الحليفة له في مواجهة جميع الجبهات التي تقاتله على اختلافها من إسلامية ووطنية. ليكشف (هيثم مناع) وبشكل صارخ عن حقيقة الدور الذي كان يلعبه في الماضي لصالح النظام في الالتفاف من وراء المعارضين متقمصاً شعارات حقوق الإنسان، ليسهم في مهمة جديدة تسعى لإهدائه النصر العسكري الذي لم يكن النظام منذ حين يحلم به، وتحت شعارات مماثلة لشعارات حقوق الإنسان كسورية الديمقراطية وسورية الجديدة، في تَنكرٍ جديد أكثر دناءةً من يوم الرابع والعشرين من آب من عام /2003/، فهل ينجح (هيثم مناع) في مهمته الماسونية الأقوى؟!

ترك تعليق

التعليق