هل يسدد الأسد فاتورة إعمار سوريا؟


حتى قبل أن يُغلق ملف شرق حلب تماماً، كان الحديث قد بدأ جدياً حول ملف إعادة إعمار سوريا. وبهذا الصدد، يُعتقد أن مساومات تدور بالفعل. وتشير مصادر إعلامية متقاطعة إلى أن الأوروبيين يبحثون عن نفوذ لهم في سوريا المستقبل، عبر المال وملف إعادة الإعمار.

وقبيل منتصف الشهر الجاري، ظهرت تلك المساومات إلى العلن. فقالت أوروبا في بيان لاتحادها، أنها لن تشارك في إعادة إعمار سوريا، إن لم تترك روسيا ونظام الأسد، للمعارضة، مكاناً، في المستقبل.

وتسود حول تلك المساومات، نظريتان. الأولى، تلك المُعلنة في خطاب الأوروبيين، بشكل جلي، عبر بيان رسمي صادر عن اتحادهم، أن أوروبا لن تساهم في إعادة إعمار سوريا، إلا في حال حصل انتقال سياسي ثابت وموثوق به.

بمعنى آخر، وحسب نص البيان، فإن الأوروبيين يساومون الروس على إزاحة الأسد، مقابل تقديمهم سيولة مالية ضخمة، لإعادة إعمار سوريا، تُفيد منها روسيا عبر نفوذها الاقتصادي والعسكري والسياسي في سوريا المستقبل.

وإلا، فإن الأوروبيين سيُحمّلون كلفة إعمار سوريا للروس وحلفائهم الإيرانيين، وهي كلفة باهظة، تذهب تقديرات أولية إلى أنها قد تصل إلى 400 مليار دولار أمريكي، ولا يعتقد مراقبون محايدون أن دولاً كروسيا وإيران، قادرة على تحمل تلك التكلفة الباهظة لإعادة إعمار سوريا. مما يعني أن الروس والإيرانيين سيملكون نفوذاً في دولة مدمرة، يشكل استمرار حكم نظام الأسد فيها، عبئاً اقتصادياً على كواهلهم. خاصة على كاهل الإيرانيين.

لكن نظرية أخرى حول مساومات الأوروبيين والروس، حول إعادة إعمار سوريا، تعتمد ما يُشاع أنه قِيل في لقاءات غير معلنة، تحدثت عنها مصادر إعلامية غربية، مفادها، أن الأوروبيين قد يقبلون ببقاء الأسد، لكن مقابل أن يكون لفصائل المعارضة المستعدة للتسوية، دور في إدارة مناطقها بصورة ذاتية، مقابل بقاء مؤسسات الدولة السورية المركزية تعمل في تلك المناطق، بشكل طبيعي.

ومقابل قبول هكذا تسوية، ستدفع أوروبا أموالاً طائلة، لقادة فصائل المعارضة، ولنظام الأسد. وستساهم في إعادة إعمار سوريا بزخم كبير.

وحسب تلك النظرية، التي أوردتها صحف غربية، فإن الأوروبيين قد يضطرون للقبول بإعادة إعمار سوريا، حتى تحت ظلال الأسد، رغم استيائهم منه، كوسيلة وحيدة لوقف تدفق اللاجئين السوريين إلى أراضيهم.

وفي خضم النظريتين، يغيب أي دور للأمريكيين، الذين يعتقد مراقبون أنهم سيبتعدون أكثر عن الشأن السوري، في عهد الرئيس المنتخب، دونالد ترامب.

النظام بدوره، يطرح نظرية ثالثة، للمساومات، أكدها بشار الأسد نفسه، وتناقلتها بتفاصيل مثيرة، غير معروفة المصادر، وسائل إعلامية لبنانية، مقربة من النظام. فالأسد يعتقد أن عملية إعادة إعمار سوريا، عملية مثيرة لشهية مختلف الدول والشركات. لذا ستتسابق مختلف الأطراف الخارجية لحجز مكانٍ فيها، دون أي اعتبار للجانب السياسي. بل ذهب الأسد أبعد من ذلك، حينما أشار أكثر من مرة، إلى أنه سيتحكم، عبر حكومته، في تحديد الدول الأكثر استفادة من عملية إعادة إعمار سوريا، وهي بالتحديد، الدول الصديقة، وفي مقدمتها، روسيا وإيران.

لكن تفاصيل تلك النظرية، التي خاضت فيها وسائل إعلامية لبنانية، دون تحديد مصادر معلوماتها، تؤكد أن عملية إعادة إعمار سوريا التي تتطلب أكثر من 400 مليار دولار أمريكي، والتي ستدوم على مدى عشر سنوات، ستسدد سوريا ديونها عنها خلال 20 سنة، أي بمعدل 20 مليار دولار أمريكي سنوياً، ذلك دون احتساب الفوائد.. تلك العملية، تتطلب ضمانات من البنك الدولي والمؤسسات المصرفية العالمية. وهي مؤسسات يشكل الغرب، ومن ضمنه، الأوروبيون، العمود الفقري فيها.

بمعنى آخر، لا يستطيع الأسد أن يحدد، حسب ما يحلو له، من سيُعمّر سوريا، لأن التكلفة الكبرى لإعادة الإعمار، ستضمنها جهات غربية.

وبذلك نرجع إلى المساومات بهذا الشأن التي يبدو أن الأوروبيين يراهنون من خلالها، على الحفاظ على نفوذهم في سوريا، باستخدام قواهم الناعمة، الاقتصادية. وهي مساومات يظهر أن الأسد ليس طرفاً فيها.

وكخلاصة، يبدو من المبكر الجزم بصيغة الاتفاق الذي سيحكم عملية إعادة إعمار سوريا. لكن من الجلّي، أن الأسد لن يكون اللاعب الحاسم فيه، بل على العكس، قد يكون ورقة تفاوضية في خضمه. فمصالح الروس والإيرانيين ستكون أكبر لو تخلوا عن الأسد، مقابل نفوذهم في سوريا، بصورة يمكن استثمارها اقتصادياً في عملية إعادة إعمار، يدفع الغرب، وربما إلى جانبهم، الخليجيون، تكاليفها الرئيسية.

وفي أحسن السيناريوهات، بالنسبة للأسد، سيكون بقاؤه كرئيس يعني الحدّ بصورة نوعية من نفوذه وسلطاته، لصالح فصائل معارضة، وبحيث لا يمون على الكثير من قضاياه، إلا برضا الروس والإيرانيين، وشركائهم المستقبلين في إعمار سوريا، من الأوروبيين، وربما الأتراك أيضاً، وجهات خارجية أخرى.

وهكذا يبدو أن الأسد سيُسدد فاتورة إعادة إعمار سوريا، من نفوذه ومن سلطاته، ليكون ذلك الإعمار على حسابه، بعد أن أدى دوره في هدم سوريا، بأمانة شديدة.

 

ترك تعليق

التعليق