مخيم درعا.. من حي يذخر بالحركة والنشاط إلى مكان مليء بالركام

كان مخيم درعا للاجئين الفلسطينيين والنازحين من الجولان السوري المحتل، واحداً من أهم أحياء مدينة درعا، وأكثرها حركة ونشاطاً منذ نشأته في خمسينات القرن الماضي. فالحي يضم مزيجاً متجانسا من السوريين والفلسطينيين الذين توطدت بينهم علاقات المحبة والأخوة وجمعهم المصير الواحد، بعد أن شردهم من ديارهم عدو واحد، هو العدو الصهيوني، في أربعينيات وستينيات القرن الماضي، فشهدت حياتهم وعلى مدار العقود الماضية، بعض الاستقرار، ولكنها كانت لا تخلو من بعض  التهميش، في كثير من جوانبها.

ومع انطلاقة الثورة السورية، ثورة العزة والكرامة، لعب المخيم دوراً مميزاً وهاماً، في مختلف مراحل الثورة، وتطوراتها، لذلك انصب حقد قوات النظام عليه، لتتحول معظم أحيائه إلى أثر بعد عين، بعد أن كان يعج بالحركة والنشاط.

ويشير الناشط  الإعلامي، أيهم السعيد، وهو من سكان المخيم، إلى أن سكان مخيم درعا "لم يقفوا مكتوفي الأيدي حيال ما حدث في درعا تزامناً مع انطلاق الثورة السورية، قبل خمس سنوات، فقد ناصروا أبناء درعا في ثورتهم على الظلم والاستبداد، باعتبارهم جزءاً من النسيج الاجتماعي فيها"، لافتاً إلى أن المخيم بسبب اكتظاظه بالسكان، وتداخل شوارعه وضيق أزقته، كان المأوى الآمن للمطلوبين من جانب السلطات الأمنية من أبناء درعا، وفيه أُنشئ أول مشفى ميداني لعلاج الجرحى والمطلوبين، كما أنه كان أول حي في مدينة درعا خرج عن سلطة قوات النظام.

وقال السعيد "إن المخيم تعرض ومازال يتعرض جراء ذلك إلى قصف شديد وعنيف من قبل قوات النظام وطائراته الحربية والمروحية، ومختلف صنوف الأسلحة والذخائر، ومؤخراً من قبل الطيران الحربي الروسي، حتى اختفت بعض أحيائه، وأصبحت ركاماً"، لافتاً إلى أن المخيم خسر الكثير من سكانه نتيجة عمليات القنص، بسبب قربه من قطع قوات النظام العسكرية ومراكزه الأمنية، وبسبب انكشاف حركة الأهالي داخل المخيم لعناصر قوات النظام وقناصاته، التي كانت تستهدف كل متحرك في المخيم"، كما قال.

وأكد السعيد أن "مخيم درعا تعرض لنحو أربعة اقتحامات متتالية من قبل قوات النظام ومرتزقته"، لافتاً إلى أن الاقتحام الأخير  كان الأعنف بينها حيث عمدت قوات النظام وأجهزته الأمنية إلى حرق أغلب المنازل بما فيها من أثاث، بمواد شديدة الاشتعال، لم يتمكن أحد من إطفائها ليصبح نحو 85 بالمائة من منازل المخيم مهدمة تماماً وغير قابلة للسكن، فيما الباقي تهدم بشكل جزئي".

وقال السعيد "ونتيجة لما قام به النظام من أعمال عنف ضد المدنيين من سكان المخيم نزح معظم سكانه نحو المناطق الآمنة، ومنهم من تمكن من الهجرة إلى خارج سوريا، عن طريق النظام الذي سهل ذلك، وقدم خدمة كبيرة للكيان الصهيوني في هذا الشأن"، لافتاً إلى أن المخيم قدم حوالي 550 شهيداً منذ اندلاع الثورة السورية ونحو 300 معتقل وعدداً كبيراً من الجرحى جلهم من الفلسطينيين والسوريين على حد سواء".

أبو أحمد، أحد المعنيين بقطاع الخدمات داخل المخيم، أشار إلى أن "المخيم شأنه شأن معظم المناطق السورية المشتعلة يعاني من ظروف إنسانية صعبة في ظل الاستهداف اليومي"، لافتاً إلى أن العائلات التي بقيت فيه تعاني من فقدان الخدمات الضرورية لاستمرار الحياة، فالمخيم يفتقر للمياه والكهرباء والخدمات الطبية والعلاجية التي كانت تقدمها دائما /الأونروا/، ولكن الآن لا أحد يقدم أي نوع من الخدمات، والأهالي يعتمدون على أنفسهم في ذلك وعلى نفقتهم الخاصة، حيث يشترون صهريج المياه بنحو 3500 ليرة سورية أسبوعياً، وهو ما يفوق إمكاناتهم المادية، في ظل توقف حركة العمل والإنتاج وانتشار البطالة في مدينة شبه مدمرة".

ودعا المنظمات الإنسانية والدولية إلى الالتفات لهذا المخيم وتقديم المساعدات والخدمات الضرورية التي كانت تقدم له سابقاً, والعمل على تحسين واقع الأسر المتبقية في المخيم، التي تعاني من ظروف سيئة في ظل حصار قوات النظام للمخيم.  

أبو قاسم، 50 عاماً، وهو أحد سكان المخيم، قال: "عندما اشتد القصف على المخيم، حاولنا الذهاب إلى مكان آمن أو الخروج من سوريا عبر الأردن، ولكوننا فلسطينيين فلم يسمح لنا بالدخول، لكن أحد أبنائي استطاع أن يدخل ولا أعرف الطريقة التي تمكن فيها من ذلك، والآن أصبح في كندا، تم تهجيره عن طريق المنظمات الدولية، وهو يعيش مع أسرته هناك".

فيما أكد نصار، 41 عاماً، أنه "حاول اللجوء إلى الأردن في بداية النزوح من درعا كونه سوري، ويحمل وثائق سورية، لكنه لم يستطع ترك والدته الفلسطينية خلفه، لأن السلطات الأردنية لم تسمح لها بالدخول، فعاد أدراجه إلى المخيم، ومن هناك انتقل للعيش في ريف درعا الغربي، حيث مازال يسكن هناك ويعمل في الزراعة مع أسرته المكونة من خمسة أفراد".

يشار إلى أن مخيم درعا يعتبر أحد أحياء مدينة درعا الشرقية، وتتداخل منازله مع منازل درعا المحطة، ويتميز بضيق شوارعه وكثافة بنيانه، وهو يمتد على نحو أربعين دونماً، وصل عدد سكانه في فترة ما قبل الثورة إلى أكثر من 60 ألف نسمة، يقطنه لاجئون فلسطينيون، ونازحون سوريون، ومواطنون من أبناء المدينة، وقد كان هذا الحي من الأحياء المهمشة من قبل السلطات السورية قبل الثورة، وكانت كل الخدمات تقدم له عن طريق المنظمات الدولية، لكن الخدمات توقفت تزامناً مع اشتداد أوار الثورة، وتواصل القصف حيث لم يتبق فيه سوى 514 أسرة من بينها 264 أسرة فلسطينية. 

ترك تعليق

التعليق