ضوء على واقع تعليم السوريين في ظل المعارضة

لم يخسر السوريون أرواحاً ومبانٍ وأوطاناً بقدر ما خسروا نسيجهم الاجتماعي والثقافي والقيمي، ولم يتوقف ما تعرض له السوريون عند حدود مخاطر القتل والتهجير، بل تعدى ذلك إلى خطر أكبر مستمر يُهدد القيم التي تربوا عليها وصولاً إلى خسارة مستمرة في الرصيد العلمي والتعليمي، لجيل كامل لم يُنظر إليه بصورة جدية إلا من بوابة الحاجات الإغاثية من المأوى والمأكل والمشرب؛ في ظل تقاعس مقصود لجعل هذا الشعب يدفع كل الأثمان، ويخسر كل ما يمكن أن يخسره، كنتيجة للجريمة الكبرى التي أقدم عليها عندما انتفض يطلب ويضحي في سبيل أن يعيش حراً كريماً.

وكما تم التلاعب بدماء هذا الشعب حيث غدت تلك الدماء – من حيث النتيجة- ورقة لعب إقليمي ودولي، يستخدمها كل طرف في إطار توظيف خاص بمصالحه، عدا عن ركوب الكثيرين موجة الثورة وتحويل القضية السورية إلى مصدر ارتزاق لهم ودون طائل، تحت ستار إنسانيٍ نبيل؛ فإن عقول السوريين كانت ضحية أخرى عملت أغلب هذه الأطراف وكثير من هؤلاء الراكبين على البيع والشراء بها، بأسلوب لا يقل انحطاطاً عن أي صورة أخرى من صور استغلال الحالة السورية.

وإذا ما كانت المشكلة السورية في أساسها سياسية وعسكرية، وثمة بوادر إلى تقديم حلول لها انطلاقاً من هذا الأساس، فإنه ثمة تقاعس عن قصد أيضاً، في تقديم خطة شاملة لكل السوريين تستهدف انتشال هذا الجيل من مستنقع التجهيل والتهميش العلمي الذي تم إيقاعه به.

فالنظام الذي عودنا على الرضوخ وربط ما يقدمه للمواطنين بما يأخذه منهم ولاءً وفساداً، لم تكن المعارضة في مجال التعليم كما في بعض المجالات الأخرى إلا صورة مسخاً عنه في ظل استقطابٍ سياسي ومصلحي ضيق وفسادٍ غدا مفضوحاً للجميع، وذلك منذ أن قدمت هذه المعارضة للنظام خدمةً كبيرة عندما لم تفرض عليه أن يستمر في تحمل مسؤولية وأعباء خدمة التعليم ورواتب الكوادر الموظفة في المؤسسات التعليمية في المناطق التي خرجت عن سيطرته، كما هو الحال بالنسبة لموضوع الكهرباء والماء مثلاً والكثير من أوجه المصالح الأخرى.

واستمراراً في تجسيد صورة المسخ، ربطت المعارضة أي نشاط تعليمي حقيقي للسوريين في الداخل سواء في مناطق سيطرتها، أو في المناطق التي خسرتها بدورها لصالح أطراف عسكرية أخرى، بما يمكن تحصيله من عوائد ومنافع مادية وأخرى تتعلق بالولاء السياسي الضيق، في تكرار نمطي لعقلية النظام وأسلوبه، لتساهم هي الأخرى في مذبحة السوريين الحقيقية على تراب الوطن.

ولم يتوقف نشاط هؤلاء المعارضين في مشروع التخريب التعليمي والتربوي الممنهج عند حدود الوطن السوري، بل لاحقوا السوريين في دول اللجوء، وقاموا باستثمار واستغلال حاجتهم إلى تأمين سبل مقبولة لتعليم أبنائهم ولا سيما في (تركيا)، فقاموا بافتتاح مدارس بأقساط شهرية وأجور عالية للنقل، وحققوا استثماراً "مافياوياً" دنيئاً، تخللته أكبر عملية تزوير للشهادات العلمية في تاريخ البشرية، وفي ظل استقطاب شعاراتي مصلحي تحت علم الثورة السورية أو غيره من الانتماءات السياسية الضيقة، الذي ساهم في تخبط تعليمي غير مسبوق، سواء فيما يتعلق بالمناهج أو بتعدد أنواع الشهادة الثانوية التي وجد الشباب السوريون أنفسهم عرضة لتضييع الوقت والجهد والمال بين واحدة وأخرى.

وإذا ما كانت الحكومة التركية قد تدخلت فعلاً لوضع حدٍ لبعض تلك المظاهر، فإن جهدها –حتى الآن- لم يكن على مستوى استيعاب جميع الأطفال والطلبة في المرحلة الأساسية والثانوية، وما تزال مشكلة أجور النقل تؤرق الكثير من العوائل السورية، ولا سيما تلك التي لديها أكثر من طفل أو طالب.

ولم يتوقف الأمر عند المدارس والتعليم الأساسي والثانوي، بل وجدنا المعارضين أيضاً في التعليم الجامعي، يفتتحون الجامعات، الواحدة تلو الأخرى، ولا أريد هنا أن أُذكِّر بالمعروف من قصص النصب والاحتيال التي مورست وتمارس تحت أنظار المعارضة بحق الطلبة التواقين لمتابعة دراساتهم الجامعية في تركيا، وعلى علم ومسامع جميع الأطراف صاحبة الشأن.

وقد وصل الأمر بالنسبة لبعض الجهات إلى ما يشبه توزيع الشهادات العليا مقابل المال وحضور ما تيسر من المحاضرات، فلم يعد غريباً أن تنال شهادة الدبلوم في العلوم السياسية بحفنة من الدولارات في غضون شهر ودون امتحان، أو أن تصبح أستاذاً في الموارد البشرية وتحمل ماجستيراً في العلوم الإدارية، دون أن يكلفك ذلك أكثر من (ألف دولار) وبعض الوقت، حتى مسمى (الدكتوراه) وفي أي علم ترغبه أصبح أمراً متاحاً، وتم حل عقدة الكثيرين فيما يتعلق بشبقهم لوجود حرف (د) قبل أسمائهم الثورية اللماعة بالحصول على شهادات الدكتوراه الموقعة من جامعات "فضائية".

حتى المنح التعليمية التي قدمتها المنظمات الدولية لم تخل من الفساد والبيع والشراء، ولم يكن البرنامج العربي الذي تم تطبيقه في جامعة (غازي عينتاب) بعيداً عن دوائر الاستقطاب نفسها، والشد والجذب، وكأن الله سبحانه وتعالى لا يريد أن يمنَّ علينا بحرماننا في أرض اللجوء من النظام وروائحه الكريهة، بل - ولا أبالغ - من نفس الوجوه والملامح "البعثية السورية" و"الدينية" التي قرفناها في بلادنا.

ترك تعليق

التعليق