هل توقف المركزي السوري عن المتاجرة بالدولار؟، ولماذا؟


منذ شهرين ونصف، كانت آخر "خضة" شهدها سوق صرف العملات الأجنبية في سوريا. بعدها، عاش ذلك السوق استقراراً غير مسبوق، من ناحية الفترة الزمنية.

فهي أطول فترة زمنية يستقر فيها سعر صرف الدولار، مقابل الليرة السورية، ضمن هامش ضيق، الأمر الذي أضعف الاهتمام بتجارة العملة في أوساط السوريين، نسبياً.

لم ينخفض سعر صرف الدولار، مقارنة بما قبل تلك الفترة، ولم تستعد الليرة السورية جانباً من قيمتها المهدورة خلال السنوات الخمس الماضية، لكن استقرار سعر الصرف، يعتبر إنجازاً، كونه يؤدي إلى استقرار في أسعار معظم السلع في الأسواق.

في 22 من شهر آب الماضي، كانت آخر خضّة نفذها دريد درغام، الحاكم الجديد لمصرف سوريا المركزي، الذي رفع "دولار الحوالات" 30 ليرة دفعةً واحدةً، ليصبح بـ 515 ليرة. قبل ذلك بأيام، كان درغام قد رفع سعر صرف "دولار تمويل المستوردات"، 50 ليرة، دفعةً واحدةً، ليصبح بـ520 ليرة.

ومنذ ذلك الحين، وأسعار صرف "دولار الحوالات" و"دولار تمويل المستوردات"، مستقرة، وأسعار صرف الدولار في السوق السوداء، تتحرك ضمن هامش ضيق، لا يتجاوز 4 أو 5 ليرات في أحسن الأحوال.

كيف نفسر ذلك؟.. كيف نفسر نجاح المركزي في فرض استقرار نسبي لسعر الصرف؟

ظاهرياً، جاء دريد درغام حاكماً لمصرف سوريا المركزي وفق أجندة معلنة، تناقض سلفه، طويل الأمد، أديب ميالة.
فـ درغام رفع شعار عزل شركات الصرافة ومكاتبها عن عمليات تدخل المركزي، محملاً إياها مسؤولية التلاعب بأسعار الصرف، والنيل من سعر الليرة السورية.

لكن، جميع المراقبين، حتى منهم المقربين من النظام، كانوا يقرون بدور المركزي في تلاعب شركات الصرافة، فهو كان يخصص لبعضها، تلك المحسوبة على أزلام النظام والمقربة منه، الجانب الأكبر من السيولة التي كان يضخها في السوق من حين لآخر، تحت شعار لجم تدهور الليرة.

واتهم خبراء اقتصاديون وتجار، موالون، علناً، المركزي بالمسؤولية عن تدهور الليرة، عبر سياسة التدخل الخاصة به، والتي كانت تتم عبر شركات صرافة مقربة منه.

وكان خبراء اقتصاديون موالون، أكثر جرأة، اتهموا المركزي بالمتاجرة بالدولار، وبالإثراء على حساب الشعب السوري، عبر بيع الدولار بسعر مرتفع، ومن ثم العمل على تخفيض سعره، لشرائه من جديد من الناس، بسعر منخفض.
وقد سجل "اقتصاد"، عشرات الحوادث المماثلة، التي تواترت إلى الحد الذي يكفي للتأكيد بأن المركزي يتاجر بالدولار.

فهي انتهت حقبة متاجرة المركزي بالدولار، اليوم؟، ولماذا؟

يعلم الكثير من السوريين، أن المسؤولين في السلطة التنفيذية في سوريا، مجرد أدوات، تنفذ غايات وأهداف الدائرة الضيقة المحيطة بالنظام. وأنهم مجرد ستار لشرعنة تلك الغايات والأهداف، وإكسائها بشرعية قرارات الدولة.

فـ أديب ميالة، لم يكن يتاجر بالدولار، ويستنزف الاحتياطي النقدي الأجنبي في المركزي، لأنه يريد ذلك، من تلقاء نفسه، بل هو كان مجرد أداةً، طُلب منها تنفيذ تلك الأجندة، التي يُعتقد أنها كانت سبباً في إثراء الكثير من أزلام النظام والمقربين منه، على حساب معيشة السوريين التي كانت تتدهور أكثر، كلما تدهور سعر صرف الليرة السورية.

فما الذي حدث، ودفع النظام لجلب دريد درغام، بدل أديب ميالة، لينفذ أجندة جديدة، مفادها، تحقيق استقرار لسعر
صرف الدولار مقابل الليرة؟

بدايةً، لا نعتقد أن القضية قضية أجندات لتكنوقراط، لكل منهم سياسة، بل هم، كما سبق وأشرنا آنفاً، مجرد أدوات تنفيذية تتولى تنفيذ المطلوب منها. وكان دريد درغام الأنسب لتنفيذ الأجندة الجديدة لصناع القرار في الدائرة الضيقة للنظام، والتي مفادها تحقيق استقرار لسعر صرف الدولار.

فلماذا قرر النظام تحقيق الاستقرار في سعر الصرف؟، وهل قرر التوقف عن المتاجرة بالدولار، دائماً، أم بشكل
مؤقت؟

نذكر في نهاية شهر آذار المنصرم، أن وسائل إعلام معارضة عديدة أشاعت معلومات عن تظاهرة واضطرابات في دمشق، نفذها تجار مستاؤون من تذبذب سعر صرف الدولار، بصورة يومية، الأمر الذي عرقل قدرتهم على تنفيذ صفقاتهم التجارية بسعر دولار محدد.

بعيد ذلك، حذّر مراقبون اقتصاديون من "ثورة جياع" في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، بسبب تداعيات تدهور سعر صرف الليرة.

وفي نيسان الفائت، كشف البنك الدولي عن تقلص الاحتياطي من النقد الأجنبي، المتاح لدى المركزي في دمشق، من 20 مليار دولار، عام 2011، إلى أقل من 700 مليون دولار، حالياً، نفى المركزي ذلك الخبر، لكنه كان رسالة عابرة للقارات، على ما يبدو، تؤشر إلى الخطر المالي والنقدي الذي يُحدق بالنظام.

وسائل إعلام روسية، منها "روسيا اليوم"، الناطقة بالعربية، والمقربة من السلطات الروسية، سلطت الضوء بكثافة، حينها، على حقيقة تدهور سعر صرف الليرة، المتكرر، وما يعنيه ذلك، من ضعف الواقع النقدي والمالي للنظام السوري.

بعيد ذلك، وفي منتصف أيار، عاشت سوق العملة في سوريا، أكبر خضاتها على الإطلاق، إذ ارتفع الدولار بصورة متسارعة، ليصل إلى أكثر من 660 ليرة، ومن ثم هوى، وبسرعة دراماتيكية، إلى أقل من 500 ليرة.

وهدأت تلك السوق في رمضان، ومن ثم، تبدلت الحكومة، وأزيح أديب ميالة من موقعه، ليصبح دريد درغام، الحاكم الجديد لمصرف سوريا المركزي.

وبعد بضع "خضات" طفيفة، في أسعار الصرف، بعيد تولي درغام، هدأت تلك الأسعار واستقرت. ومنذ أكثر من شهرين ونصف، وحتى الآن، ما يزال هامش تحرك أسعار الصرف تلك، طفيفاً.

فهل خاف النظام من انهيار مالي ونقدي؟، أم هل خاف من الظهور بمظهر الضعيف مالياً ونقدياً بصورة تجعل الحليف الروسي يعيد النظر في جدوى التحالف معه باعتباره على حافة الانهيار الاقتصادي؟، أم هل خشي النظام من
"ثورة جياع" بالفعل؟

أياً كانت الإجابة.. يبدو أن نظام الأسد قرر منذ تكليفه دريد درغام، مسؤولية إدارة مصرف سوريا المركزي، التوقف عن المتاجرة بالدولار..

لكن السؤال الأهم: هل هذا التوقف سيكون مؤقتاً، لزوم إظهار النظام بمظهر القوي مالياً ونقدياً؟.. أم أنه سيكون استراتيجية دائمة، حتى لو كانت على حساب مصالح المستفيدين من أزلام النظام من تجارة العملة؟

أسئلة سيكشفها القادم من الأيام.

ترك تعليق

التعليق