هل يمكن إسالة لُعاب ترامب في سوريا؟


كان لافتاً الاقتراح الذي ساقه الزميل الإعلامي، عدنان عبد الرزاق، بأن يُحاوَر دونالد ترامب من قبل رجل أعمال سوري، مقترحاً اسم أيمن أصفري، في هذا السياق.

وبمقدار بداهة الاقتراح، وجوهريته، بمقدار التعقيد الذي يلفّ عملية تنفيذه، مع التأكيد على نفي استحالته، لو توفرت الإرادة لدى الفاعلين من نخبة رجال الأعمال السوريين.

وفيما تتفاقم أزمة السوريين، وانقساماتهم، في ابتلاء الفصائلية القاتل، الذي قسّم المقاتلين، والساسة، يبدو أن أنصار الثورة التي تمثل الشريحة الكبرى من السوريين، بحاجة ملحة لنخبة تشكل نواة ضيقة لقوة سياسية قادرة على قيادة قطار الثورة المتباطئ، والذي يكاد ينحرف تماماً عن سكته.

فهل هناك أفضل من نخبة رجال الأعمال، تلك القادرة على الجمع بين حنكة التاجر وفطنة السياسي وملمس المصلحة لدى الانتهازي.

في سابق الدهور، من تاريخ سوريا القريب، تمكنت برجوازيتها من أن تغيّر مساراً رسمته قوى كبرى لها، في عهد الانتداب الفرنسي، فتمكنت من تجاوز مخططات التقسيم، وخرجت بسوريا التي نعرفها اليوم، قبل أن تقع فريسةً لانقساماتها، وتنكب وراء تبعية مصلحية لأطراف خارجية، وتتعالى في الوقت نفسه على المؤسسة العسكرية وتنكفئ عنها، لتتركها نهباً لمشاريع أقلوية، أفلح أحدها في تغيير مسار التاريخ السوري المعاصر، على يدي حافظ الأسد.

مؤخراً، اجتمع للثورة السورية، نخبة من رجال الأعمال المؤيدين، المتفقين على دعمها، علناً، أو ضمناً، لكن كان لكلٍ منهم مشروعه الخاص، ونرجسيته المتفردة. كل منهم كان يأمل أن يكون "حريري سوريا"، فما أفلح أحدٌ منهم، وربما حان الوقت ليدركوا، أن سوريا أكبر من "حريري واحد"، وأنها بحاجة لنخبة من "الحريريين".

هل يمكن كسب الخارج لصالح الثورة السورية؟، بما فيه الطرف الأمريكي؟.. فشلت محاولات السوريين المؤيدين للثورة في تحقيق ذلك، وحقق بشار الأسد ونخبته نجاحات ملحوظة في ذلك، فحظوا بـ "خارجهم" الخاص، الذي
دعمهم بقوة، فكيف فعلوا ذلك؟

بدايةً، رأى "خارجهم" الخاص، فيهم، نخبة متماسكة، قادرة على الإمساك بزمام عوامل قوتها، من جيش وقوى أمن، ومؤسسات دولة، وموارد خاضعة لسيطرتهم. ومن ثم، أغرتهم نخبة نظام الأسد بالمكاسب الاستراتيجية والاقتصادية واللوجستية، المتحصلة من الفوز في معركة النزاع بسوريا.

أما "الخارج" الذي نظن أنه "داعم" للثورة السورية، وجد فيها شيئاً آخر، قوى منقسمة، يرفع معظمها شعارات مخيفة بالنسبة له، قابلة للانسياق والتبعية المطلقة في الكثير منها، هي أقرب للارتزاق في حالات، وللعدمية والعبثية في حالات أخرى، دون أن ننسى أن لا نخبة تقودها، أو تمسك بزمامها، يمكن التفاهم معها. فكانت لعبة "الخارج الداعم للثورة"، لعبة إدارة هذه القوى، والإفادة منها، لتكون أدوات وأوراق قوة له في الداخل السوري، وليس حليفاً يمكن تبادل المنافع معه.

في هذه الأيام، فيما يتقدم رجل أعمال ناجح إلى قبة السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية، يبدو السوريون في أحوج ما يكونوا لثلة من رجال الأعمال، القادرين على تشكيل تجمع سياسي، قوي، مدعوم بعنصر المال، والخبرة المتولدة من عالم الأعمال، ليعمل رويداً، في طريق شاق، لتجميع أوراق قوة ونفوذ ميدانية في الداخل السوري، يستطيع في مدى قريب، معها، أن يكون مفاوضاً مثيراً للاهتمام لدى ترامب وأمثاله من متعهدي المصلحة الأمريكية في منطقتنا، وكذلك، لدى أقرانه ربما، في الخليج وتركيا، أيضاً.

تلك النخبة، لو تشكلت، وتأتى لها النفوذ المأمول، يمكن لها أن تُسيل لُعاب ترامب في سوريا، عبر ملفات قد يكون من أبرزها، إعادة الإعمار، ومد خطوط الغاز من قطر عبر سوريا إلى المتوسط فأوروبا، مما يشكل نصراً استراتيجياً للغرب على روسيا، وربما أيضاً، استثمار الكثير من مكامن النفط والغاز المأمولة في الساحل، وفي الجزيرة، دون أن ننسى، القيمة اللوجستية للموقع السوري، الذي يمكن الإفادة منه كثيراً في عالم التجارة والترانزيست في شرق المتوسط.

ملفات عديدة يمكن إسالة لعاب ترامب عليها، كما يفعل بشار الأسد مع حلفائه تماماً، لكن ذلك يتطلب بدايةً أن تكون هناك نخبة تملك زمام تلك الملفات حقاً، وتملك القدرة على تقديم نفسها بالشكل اللائق أمام الخارج الإقليمي والدولي.

ليس حُلماً مستحيلاً، بل على العكس، هو أسهل مما نتصور، لكن لدينا في الطريق إليه عقبتان كبيرتان، الفصائلية والفردانية السورية، إن تم التغلب على هاتين السمتين، لصالح حراك جماعي يقبل بقيادة قادرة على مخاطبة الخارج بالصورة المأمولة، يمكن لنا حينها أن نتقدم لذلك الخارج ببديل عن نظام الأسد، يمكن المراهنة عليه. أما أن نبقى في دائرة فصائل الداخل المتناحرة، ومشاريع أشخاص أثرياء يريدون التفرد في الخارج، لن نصل إلى جديد، وسنبقى نهباً لرؤية غربية لا يبدو أنها ظالمة كثيراً، مفادها، أن البديل المناسب عن نظام الأسد، غير متوافر.

ترك تعليق

التعليق