اقتصاديات.. بشار والإعمار، والأصدقاء الثلاثة

بدا بشار الأسد في مقابلته الأخيرة مع وكالة "ريا نوفيستي" الروسية، أقل تماسكاً من مقابلاته التي اعتدنا عليها مع وسائل الإعلام الأخرى.. بدا وكأنه يجلس ويتحدث من تحت الكرسي وليس فوقه.. وربما توقع "سيادته" أن الصحفي الذي يقابله إنما هو مبعوث من الكرملين أو أنه صديق شخصي لـ "بوتين"، سوف يتصل به بعد نهاية اللقاء ليخبره ماذا قال بشار.

كانت علامات التوسل والتواضع بادية على ملامحه وحديثه، وفي لحظة من اللحظات كاد أن يقول: "منشان الله، أخبر بوتين أننا جاهزون لكل طلباته، المهم ألا يتخلى عني".

لقد حاول بشار أن يمارس دور الصياد الماهر، الذي يتحايل على ضحيته لصيدها بيديه، وليس باستخدام أدوات الصيد.. لكن الكلمات فلتت منه جزافاً، وبدا وكأن الصياد هو من يدعو فريسته لاصطياده.

بهذا المعنى، قدم بشار سوريا صيداً سهلاً لمن أسماهم بالأصدقاء الثلاثة، روسيا وإيران والصين، محاولاً ما استطاع، أن يسيل لعابهم على اللقمة الطيبة التي يريد أن يطعمهم إياها: "إعادة الأعمار في سوريا تكلف أكثر من 200 مليار دولار، والأولوية لمن وقف معنا من هؤلاء الأصدقاء الثلاثة، وبالذات الشركات الروسية"..

وكأنه يريد أن يوصل رسالة: "أبقوني في السلطة وسوف أمنحكم عقود إعادة إعمار سوريا"..

لكن "السيد الرئيس" لم يحضّر وجبته جيداً، فهو لم يقل: كيف ومن سيدفع تكاليف إعادة الإعمار..؟!، وخصوصاً عندما استبعد أي فرصة للدول الغنية بأن تساهم بإعادة الإعمار، كونها وقفت ضده..!!، وغاب عن ذهنه أن أصدقاءه الثلاثة "منتوفين" أكثر منه، ويعرفون جيداً أن صديقهم الرابع وبلده أصبحا على "الحديدة"..

فما الذي كان يرمي من خلاله بشار مع هذه الفكرة "الانبطاحية"..؟

لقد انطلق بشار من مقولة شعبية، أن "الطلقة التي لا تصيب قد تطوش".. معتقداً، أن بوتين يملك إحدى شركات الإعمار.. أو أن شركات الإعمار الروسية سوف تضغط عليه لإيجاد فرص عمل لها.. وهو أولاً وأخيراً، لم يعد يملك من ورقة يقايض بها على بقائه سوى إعادة الإعمار..

لكن غاب عن ذهنه مرة أخرى، أن أصدقاءه الثلاثة، الذين يشد ظهره بهم، باتوا على قناعة أن من يحول بلده إلى أرض قاحلة، لا يمكن أن يكون داعياً لإعادة إعمارها..

وفي النهاية سوريا لن يعمرها إلا أبناؤها.. وهي الحقيقة التي يدركها الجميع، أصدقاء "السيد الرئيس" قبل أعدائه..!!

ترك تعليق

التعليق