متى سيتم الحجر الاقتصادي على نظام الأسد؟!

قبل الثورة، كنا ندرك ونعي سيطرة النظام بصورة مباشرة وبأشكال غير مباشرة على المقدرات الاقتصادية للبلاد، وقيامه بتأمين طبقة اقتصادية طفيلية شكلت رافداً له في تسلطه على الشعب السوري. ولدينا تصورات كاملة عما تعرضت له الدولة ومؤسساتها من نهب مستمر من قبل النظام ونخبته الحاكمة عبر حرمان موازنتها من الكثير من الموارد المالية التي ترتكز إلى ثروتها الطبيعية والنفطية، أضف إلى ذلك موضوع التهريب الذي شكل في ظل النظام معلماً مهماً من معالم استنزاف مقدرات الدولة لصالح شرائح موالية وفاسدة.

بعد انطلاق الثورة، كان من المآسي التي زادت من معاناة شعبنا السوري، هو استمرار تمتع النظام بسمة اعتباره الجهة الرسمية الوحيدة التي تمثل الدولة السورية فيما يتعلق بالكثير من النشاطات والخصائص السيادية.

 فعدا عن كونه الجهة التي تصدر وتتحكم بكل ما يتعلق بالاعتراف الخارجي بوجود الإنسان السوري من وثائق، ظل متمتعاً باستقلالية كاملة في التحكم بمقدرات البلاد الاقتصادية في مناطق سيطرته، أو تلك التي ترتبط برمزية الدولة، وذلك دون فرض أي ضوابط تقيد من هدره واستغلاله لتلك المقدرات والثروات الوطنية، والتي جندها بصورة مباشرة في حربه التي شنها على شعبنا.

كما بقي النظام متمتعاً بل ومتمادياً في اتخاذ إجراءات وقرارات تؤدي إلى تحميل مؤسسات الدولة المختلفة أعباء توظيف مؤيديه، واختيار البدائل ذات القيمة المالية المقدمة كضمانات للائتمان الخارجي ولا سيما الإيراني، والتي تم تأكيدها عبر المؤسسة التشريعية المسماة "مجلس الشعب".

هذا البيع الإقليمي توازى مع ما قام به النظام عبر شخص حاكم مصرف سورية المركزي "أديب ميالة" من سرقة موصوفة لمقدرات البلاد من الاحتياطيات الأجنبية في المصرف المركزي، تحت غطاء معركته مع "طاحونة الهواء" التي ادعى فيها باستمرار أن حماية الليرة السورية هدف لها؛ أضف إلى النشاطات التي تم الكشف عنها مؤخراً في (أوراق بنما)، والتي تمثل دليلاً على صحة ما كنا نتداوله من سرقات بمليارات الدولارات قامت بها عائلة الأسد وأخرجتها كرصيد مالي خارجي تستعمله في زمن الملمات.

وإذا كنت قد أَثَرت بمصطلح (الحجر الاقتصادي) اعتراضاً ما من قبل القانونيين الدوليين أو حفيظتهم، فإنني أقول لهم ببساطة أن وجود مثل هكذا نظام في تاريخنا البشري يستدعي أن نخترع لأجله مثل هكذا مفهوم بل وأن نعيد الاعتبار لكثير من المفاهيم القانونية الشخصية بمنحها بعداً سياسياً ودولياً قادراً على استيعاب نظام بشار الأسد، أو –على الأقل- أن تكون لدينا خطة عمل تقوم على محتوى يوازي مفهوم (الحجر) بطبيعته القانونية والآثار الناشئة عنه.

أما بالنسبة لأولئك الواقعيين (البراغماتيين) الذين يمكن أن يجدوا في هذه الفكرة شيئاً من الخيال، فإنني أذكرهم فقط، بما كانوا ينعتون به كل من كان يتوقع أن يحدث في يوم من الأيام ثورة في "سوريا الأسد".

لقد أثبت نظام بشار الأسد، وبكل وسائل الإثبات: الوطنية والإقليمية والدولية، عدم أهليته بل عدم شرعيته أساساً في إدارة مقدرات البلاد كسلطة معترف بها دولياً، وأصبحت جرائمه الاقتصادية لا تقل فداحةً وآثاراً عما يستمر في اقترافه بحق الشعب السوري من جرائم سياسية وعسكرية.

 وأصبح من الضروري جداً تكريس الجهود لبناء هيئة وطنية من الكفاءات والخبرات الاقتصادية، تقوم بشرح أبعاد ما قام ويقوم به النظام من هدر ونهب واستخدام غير مشروع لمقدرات البلاد، وتجميع الأدلة والإثباتات، وإعداد الملفات والاستعداد لتحريك دعاوٍ تجعل من الشق الاقتصادي في محاكمة هذا النظام رافداً مهماً لنجاة سوريا المستقبل من الكثير من الأعباء الداخلية والخارجية التي استمر النظام بتكبيل مستقبلنا بها.

ترك تعليق

التعليق