الأسد الذي لم يمت.. ووفد الصناعيين الغامض


لم تنجح الآلة الإعلامية المهترئة لنظام بشار الأسد، في إثبات أن الرجل بخير، أو على الأقل، أنه يتمتع بكامل قوته ونفوذه. فكان الفيديو الصامت الذي بثته وسائل إعلام موالية، للقاء الأسد مع وفد غامض من الصناعيين، مصدراً لمزيد من التشكيك حول وضع رأس النظام.

وإن كان الفيديو نجح، نسبياً، في إثبات أن الرجل لم يمت، وأنه ليس بحالة صحية حرجة، كما أُشيع، إلا أنه أوحى بأن بشار الأسد لا يتمتع بالأريحية المعتادة. ولا نستطيع أن نجزم إن كان ذلك الإيحاء ناجما عن الإعداد والإخراج السيء للقاء وفد الصناعيين الغامض، أم أنه ناجم عن وضعية خاصة بات بها الأسد، تتفق مع توقعات مراقبين بأن حياته ونفوذه في خطر، جراء تسوية محتملة للأزمة السورية، تصر عليها روسيا.

النظرية الأخيرة تحديداً، يعززها الفيديو الصامت الذي بثته وسائل إعلام النظام، فاللقاء المصوّر احتوى على عشرات الثغرات التي تثير الجدل. أبرزها على الإطلاق، مكان اللقاء، الذي من الواضح أنه تم في عمارة، وداخل شقة سكنية، وليس في قصر الشعب، حيث يستقبل الأسد، عادةً، ضيوفه.

لكن مصادر الشك والجدل لا تقف عند ذلك، بل تتعداها لتنال من شخصيات وفد الصناعيين الغامض، الذي لم يتعرف عليه أحد من المراقبين، والذي ضم سبعة أشخاص، أربعة منهم نساء، ثلاثة محجبات.

ولم يكن أحد من الصناعيين الرجال، المُفترضين، يلبس بدلة رسمية، في لقاء مع شخص بمكانة بشار الأسد، بالنسبة لهم. بل كان أحدهم يرتدي الجينز. كما أن غلبة العنصر النسائي على وفد الصناعيين غير المعروف، يطرح تساؤلات، هل باتت الصناعيات أكثر من الصناعيين في سوريا؟!

حركات الأسد كانت كثيرة، وحرص مخرجو الفيديو على أن يصوروه وهو يستقبل بـ "كامل لياقته"، وفد الصناعيين من الباب، الأمر الذي كشف أن اللقاء تم في شقة سكنية، وليس في قصر الشعب، وفي صالون استقبال تغيب عنه معالم الفخامة.

لكن اللافت أن الأسد كان حريصاً على استخدام كلتا يديه، في حركات كثيرة، بل بدا الأسد "أكثر حيوية" من المعتاد، ولا يصمت، ولا تهدأ حركات يديه، طوال اللقاء المصوّر، بغية التأكيد على أنه لم يُصب بجلطة دماغية.

بطبيعة الحال، لم يكن ذلك كافياً، فـ"فيصل القاسم"، الإعلامي السوري المعارض الذي تحدى الأسد أن يخرج، علّق على ظهوره الإعلامي هذا، بأن الأسد مصاب بعينه اليسرى، ولا يستطيع الرؤية بها، حسب مصادر فيصل القاسم.

فيما علّق مراقبون آخرون مشككين بتاريخ التسجيل، هل هو حديث؟، أم أنه تسجيل قديم ولعدم أهميته لم يُبث، وتم بثه الآن واستخدامه للقضاء على شائعات موت أو مرض الأسد؟

نفي مكتب الرئاسة بدمشق، وصفحة الرئاسة على فيسبوك، للشائعات عن مرض الأسد، أجج الشكوك أكثر، إذ لم تعتد الجهات الرسمية المحسوبة على الأسد أن تنفي أي خبر عن موته أو إصابته أو مرضه، بعد أن أماته المعارضون له عدة مرات، خلال السنوات الست الفائتة.

لماذا هذا الحرص على النفي من جانب نظام الأسد؟، ولماذا هذه المسارعة لإعداد فيديو على عجل، بإخراج سيئ، ومضمون غير مقنع، إلا لناحية التأكيد على أن الأسد بخير؟، ولماذا يستقبل الأسد ضيوفه المُفترضين خارج قصر الشعب، وفي مكان مجهول؟

أجوبة عديدة مرتبطة تحديداً بمصدر الشائعات الأول، الذي يعتقد مراقبون أنه روسي، الأمر الذي يتيح أمام الخيال الواقعي، سيناريوهات عدة. أحدها مثلاً، أن الروس هددوا الأسد أو على الأقل، علم بنيتهم، تصفيته، إن لم يقبل الانخراط في عملية تسوية سياسية جدية. أو ربما، علم الأسد أن الإيرانيين يريدون التخلص منه بغية خلط الأوراق.

بكل الأحوال، وفد الصناعيين الغامض، والفيديو الصامت المُرفق بلقائهم، أثبت نسبياً، أن الأسد حيٌ، لكنه عزز الشكوك بأن الأسد ليس بخير، ربما ليس في صحته، لكن في مكانته، فهو بات مضطراً لاستقبال ضيوفه خارج قصره، الذي أسسه والده. الأمر الذي يُوحي بأن قادم الأيام ربما سيكون عصيباً على الأسد، الذي لم يمت بجلطة دماغية نتيجة الضغط النفسي الذي أوحت به مصادر روسية، بانتظار نهاية مفجعة أكثر.

ترك تعليق

التعليق