ما حقيقة شائعات الطلاق التي تلاحق السوريات في ألمانيا..؟


على مدى أسبوع من تواجدي في برلين، لم أسمع من السوريين الذين التقيت بهم هناك، سوى الحديث عن قصص لا يصدقها العقل، لسوريات حطمن أزواجهن وأسرهن، لدى وصولهن إلى ألمانيا، وأن أعدادهن بالمئات إن لم يكن بالآلاف..
 
بعضهم كان يروي عن أسر يعرفهم وعلى صلة بهم، والبعض الآخر كان يتحدث عن قصص سمع بها من آخرين.. لكن ما لفت انتباهي أن الرواة جميعهم رجال.. ومن وجهة نظرهم أن من أهم أسباب تمرد المرأة السورية التي وصلت إلى ألمانيا، هو رغبتها في العيش بحرية والاستئثار بالفوائد المادية التي تتمتع بها كل امرأة تتمرد على سلطة الرجل وتطلب الطلاق.. فما حقيقة الموضوع..؟، وما هي أسبابه..؟

طلبت الطلاق بعد ثلاثة أيام من وصولها

من القصص التي أثارت اهتمامي ما رواه لي أحد الأصدقاء في برلين، بأنه يعرف أسرة سورية قامت فيها المرأة بطلب الطلاق من زوجها بعد ثلاثة أيام فقط من وصولها إلى ألمانيا، وقد تجاوبت السلطات الألمانية معها مباشرة، وقامت بإبعاد الزوج عن أسرته إلى "الهايم"، بينما استقلت الزوجة مع أولادها في بيت منفصل..
 
طلبت من صديقي زيارة الزوج في "الهايم"، بعد أن أكد لي أنه على علاقة طيبة معه ويزوره باستمرار.. وبالفعل قابلت الزوج، كان رجلاً في منتصف الأربعين من العمر ويجلس وحيداً في في غرفة صغيرة في "هايم" على أطراف مدينة برلين، بينما تسكن زوجته في منزل جيد بحسب ما قال لي، في الطرف الآخر من برلين، بمسافة تحتاج إلى أكثر من ساعتين..
 
يقول الزوج الذي بدت عليه مظاهر التأثر، أنه لم يبد على زوجته أياً من مظاهر التمرد عندما انطلقوا في رحلتهم من تركيا إلى ألمانيا قبل نحو ثمانية أشهر، والتي استغرقت نحو عشرين يوماً.. لكنها بعد وصولها بيومين إلى ألمانيا وخلال لقائها المنفرد مع الشرطة الألمانية، انتابني إحساس مختلف، شعرت أن هناك شيئاً كبيراً تخفيه عني زوجتي، لقد تغير تعاملها معي بالكامل، وعرفت في اليوم الثالث من خلال الشرطة الألمانية أنها أخبرتهم بأنها لا تريد العيش معي، لذلك هم مضطرون لنقلها إلى سكن منفصل وإبقائي بـ "الهايم".

ويتابع: "كان الخبر أشبه بالصاعقة علي.. وحتى عندما حاولت مناقشة زوجتي عن أسباب فعلتها، انفجرت فيّ وفتحت دفاترها القديمة منذ أكثر من 25 عاماً، مشيرة إلى أنها كانت تنتظر هذه اللحظة منذ سنوات طويلة، وهاهو رب العالمين هيأ لها كل الظروف من أجل أن تنال مني ومن حياتها معي..".

كان الزوج يتحدث وكأنه يهذي، وبين الكلمة والأخرى كان يضرب يداً بالأخرى ويلعن الساعة التي قرر فيها الهجرة إلى ألمانيا.. ثم يتمتم بأسى، "لقد خسرت كل شيء.. بيتي في سوريا وزوجتي وأولادي الأربعة في ألمانيا.. وها أنا أعيش كالكلب وحدي في هذا الهايم".
 
سألته: "هل تزور أولادك وترى زوجتك..؟، هل تغير سلوكها ولباسها ونمط حياتها بعد الانفصال عنك..؟".
أجاب: "أبداً، لم يتغير شيء على سلوكها، ولم تخلع حجابها، ولم تقل أنها تريد أن تتزوج مرة أخرى.. هي تقول أنها تريد أن تعيش حياتها كما تريد بعيداً عن سلطتي وتحكمي بها"،... ثم أخذ يحلف أغلظ الأيمان أنه كان يحبها ويقدرها ويحترمها ووفر لها حياة كريمة عندما كانا يعيشيان في سوريا.. وكانت خلافاتهما مثل خلافات أي زوجين..
 
عرفت من هذا الزوج أن قصته يوجد ما يشبهها في ألمانيا الكثير، وأنه شخصياً التقى في "الهايم" بسوري حصل معه قصة شبيهة، حيث قامت زوجته بطلب الطلاق بعد عدة أشهر من وصولهم إلى ألمانيا، لكنه اتضح فيما بعد أنها خلال فترة إقامتهما في الكامب كانت قد تعرفت على شاب وأحبته وطلبت الطلاق من أجل أن تتزوج به.. وهو ما حصل فعلاً..
 
يقول الزوج أنه التقى بالرجل في الهايم وكان نصف مجنون، فقرر الخروج من ألمانيا كلها إلى دولة أوروبية أخرى..  

قصص أم حقائق

كل سوري تسأله عن عدد حالات تشتت الأسر السورية في ألمانيا ونسبتها، يكتفي بالقول أن الحالات كثيرة جداً، وأنهم يومياً يسمعون عن قصص جديدة ومرعبة وفيها الكثير من القسوة على شريك العمر، الذي ينتهي به المطاف للعيش معزولاً في كامب بعيداً عن أسرته..
 
خلال دردشة لي مع أحد الصحفيات السوريات المقيمات في ألمانيا عن حقيقة هذه الظاهرة وأسبابها، عبرت عن اعتقادها أن الأمر محصور في نساء المجتمعات المحافظة والمغلقة.. فهن الأكثر طلباً للطلاق بعد الوصول إلى ألمانيا، مشيرة إلى أن الأمر غير مرتبط فقط بسلطة الزوج وإنما بسلطة المجتمع ككل من أهل وأقارب ومعارف، فهم بالنسبة لها، كانوا كلهم يشكلون ضغطاً نفسياً على حياتها واستقلاليتها..

وتتابع هذه الصحفية التي طلبت عدم ذكر اسمها، أن المرأة السورية في المجتمعات المحافظة لم تكن تشعر بأنها أكثر من خادمة في المنزل، للزوج والأولاد والضيوف، وهو أمر لم يكن الزوج والمجتمع قادراً على تفهمه أو قبول أن تشكو المرأة منه، لأنه حسب مفهومهم أن هذا جزء من واجباتها الأساسية.. وتضيف: "لقد سمعت هذه الشكوى من الكثير من النساء عندما كنا في سوريا، وعندما أتين إلى ألمانيا، وهو ما يعني أن المرأة لم تكن تشعر بكيانها داخل أسرتها، وإنما كانت تستمد هذا الكيان من خلال شقائها داخل المنزل"..

وتضرب مثالاً أن "المرأة السورية لم تكن تسمع كلمة مديح من زوجها وأسرتها إلا عندما تنظف البيت بشكل جيد أو تقدم طبخاً لذيذاً.. شأنها شأن أي خادمة".

وترى هذه الصحفية، أن هناك الكثير من الأسباب الأخرى التي دفعت المرأة السورية للتمرد على زوجها في أوروبا، قد لا يرى فيها الرجل أنها أسباب موضوعية وقوية، لكنها بالنسبة للمرأة فهي أساسية..

وتعتقد أن السبب في جرأة المرأة السورية على قرار الانفصال والانطلاق بحياة جديدة، بالمقارنة مع غيرها من النساء من مجتمعات وبيئات أخرى، أن السبب هو وعيها.. وتؤكد أن المرأة السورية كانت تمتلك مقومات وإمكانيات كبيرة، لكنها كانت مكبوتة بفعل سلطة المجتمع والزوج.. وأنه دائماً كان ينظر إليها على أنها ضلع قاصر ومخلوق ضعيف، الأمر الذي ولد لديها شعوراً بالتحدي مع أول فرصة استطاعت أن تتنفس فيها نسائم الحرية.. لذلك اتجهت إلى قرار الابتعاد عن سلطة الزوج هذه المرة بدون خوف وبدون قلق على مستقبلها ومستقبل معيشتها، ولقمة عيشها التي كان الزوج يعرضها للإذلال مقابلها..

وفيما يتعلق بمشهد القسوة في قرارها والذي يؤدي إلى ابتعاد الأولاد عن والدهم وحرمانهم من تربية الأب، ترى هذه الصحفية، أن المرأة لا تعتقد أن الرجل له دور كبير في تربية الأولاد، فهي تفترض أن الكثير من النساء قد يترملن في سن صغيرة ومع ذلك يستطعن تربية أولادهن والمحافظة على أنفسهن..

رأي ذكوري

يقول السيد "ع ، م"، اللاجئ في ألمانيا منذ نحو عام ونصف، أنه شخصياً بدأ يعاني في علاقته مع زوجته منذ قدما إلى ألمانيا.. أصبح صوتها يرتفع عليه وصارت أكثر حدة وقوة من ذي قبل، لكن الأمور لم تصل إلى الطلاق ويعبر عن اعتقاده أنها لن تصل..
 
ويعزو السبب إلى أن الرجل الشرقي، الذي قرر الهجرة إلى أوروبا، يجب أن يأخذ باعتباره أنه انتقل إلى مجتمع مختلف تحوز فيه المرأة حقوقاً أكثر من الرجل، وبالتالي يجب عليه أن يفرمل الكثير من سلوكياته السابقة.. ويرى أنه مدرك لهذه الأمور وبدأ يتعامل مع زوجته انطلاقاً من هذه الحقيقة الجديدة.. لكنه أكد أنه لم يعد يود زوجته كما في السابق عندما كانت مطيعة في كل شيء ودافئة في علاقتها الأسرية، ويرى أنها الآن باتت مخلوقاً يخلو من الرقة والعطف اللذين كانت تتمتع بهما عندما كانت تعيش معه في سوريا..
 
ويرى السيد "ع ، م" أخيراً، أن أغلب حالات التشتت الأسري لسوريين في ألمانيا مرجعها إلى هذا السبب، وقلة منها مرتبط بشذوذ المرأة التي تريد أن تبحث عن حياتها الشخصية ومتعتها بالمال الإضافي الذي ستحصل عليه في حال طلبها للطلاق.. مشيراً إلى أن هذه الحالات نادرة ومع ذلك هي الأكثر فضائحية نظراً لبشاعة قصصها.. ما يدفع الآخرين لتعميم هذه القصص على كل السوريات..

ترك تعليق

التعليق