في سوريا.. "حريري واحد" لا يكفي


كان متحمساً، على خلاف الكثيرين، لدور رجال الأعمال السوريين في صياغة مستقبل سوريا، ونحن على أعتاب مرحلة، تُبدي المؤشرات أنها تقترب من لحظة الحل للصراع المسلح في البلاد، وما يعنيه ذلك لاحقاً، من الدخول في عالم السياسة والاقتصاد، بعد أن يذوي عالم الصراع المسلح.

د. أسامة قاضي، يعتقد أن دور البورجوازية السورية في تأسيس سوريا التي نعرفها، في عهد الفرنسيين، والجلاء الذي تلاه، يمكن أن يتكرر اليوم، وإن بصيغ مختلفة.

ويذهب الخبير الاقتصادي الدولي، المتخصص، إلى أن من مسؤوليات الساسة السوريين في "المرحلة الانتقالية" المُنتظرة، التواصل مع رجال الأعمال السوريين، وجذبهم، كي يلعبوا دورهم المأمول في الإعداد لمرحلة إعادة الإعمار، وكي يكونوا حجر الأساس في هذه المرحلة.

وعلى خلاف آراء الكثيرين، يراهن قاضي على رجال الأعمال السوريين، ويصف الكثير منهم بـ "الوطنيين"، ويطالب بتغيير النظرة حيالهم، لكنه يؤكد على عدم صوابية نظرية "حريري سوريا" المُتداولة في أوساط بعض رجال الأعمال والدول، ذلك أن سوريا بحجمها الجغرافي والديمغرافي، لا يمكن أن يديرها رجل أعمال واحد، كما أن السوريين لن يقبلوا، بعد كل ما عانوه، أن تكون سوريا في قبضة رجل واحد، من جديد.

لكن ذلك لا ينفي أن من المناسب لسوريا المستقبل، أن يلعب رجال الأعمال السوريين، جميعهم، باستثناء المتورطين في جرائم النظام، دورهم الواجب في إعادة الإعمار، والتأسيس لمستقبل البلاد المأمول.

نترككم مع رؤية د. أسامة قاضي، رئيس "مجموعة عمل اقتصاد سوريا"، والأكاديمي الاقتصادي المتخصص، بما امتلكه من خبرة عملية ونظرية في السنوات القليلة الماضية عبر الإشراف على إعداد عشرات التقارير الميدانية المتخصصة عن واقع الاقتصاد السوري، واستشراف مستقبله.

رؤية د. أسامة قاضي

قبيل وبعد الاستقلال.. دور البورجوازية السورية

إن دور الصناعيين ورجال الأعمال السوريين بالغ الأهمية في بناء سوريا بعد البدء بدخول المرحلة الانتقالية، ودور البرجوازية السورية الوطني ليس جديداً فأمثلة مساهمتهم في النهوض بالاقتصاد الوطني قبيل وبعد الاستقلال السوري كثيرة وأكثرها شهرة إقامة الشركة الخماسية التي كانت تنافس في حينها أعظم الشركات العالمية في صناعة النسيج والصباغات، فالمعروف أن الأستاذ لطفي الحفار (1885-1968) كان من أوائل من طرح تأسيس شركات مساهمة في افتتاح المنتدى التجاري في دمشق في تشرين الأول 1908، وكذلك قام بالنهضة الصناعية مجموعة من الصناعيين السوريين في منتصف القرن الماضي مثل دياب إخوان، وعادل الخجا، وأنور قطب، وياسين دياب، إضافة إلى كبار الصناعيين ومن أشهرهم وهبي الحريري، أنور قصاب باشي، كامل هيكل، عبد القادر شبارق، سامي صائم الدهر صاحب أول معمل للصناعة التحويلية في سوريا وغيرهم.

البعث حوّل البورجوازية إلى شتيمة

قام النظام ببث الروح السلبية ضد البرجوازية كمصطلح –وكأنها شتيمة- وصنّفها على أنها طبقة غير منتجة، ومعادية لأفكار البعث المبشرة بالاشتراكية!!، وكأنها في صراع مع الشعب، بينما واقع سوريا أن ثلثي العمالة السورية تعمل لدى القطاع الخاص "البرجوازي"، والتاريخ الأوربي يشير إلى أن الطبقة البورجوازية هي التي قامت بالثورة الفرنسية – التي يتغنى بها المثقفون السوريون- بتحالف مع طبقة العمال والفلاحين، والتي استطاعت الإطاحة بطبقة النبلاء ومن والاهم، لذا يستحب تغيير النظرة السلبية للبرجوازية الوطنية في قابل الأيام.

تمثيل حقيقي مأمول في غرف الصناعة والتجارة مستقبلاً

يقع على عاتق الصناعيين ورجال الأعمال السوريين القيام بإعادة إعمار سوريا خاصة في المراحل الأولى، وسيكون دورهم الفعلي والاستشاري في ظل الحكومة الانتقالية مهماً للغاية من خلال غرف الصناعة والتجارة التي ينبغي أن تتمتع في المستقبل بتمثيل حقيقي، بحيث تساعد في صياغة القوانين اللازمة للترحيب بالرأسمال الوطني والأجنبي ضمن شروط تأخذ في عين الاعتبار خلق فرص للعمالة الوطنية، والسرعة والاتقان في الإنجاز، والشفافية.

دول تحاول تصنيع أشباه للـ "الحريري" في سوريا

هنا لابد لفت النظر لمسألة هامة، وهي الفكرة المتداولة  لدى البعض المعروفة بـ "حريري سوريا" تقليداً للتجربة اللبنانية، ويجدر التذكير هنا أن مساحة سوريا تبلغ 17 ضعف مساحة لبنان، وتركيبتها الجغرافية والسكانية ومواردها الطبيعية وحجم سكانها مختلف عن لبنان، ولا أعتقد أن سوريا ستحتاج رجل أعمال واحد كبير مدعوم إقليمياً كما يحلو لبعض رجال الأعمال –أو بعض الدول وهم يحاولوا تصنيع أشباه رجال الأعمال- أن يتخيلوا على طريقة الحريري (رحمه الله)، بل إن سوريا ستحتاج للكثير من رجال الأعمال السوريين الوطنيين ليلعبوا ذلك الدور الوطني للنهوض بالاقتصاد السوري كما فعلت البرجوازية الأوربية في بناء أوربا، والسوريون في عصر الحريات لن يقبلوا باحتكار السوق لصالح أي رجل أعمال مهما كان، ولكن سيكونوا ممتنين للدور الوطني لكل رجال الأعمال السوريين الذين يعيشون داخل أو خارج سوريا، ولديهم من العلاقات المهمة والخبرات التراكمية التي يجب أن تستفيد منها سوريا في عملية التنمية، ضمن إطار الحكم الرشيد والشفافية.

رجال أعمال غادروا منذ التأميم.. يجب استعادتهم

سيكون على الحكومة الانتقالية أن تهيء المناخ التشريعي والسياسي والأمني للشراكة مع الشركات السورية والعربية والأجنبية ضمن الشروط التي تنهض بالاقتصاد الوطني، وكذلك عليها أن تتواصل مع ما أمكن من رجال الأعمال والصناعيين الذين خرجوا من سوريا منذ وقت التأميم الذي كان أول من ساهم في تدمير الاقتصاد السوري منذ ستين عاماً، وتنشر الوعي فيما يخص الرعيل الأول من الصناعيين ورجال الأعمال الذين كان لهم دور اقتصادي مهم ينبغي على الأجيال القادمة أن تعرفه.

100 رجل أعمال متعاملين مع النظام يجب حسم الموقف حيالهم

المهمة الكبرى للحكومة الانتقالية ستكون فتح نقاش جديٍّ حول كيفية التعامل مع الشركتين الاحتكاريتين الأساسيتين في سوريا في عهد النظام، ومدى تورط أعضائهما مع النظام السوري في الأعمال العسكرية وفي قمع الشعب السوري، حتى تعرف الحكومة الانتقالية مدى إمكانية التعامل معهم دون ظلم أو إجحاف بحقهم أو بحق الشعب السوري، وخاصة أنهم على الأغلب يتأهبون للمساهمة في إعادة الإعمار وبناء سوريا، ونقصد هنا شركة "شام القابضة" وتشمل 71 رجل أعمال سوري مؤسس لها، وعلى رأسها رامي مخلوف ومحمد كامل شراباتي، ويرأسها رجل الأعمال محمد نبيل الكزبري، وكذلك شركة "سوريا القابضة" والتي أسسها 23 رجل أعمال سوري وعلى رأسهم هيثم جود رئيس مجموعة جود في اللاذقية، ومن ثم انضم للشركتين مئات رجال الأعمال في مجالات الصناعة والتجارة والزارعة والخدمات.

رجال أعمال داعمين للثورة

هناك الكثير من رجال الأعمال والصناعيين الوطنيين الذين كانوا قريبين من نبض الشارع، وساهموا في الأعمال الإغاثية وغيرها، ولهم مواقف وطنية مشهود لها منذ بداية الحراك الوطني، وهم كثر من أمثال (مع حفظ الألقاب) عبد القادر السنكري، وليد الزعبي، غسان عبود، أيمن قصاب باشي، خالد محاميد، مازن صواف، يحيى القضماني، مختار عبارة، أيمن الأصفري، والكثير ممن لا نريد ذكر اسمه لأسباب أمنية، وقد حضروا بحماس مؤتمر الشراكة للاستثمار في سوريا المستقبل الذي عقدته مجموعة عمل اقتصاد سوريا بالتعاون مع الخارجية الإماراتية في دبي عام 2012، وبحضور مئات رجال الأعمال السوريين والعرب والأجانب تعهد رجال الأعمال السوريين باستثمار ما لا يقل عن خمسة مليارات دولار في سوريا فور توفر حد أدنى من الاستقرار.

ترك تعليق

التعليق