الدولار والذهب وضياع الليرة القريب

في مقالتين سابقتين كنت قد تناولت في الأولى وجود رغبة أمريكية مُبيتة، ذات طابع جمهوري، في إعادة الألق والقوة للدولار الأمريكي، بما يتضمنه ذلك من دور في جذب رؤوس الأموال العالمية، ورمزية قد تستخدم في مشاريع مستقبلية متوقعة في محاصرة الدب الروسي.

وضمَّنت المقالة الثانية وجود نوايا بدت ظاهرةً للتخفيف من النتائج المباشرة لذلك الدولار القوي على الاقتصاد الأمريكي وبالتالي العالمي، يتم وفق هذه النوايا منح الذهب فرصاً في مواجهة مدروسة مع الدولار، بما يحافظ على كليهما في لعبة "كرسي الملاذ الآمن" والعلاقة العكسية التي تكون حقيقية تارةً وصورية تارةً أخرى، مستغلين كلاهما الأوضاع غير المستقرة على الساحتين الاقتصادية والسياسية الدولية.

ضمن التحليل السابق يمكن تعليل هذا التذبذب غير الطبيعي لسعر أونصة الذهب ارتفاعاً وانخفاضاً خلال الشهرين الأولين من هذا العام /2016/، والذي بدأ هامش حركته المتذبذبة يضيق خلال هذا الشهر (آذار/2016) بين (1230-1280) دولاراً للأونصة الواحدة، وذلك –على الأغلب- بانتظار متغيرات اقتصادية جديدة، إما أن تُرجح رغبة المستثمرين بذهاب الأونصة إلى /1300/ دولار، أو تأمين استقرار مديد –نسبياً- في أسواق المال والأعمال العالمية تؤدي إلى علاقة طبيعية مع سوق الذهب، تمنحه استقراراً يستند إلى تدفقات مالية ثابتة منه وإليه.

وربما يكون منطقياً أن يحدث كلا الاحتمالين أحدهما بعد الآخر، فإذا ما حاولنا أن نربط هذين الخيارين بالزمن المتوقع لحدوثهما، فإن الميل إلى أن يكون الاحتمال الأول (السير باتجاه /1300/ دولار أمريكي للأونصة الواحدة) هو القريب، وربما يكون العاجل أيضاً، بينما يكون الاحتمال الثاني أقوى وأكثر مناسبةً للأشهر الستة القادمة بموازاة الانتخابات الأمريكية، وحتى موعد إعلان فوز الرئيس الجديد.

وإذا ما كان مبرراً ومنطقياً أن يتم الاعتراض على طول الفترة الزمنية التي يغطيها هذا التحليل نسبياً، فإنه من الواضح أن وقوع أحدهما دون الآخر، أو كلاهما بالتسلسل، أو حتى تحقيق الذهب لمكاسب مستمرة من حاجزٍ إلى حاجزٍ آخر، فإن سقف كل ذلك سيكون هو المحافظة على علاقة الدولار بالذهب كصديق لدود، في إطار تنافس تكاملي سيكون مكشوفاً بصورة أوضح في المرحلة القادمة، وبالصورة التي تم بيانها في الفقرة الأولى من هذه المقالة.

إسقاط هذه الاحتمالات على واقع الليرة السورية هو سهل للغاية، في إطار حالة التخبط والكذب الذي يعيشه مصرف سورية المركزي بإدارة (أديب ميالة)، والذي يمارس حقيقةً لصوصية وخداعاً غير مسبوقين على حساب مدخرات الشعب واحتياطيه النقدي الذي يتم استكمال استنفاده لصالح فئة محددة من موالي وأتباع النظام، والتي بيّنا العديد من صورها مراراً وتكراراً، سواء بالمزادات الوهمية أو التسهيلات الانتقائية إلى غير ذلك من أدوات دورٍ غدا مكشوفاً في الإبقاء على حالة الإحباط لدى مختلف شرائح المجتمع، غير متوافقة مع الأفق الذي منحه تطبيق الهدنة، وانطلاق واستمرار المفاوضات بين النظام والمعارضة، وكأني بالمصرف المركزي وحاكمه وأسياده في سباق حقيقي مع الزمن من أجل إهانة وتخفيض الليرة السورية ما أمكن بسرقة ما تبقى من محتويات قوتها وحرمانها من أن تكون معلماً من معالم المرحلة المقبلة.

وبناءً على ما سبق ستكون الليرة السورية المتورطة بهذه البيئة أضعف من أن تصمد، ولاسيما إذا ما خطف الذهب الأضواء وهو ما أميل إلى حدوثه في القريب العاجل، ليصبح (دولار الذهب) هو الأكثر شفافية وصدقية في جر الليرة نحو الهاوية مما يقدمه المصرف المركزي وحاكمه من بيانات.

هذا الحاكم الذي أستغرب ليس بقاءه إلى الوقت الحالي في منصبه، بقدر ما أستغرب "تطنيش المعارضة" وعلى رأسها (هيئة المفاوضات) لما يقوم به ويشرف عليه من سرقة يندى لها الجبين لأموال الشعب، بحيث لن نكون بعيدين عن خاتمة مماثلة لما جرى في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، عندما ترك (رفعت الأسد) كل شيء له في سوريا مكتفياً بحقائب حمل بها مقتنيات المصرف المركزي في التسوية التاريخية المعروفة بينه وبين أخيه (حافظ).

ترك تعليق

التعليق