تحقيق خاص بـ "اقتصاد".. رحلة البحث عن الكهرباء في المعضمية وداريا

سنوات نيفت على الثلاث، ومدينتا داريا ومعضمية الشام تعيشان أجواء الظلام بعيداً عن كل أنوار الكهرباء وأضوائها الباهرة.

لم تعانيا من الحصار والجوع فقط، بل شكلت أزمة الكهرباء هماً متراكماً يحمله الأهالي منذ بدء الحملة على المدينتين، أي منذ الثامن من الشهر الحادي عشر من عام 2012.

في هذا التحقيق يسير بنا أبناء المدينتين في رحلة مليئة بالهموم والليالي المظلمة.. إنها رحلة البحث عن الكهرباء.

* المولدات حل في داريا

"تعرف أن الكهرباء انقطعت عن داريا منذ الشرارة الأولى للحملة العسكرية في 2012 وبعدها عاشت المدينة في ظلام دامس ليس بعده ظلام"، يقول محمود (25 عاماً).

"أنا كمقاتل على الجبهات أعتمد في الحصول على الكهرباء لشحن جوالي ولإضاءة المقر الذي أسكن فيه مع عدد من الشباب على مولدة الكتيبة، إنها تعمل يومياً لساعات محدودة"، يتابع محمود حديثه.

هي مشكلة عويصة على الحل إذن.. لأن البنى التحتية انعدمت نهائياً نتيجة القصف الذي تتعرض له داريا، ويعتقد معظم من تبقى داخل المدينة أن شيئاً ما كالكهرباء يعتبر مستحيلاً أو حلماً غريباً لم يعد يخطر على بال أحد، لا سيما مع اشتداد القصف بالبراميل وصواريخ الفيل والحاويات والمدفعية.

أبو أيهم (23 عاماً)، مقاتل آخر، قال لـ "اقتصاد": "نعتمد في الحصول على الكهرباء على مولدة نواظب على تشغيلها ضمن المجموعة التي أنا فيها".

ويضيف حول المادة التي تعمل عليها المولدة بالقول: "إنها الخلطة.. الخلطة المستخرجة من البلاستيك بالطريقة اليدوية".

ولا يخفي أبو أيهم أنهم بهذه الطريقة يحصلون على كهرباء لمدة ساعتين يومياً، الأمر الذي يكفي لشحن الموبايلات وبطاريات مدخرة يستفيدون منها لاحقاً.


* ولمعضمية شأن آخر..

دُمرت محولات الطاقة في معضمية الشام وقُطعت جميع أسلاك الكهرباء، وعلى الرغم من الهدنة الموقعة مع النظام في بداية 2013 لم تفلح جهود المصالحة في إصلاح الأعمدة وإعادة الكهرباء إلى المدينة.

أبو سلمو (30 عاماً) أوضح لـ "اقتصاد" أنه نتيجة انعدام الكهرباء عن مدينة معضمية الشام اتفق مع عدد من الجيران على تشغيل مولدته التي يبلغ سعرها نصف مليون ليرة على الخلطة.

ويقول أبو سلمو: "إنها مجازفة كبيرة جداً فالخلطة ربما تدمر المولدة الغالية الثمن ولكن ما باليد حيلة، نريد أن نعيش ويعيش جيراننا والأضواء تنير عليهم ساعات من سهراتهم المظلمة".

وفعلاً يشغل أبو سلمو مولدته ليستفيد منها عشرون بيتاً من جيرانه لقاء اشتراك معين يدفعونه له كل أسبوع، لكن هل هذا يعتبر حلاً للأزمة في مدينة تعج بالمدنيين مثل معضمية الشام؟


* طريقة جديدة للحصول على الطاقة

أبو جهاد (32 عاماً) توصل بالتعاون مع غيره من أهالي المعضمية إلى طريقة أخرى لاستجلاب الطاقة الكهربائية.

 إنها طريقة مبتكرة حقاً، وغير مكلفة، وإن كانت تستهلك الجهد العضلي للإنسان مراراً وتكراراً.

يقول أبو جهاد: "استطعنا أخيراً تفصيل دراجة كانت تعمل سابقاً على الكهرباء ووضع دينمو على إطار الدراجة ما ولد لدينا طاقة كهربائية بـ 12 فولط، وبهذه الطريقة نشحن البطاريات الكبيرة والصغيرة".

وانتشرت هذه الفكرة داخل معضمية الشام وبإمكان المرء خلال جولة قصيرة يقوم بها في المدينة ملاحظة العديد من هذه الدراجات وعدد من الناس يحركون أقدامهم في تدوير عجلات الدراجة، ليتسنى لهم شحن البطاريات التي تدخر الكهرباء.

* الدراجة منتشرة في داريا أيضاً

ولم يقف هذا الاختراع عند حدود معضمية الشام فقط؛ بل تعداه إلى جارتها الشقيقة  داريا، حيث وضع أسامة (33 عاماً) دراجة في بيته لتحركها زوجه يومياً وتشحن البطاريات التي تساعدهم في الإضاءة بينما يكون أسامة مرابطاً على إحدى الجبهات.

"هذه الطريقة وفرت علي الكثير حيث لا أمتلك مولدة كهربائية وليس لدي القدرة على شراء الخلطة أيضاً، لذلك أنا مرتاح لهذه الطريقة"، يتحدث أسامة.

* لماذا البطاريات؟

المولدات إذن مستخدمة لدى فئة العسكر في داريا ومجموعات من المدنيين في المعضمية، والدراجات منتشرة في الأخيرة حيث تستخدمها الكثرة الكثيرة من أبنائها، والسؤال هنا؛ ما هي فائدة البطاريات التي تدخر الكهرباء خلال عملية الشحن؟

الناشط الصحفي شمس الدين، يجيب عن هذا السؤال بالقول: "البطاريات تعتبر في داريا والمعضمية أساس الطاقة فهي تخزن بداخلها ما يكفي للإضاءة ولشحن الهواتف الخلوية غالباً".

ويوضح لـ "اقتصاد": "غالباً ما يستعمل الأهالي شواحن 12 فولط يصلونها بالبطارية ليحصلوا على شحن الجوال".

وبالنسبة للإضاءة يقول شمس الدين: "الليدات هي الحل الرائع هنا في هاتين البلدتين المحاصرتين والمحرومتين من كل شيء حتى من إضاءة ليالي أبنائهما".


* ما هي الليدات؟

يعمل سامر في محل لصيانة الموبايلات، وهو كباقي أبناء المعضمية يضيء محله باستخدام لمبات صغيرة موصولة مع بعضها على شكل شريط وتعمل على كهرباء 12 فولط تدعى الليدات.

واستطاع سامر في يوم من الأيام عندما كان المعبر مفتوحاً شراء كمية كبيرة من هذه المصابيح ليبيعها في محله لجميع أهالي المدينتين.

"بعنا الكثير من هذه الليدات، هي طريقة جميلة في الإضاءة ولا تحتاج لمصروف طاقة كبيرة، بطارية صغيرة تشغل عدداً منها لساعات وربما لأيام".

يقول سامر موضحاً أن معظم الأهالي يستخدمون هذه الطريقة في الإضاءة.

ترك تعليق

التعليق