ميالة والليرة ونظام الصرف بالبوط


تصدر (أديب ميالة) يوم الأحد 21/2/2016 ما أسمتها وكالة (سانا) الحكومية بـ(جلسة تدخل)، بعد التدهور الجديد في سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي والذي أوصله إلى عتبة (440) ليرة سورية، وبذلك لم يتبق سوى (35-40) ليرة ليصبح الدولار مساوٍ لعشرة أضعاف قيمته بالمقارنة مع سعره في آذار/2011.

وقد ظهر على حاكم مصرف سورية المركزي شعور واضح بالثقة، يعتقد ميالة أنه ركن مهم في استعراضه الإعلامي، الذي جهد أن لايخلو من الحبكة الدرامية ذات الأبعاد الواسعة والتأثيرات النفسية العميقة، فظهر كأسد يجلس في عرينه وعلى يمينه ويساره ممثلو شركات ومكاتب الصرافة وتحويل الأموال، وكأنهم مندوبين لسكان الغابة التي يرعاها.

وهكذا عبَّر (ميالة) عن أهمية الظرف الذي تمر به هذه الغابة، بالقول: "نحن اليوم في ظروف مهيأة نستطيع من خلالها تأمين الاستقرار"؛ ليشير بذلك إلى التقدم العسكري الذي حققته قوات بشار الأسد في أرياف المدن الثائرة في الآونة الأخيرة تحت الغطاء الجوي الروسي الذي وصل لذروة وكثافة غير مسبوقة في تاريخ الصراعات الإقليمية والمحلية.

وعلى ما يبدو، بالنسبة لي على الأقل، لم يغير أديب ميالة نظام الصرف الذي اعتمده منذ بداية الأزمة، والذي أطلقت عليه في يوم من الأيام (نظام الصرف بالبوط)، فهو ما زال يقرن تحولات سعر صرف الليرة السورية بالتطورات العسكرية على الأرض، إلى درجة وجود نوع من التناسب الطردي بين الأرقام الدولارية التي يتحدث عن التدخل بها مع وضع (مؤشر البوط) الخاص بنظام صرفه المعتمد.

وهكذا ووفق التناسب الذي يراه (ميالة) فقد فاجئ الإعلام برقم يبدو مثيراً كالإثارة التي حملتها التطورات العسكرية الدراماتيكية الأخيرة، حيث أكد أن مبلغ (150) مليون دولاراً أمريكياً، سوف يتم رصدها خلال أسبوع لتمويل المستوردات وتلبية احتياجات المواطنين، داعياً جميع المستوردين لمراجعة المصارف وتقديم طلباتهم لتمويل مستورداتهم وبأسعار اعتبرها "تمييزية" حيث سيباع الدولار الواحد بسعر (405) ليرة.

وبلهجة شامية يظهر عليها التحدي، المتمخض عن الثقة، وجه (ميالة) وهو في عرينه خلال "جلسة التدخل" كلامه لممثلي سكان الغابة قائلاً: "كل شي حدا بدو دولار يقللي أنا شو بدو يشتري هلأ، واعتباراً من يوم الأحد رح ياخد اللي بدو إياه".
 
هذه الكلمات أرسلتني مباشرة إلى حزيران من عام /2011/ حيث كان الاجتماع الوحيد الذي جمعني وعدد من زملائي في مصرف سورية المركزي به، حينما تحدث عن ضرورة التعاون مع الأجهزة الأمنية في مواجهة التلاعب بسعر الصرف، وأن الأزمة مؤقتة ما دامت مطالب متظاهري اللاذقية تنحصر بتحقيق مطلبهم بفوز نادي حطين في الدوري أسوة بنادي تشرين، وفق تسريبات قدمها الممثل (باسم ياخور)، وأن الأمر ينطبق على المناطق الأخرى.

ثم حملتني إلى صيف العام التالي /2012/ عندما كنت أقوم بالتفتيش على عمل شركة (السلطان) للصرافة بعد يوم واحد من رسو مزاد عليهم بقيمة ثلاثة ملايين دولار، حيث تمكنت من الكشف عن وثيقة بيع المبلغ بالكامل لأيمن جابر في اللاذقية، ولم يتسرب للسوق دولار أمريكي واحد منها.

وعلى مدار سنوات /2011/ و/2012/ و/2013/ لم أعرف تاجراً أو مستورداً استفاد من دولار أمريكي واحد إلا بأسلوب ملتوٍ أو لأنه من المقربين من العصابة الحاكمة أو جزءً منها.

ولا يمكن أن أتصور ما دام (أديب ميالة) متمسك بنظام الصرف بالبوط وفق المؤشر العسكري الوحيد الذي عمل عليه طوال السنوات الماضية، أن تخرج الـ/150/ مليون دولاراً من هذين النطاقين الذين أتحدث عنهما، لتكون "جلسة التدخل" مجرد تمثيلية سخيفة مكررة ولكن هذه المرة بأرقام ضخمة، يتم بعدها نقل المزيد من ممتلكات الشعب السوري لصالح حفنة من المجرمين، أو تظهيرها بسعر "تمييزي" لصالح مجموعة من تجار الأزمة الذين يستفيدون من البون الشاسع بين سعر صرف الدولار السوقي ومعدل التضخم العام، حيث يعرف السوريون أن هذا الأخير يزيد عن الأول بوضوح، ويسمح لتجار النظام بتحقيق أرباح احتكارية، يتم تخصيص جزء منها في تمويل "البوط" الذي يقتل الشعب السوري ويهين كرامته.

ترك تعليق

التعليق