ثلاثة أثرياء سوريين.. ثرواتهم، ونظرتهم لمستقبل إعادة الإعمار في سوريا

 تناولت صحيفة بلومبيرغ في تقريرٍ لها الدمار الحاصل في سوريا نتيجة الحرب، والذي يشبه إلى حدٍ كبير الدمار الذي نتج عن أي حرب أهلية في القرن الماضي، فقد تم تجريف مدنٍ بكاملها، وتدمير شبكات المواصلات ومياه الشرب، بالإضافة إلى الأضرار الجسيمة التي لحقت بالمدارس والمستشفيات، وأخيراً وليس آخراً تشريد وقتل ملايين الناس، وتقدر الخسائر الاقتصادية للاقتصاد السوري بنحو 60 مليار دولار، حسب وصف الصحيفة.
 
ووفق ترجمة للتقرير، نشره موقع "سوريات"، قالت "بلومبيرغ": مع دخول الصراع الدامي السوري عامه السادس، ووصول القنابل إلى مناطق خاضعة لسيطرة النظام لم تكن لتصلها من قبل إلا نادراً، بينما تدك الطائرات الأحياء التي تسيطر عليها قوات المعارضة، وصف رجل الأعمال السوري وليد الزعبي عملية إعادة البناء بالممكنة في حال تم التوصل لنوع من التسوية السلمية.

وقال الزعبي (51 عاماً) وهو يحتسي القهوة في فندقه في مدينة دبي: "إذا تحقق الاستقرار يصبح من السهولة بمكان تحقيق أي شيء", ووصف المفاوضات الجارية في جنيف، بـ"الفيلم".

تتابع بلومبيرغ تقريرها بالقول: إن الدبلوماسيين هم فقط من يتفاؤلون بنهاية وشيكة للحرب السورية، وإن حدث ذلك، فإن البلاد ستكون بأمس الحاجة إلى المهاجرين الأثرياء من السوريين, وذلك لدعم جهود إعادة الإعمار, ومنح الاقتصاد الوطني جرعة حياة قبل أن تتلقفه الشركات الأجنبية وتبدأ عملية الاستثمار.

 وتشير الدراسات إلى أن الاقتصاد بحاجة لنحو 200 مليار دولار ليعود لما كان عليه قبل الحرب.

أسماء ٌثلاثة

هناك العديد من الأسماء الراغبة بلعب دورٍ في عملية إعادة الأعمار، سواءً مالياً أو سياسياً, ومنهم الزعبي، العضو في اجتماع لجنة المفاوضات العليا مع الأمم المتحدة والمعارض لـ بشار الأسد.

(ثروات ثلاثة من الأثرياء السوريين حسب بلومبرغ)

 بالإضافة إلى الزعبي, هناك أيضاً أيمن أصفري، 57 عاماً, وهو الرئيس التنفيذي لمجموعة بتروفاك المحدودة ومقرها لندن، ونبيل الكزبري صاحب أكبر مؤسسة لتجميع الورق في فيينا، وقد كان الأصفري من أشد معارضي الأسد بينما كان للكزبري علاقات تجارية مع الأسرة الحاكمة في دمشق، والذي كان قد أكد أنه على أتم الاستعداد للاستثمار في "الجانب الإنساني" خلال مرحلة إعادة الإعمار.
 
من جهته قال سامر عبود, أستاذ التاريخ في جامعة أركاديا قرب فلادلفيا, في نفس التقرير الذي ترجمه موقع سوريات: "إن وجود مثل هؤلاء المستثمرين يضفي قدراً كبيراً من الشرعية على عملية إعادة الإعمار, فهناك الكثير من الفرص, وبالتأكيد يلزمنا المال لتحقيقها".

وفي مقارنة بين هذه الثروات وتأثيرها المحتمل وثروة رئيس وزراء لبنان الراحل والملياردير رفيق الحريري، هذا الرجل الذي قاد عملية إعادة إعمار بيروت وباقي لبنان، وذلك بعد الحرب الأهلية التي استمرت لحوالي 15 سنة، وانتهت في عام 1990، يبدو الوضع في سوريا معقد نوعاً ما، وخصوصاً بسبب مصالح إيران وروسيا إلى جانب الأسد من جهة، والسعوديين والأمريكيين من جهة أخرى.

الموت والدمار

ووفقاً لقرير صادر عن البنك الدولي في نيسان الماضي، فمنذ انطلاق الاحتجاجات ضد نظام بشار الأسد في شهر آذار من عام 2011، قتل حوالي 280 ألف شخص، وفر ما يزيد عن نصف السكان من منازلهم، بالإضافة إلى تدمير ما تقدر قيمته بـ80 مليار دولار من ثروات البلاد، في حين أكد الأسد خلال الأسبوع الماضي أنه "سوف يحرر كل شبر من سوريا".
 
شيئاً فشيئاً تتضاءل الحظوظ في التوصل إلى اتفاق سياسي أولي هذا الصيف، بينما تزداد فرص بقاء الأسد في السلطة بشكل أو بآخر، وفي كل مرة يكون هناك تلميح إلى وجود تسوية محتملة، آخرها كانت مفاوضات جنيف والتي بدأت بالكثير من الوعود لوقف إطلاق النار قبل المماطلة، والتحول بالحديث إلى جهود إعادة الإعمار الضخمة.

وبهذا الصدد، قال الأصفري في مقابلة مع بي بي سي بتاريخ 18 كانون الأول، إن الحل الوحيد لما يجري في سوريا هو التوافق على فترة انتقالية طويلة من دون وجود الأسد في السلطة، وقد وصف بلاده "بالمريض الذي ينزف ويموت يومياً"، وإذا لم يرى الناس مرحلة انتقالية ذات مصداقية، فإن الأمور لن تأتي الى نهاية.
 
وكان الأصفري قد نأى بنفسه عن الانضمام للمعارضة التي وصفها بالمشرذمة، وقال خلال حضوره حفل كارنيجي للمؤتمر الدولي للسلام في شهر تشرين الأول الماضي أن لا "النظام" ولا "الأشخاص في المعارضة" لهم أي شرعية سياسية.
 
(أيمن الأصفري)

وتمر الصحيفة في تقريرها على تاريخ الأصفري، والذي كان ابناً لأحد السياسيين، وأمضى معظم سنيي حياته خارج سوريا، وتلقى تعليمه كطالب في الهندسة في إحدى جامعات الولايات المتحدة، وبدأ العمل كمهندس للمقاولات في عُمان، وبعدها عمل لصالح شركة عمانية أخرى وقعت عقد شراكة مع شركة بتروفاك في عام 1986، العام الذي شهد انطلاقة هذا الرجل ليجمع ثروة تقدر قيمتها بنحو المليار دولار حسب مؤشر بلومبرج للمليارديرات.

وقد كان لنفس الشركة "بتروفاك" محطات لاستخراج الغاز في سوريا.

وأكد الأصفري خلال حديثه في مؤتمر كارنيجي، أنه لا يتوقع "الجنة" بعد ذهاب الأسد، مشدداً في الوقت ذاته على هناك قدراً هائلاً من النية الحسنة عند السوريين في الخارج، وأن معظم هؤلاء يريدون العودة والاستثمار في بلدهم، وأنه "سيكون في طليعة هؤلاء العائدين"، وقال أن هناك مذكرة توقيف سورية صادرة بحقه في عام 2013 بتهمة تمويله لنشاطات معارضة لحكم الأسد.

أما نبيل الكزبري، فعلى النقيض من ذلك، ظل أكثر حياديةً، وذلك وفقاً لرشاد قطان، محلل في المخاطر السياسية والأمنية ومشارك من جامعة سانت أندروز في اسكتلندا.

وتبلغ ثروة الكزبري، الذي يعيش في فيينا، حوالي 300 مليون دولار، وذلك حسب مؤشر بلومبرغ، وأكد على نيته إعادة الاستثمار في وطنه الأم سوريا.

وقال الكزبري في إجابة منه على بعض الأسئلة الواردة له عن طريق البريد الالكتروني، الأسبوع الماضي، إن سوريا بحاجة إلى رجال الأعمال ممن لديهم الجرأة والاستعداد لتحمل المخاطر المحسوبة اللازمة لإعادة إعمار البلاد، وقال: "إن العائد الاستثماري سوف يكون عالٍ جدٍ، سواءً من حيث الموارد المالية أو من حيث القيام بعمل إيجابي والبناء في الوقت نفسه"، وأضاف قائلاً: "ما زلت أعتقد أن أحدنا يستطيع فعل الخير وتحقيق الربح في نفس الوقت".
 
(نبيل الكزبري)

ولا يمكن للصحيفة أن تكمل تقريرها دون أن تمر على تاريخ الكزبري فتقول: "الكزبري مواطن دمشقيٌ، غادر سوريا في شبابه لدراسة الهندسة قبل أن يعود إليها في الستينيات من القرن الماضي لتولي الجيل الثاني من الأعمال الورقية الخاصة بعائلته، والتي تسمى اليوم بـ "Vimpex". وفي نيسان من عام 2011، شغل أيضاً منصب رئيس مجلس إدارة شركة شام القابضة في سوريا، وهي المجموعة الواسعة الانتشار والتي يسيطر عليها ابن خال بشار الأسد، رامي مخلوف. ولهذا السبب وجدت جمعية الكزبري نفسها تحت مقصلة العقوبات المفروضة أمريكياً، والصادرة في 18 من شهر أيار من ذلك العام. وقال محاميه أنه تم إلغاء شمله بقائمة العقوبات بعد أن اعتبر أنه لم يكن لديه أي مزايا قانونية".

وقال القطان: "إن انشقاق الكزبري عن النظام غير واضح كفاية، فلم يصدر أي تصريح منه أنه ضد نظام الأسد".

أما الزعبي، فهو مهندس مدني من مدينة درعا جنوبي البلاد، المحافظة التي أطلقت شرارة الثورة ضد نظام الأسد، هذا المهندس الذي غادر سوريا في عام 1988 للعمل في دولة الإمارات العربية المتحدة، للعمل في وظيفة تغطي مصاريف أجرة البيت والسيارة بالإضافة إلى مبلغ 2000 درهم إماراتي شهرياً، أي ما يعادل حوالي 540 دولار شهرياً.

وبعد ثلاث سنوات، بدأ عمله الخاص، وقد بدأ ببناء هياكل صغيرة مع المحلات التجارية على مساحة صغيرة من الأرض، وبناء وحدات سكنية صغيرة، قبل أن يمتلك شركة ضخمة تعمل في العقارات والمقاولات والضيافة والصناعة والتعليم.

وتبلغ قيمة امبراطورية الزعبي الآن أكثر من 750 مليون دولار حسب مؤشر بلومبرج، على الرغم من أنه يقول، أن صافي ثروته يتجاوز وبسهولة حاجز المليار دولار.

ختمت صحيفة بلومبيرغ تقريرها بما قاله الزعبي خلال المقابلة التي أجراها في فندقه "سمايا" في دبي في الحادي عشر من شهر أيار، وكان قد قال إنه "لمن غير الكافي أن تتوقف الحرب ليعود أصحاب رؤوس الأموال، ويجب أن يكون هناك حكومة شفافة تعمل على تحقيق سيادة القانون وذلك لطمأنتهم وتحمي ممتلكاتهم. فالأولوية الآن هي للتعليم والرعاية الصحية لملايين الأطفال الذين تركوا التعليم وعشرات آلاف الأشخاص ممن لديهم نوع من الإعاقة الجسدية جراء الحرب، فماذا يمكننا أن نتوقع من هؤلاء الأشخاص الذين لم يروا حولهم سوى القتل والدماء؟، وكيف يمكننا أن نتعامل معهم؟".


ترك تعليق

التعليق